يوجد الملايين من الرجال المصابين بعقم مستعص مع غياب كامل للحيوانات المنوية غير انسدادي نتيجة ضمور كامل او جزئي في الخصية مع تخاذل الانطاف فيها كما يوجد العديد من النساء المصابات بضمور المبايض وفشل الإنتاج والذي قد يحدث في سن مبكرة لديهن اما لأسباب خلقية او عوامل خارجية خلال مراحل الحياة. ومع ان هذه الحالات تعتبر من اشد حالات العقم صعوبة في العلاج او قد تكون في نظر البعض مستحيلة العلاج الا ان رحمة الله اوسع وباب فضله لا ينقطع وكمسلمين يجب الا يفقد المرء رجاءه بخالقه فكم من حالة كانت تعتبر من المستحيلات بالعرف الطبي اصبحت من الممكنات بفضل الله تعالى ثم بفضل التطور العلمي الذي مازال يدهشنا كل يوم بخطوة متقدمة كانت من النظريات المستحيلة في وقت سابق.
وعند الحديث عن العقم المستعصي عند الرجل والمرأة نتيجة ضمور الخصية او المبيض والذي يحدث في حوالي 1-2% من الأزواج وبعد فشل العلاج بالوسائل المعروفة الدوائية والجراحية دائما ما يبرز السؤال التالي: هل من أمل في الإنجاب؟ وهنا يتردد ذكر الخلايا الجذعية كبادرة امل وعلاج مستقبلي لمثل هذه الحالات. وقد اشرنا الى ماهية الخلايا الجذعية وامكاناتها والمعوقات في طريقها في العيادة الماضية وهنا اشير الى ماتم انجازه عالميا في هذا المجال لعلاج العقم عند الجنسين.
ففي عام 2006 م أثبت العلماء لأول مرة أنه بالإمكان استخدام حيوانات منوية تستزرع من خلايا جذعية للأجنة، في التناسل. وفي هذه الدراسة التي نشرت في دورية دراسة التطور الخلوي أخذ البروفيسور كريم نايرنيا وزملاؤه بجامعة جيورج- أوجست بجوتينجن في ألمانيا، خلايا جذعية من جنين أحد الفئران كان عمره بضعة أيام فقط واستزرعوا تلك الخلايا في المعمل. وتمكن العلماء باستخدام معدات فرز خاصة من عزل بعض الخلايا الجذعية التي بدأت تتطور لتصبح حيوانات منوية ووفر العلماء الظروف المناسبة لتلك الخلايا الجذعية في مراحلها الأولى لتنمو لتصبح خلايا حيوانات منوية بالغة ثم قاموا بحقن بعضها في بويضات فئران وقد نمت البويضات المخصبة وتم زرعها بنجاح داخل رحم فأرة وولدت سبعة فئران. وجرى إنتاج سبعة من صغار الفئران، عاشت ستة منها حتى البلوغ غير أن الفئران التي أنتجت بهذه التقنية الجديدة ظهرت عليها أنماط نمو غير طبيعية، ومشكلات أخرى، مثل صعوبات في التنفس. وتبعت هذه الدراسة عدة دراسات عالمية منها ماتم اطلاقه من جامعة UCLA عن انتاج حيامن من خلايا جذعية مستخلصة من نخاع العظم والتي تم زرعها في خصية حيوانات تجارب تعاني من فشل الانطاف والتي بدورها تمكنت من انتاج حيوانات منوية لكنها كانت غير مكتملة النمو، ومن اخر ماتم اطلاقه ونشر في هذه العيادة من تمكن علماء أميركيين من جامعة ستانفورد بكاليفورنيا يقودهم العالم رينيه بيرا من تحويل الخلايا الجذعية البشرية إلى حيوانات منوية وبويضات ولكن في مراحل تكوينها الأولى. ومازالت الدراسات على قدم وساق لمعرفة الظروف المناسبة من درجة حرارة وتراكيز هرمونية مختلفة وعوامل دعم مساعدة اخرى حتى الحصول على حيوان منوي بالغ والذي بدوره يملك القدرة على اكمال تخصيب البويضة. ومع ان المبالغ المرصودة في ابحاث الخلايا الجذعية قد تفوق ميزانية بعض الدول ومع وجود العديد من المختبرات العالمية والتي تتسابق للحصول على سبق في نتائج مثل هذه الابحاث ومع تزايد الطلب على مثل هذه التقنية لارتفاع معدلات العقم العالمية المسجلة عند الطرفين الا ان التقدم فيها من ناحية التطبيقات البشرية مازال بطيئا ومعقدا وقد يعود ذلك الى اننا مازلنا غير ملمين بكثير من تفاصيل تطور الخلية التناسلية البشري كما ان الكثير من مراحل نمو الحيوان المنوي من الخلية الأم الى الحيوان المنوي البالغ والقادر على التخصيب مازالت غير معروفة ويكتنفها الكثير من الغموض ليس فقط من الناحية البيولوجية ولكن كذلك من ناحية الظروف المحيطة به البيئية والكيميائية.
أحب في ختام هذا الموضوع ان الفت الانتباه الى قضية مهمة جدا وهي استغلال مصطلح الخلايا الجذعية الذكية في علاج الكثير من المرضى دون مراعاة أي قواعد علمية أو طبية أو أخلاقية على الإطلاق. وبرأينا ان هذه الممارسات جريمة لا تغتفر بحق المرضى الذين يتعلقون بآمال وهمية يبيعها لهم من يتاجرون بآلامهم من أجل مكسب مالي او شهرة زائفة ... وأود هنا ان أؤكد على أن أبحاث الخلايا الجذعية مازالت في بداياتها، ولكي نجد نتيجة ملموسة من علم الخلايا الجذعية فاننا أمام خطوات عديدة وسنوات من العمل الدؤوب والبحث المتواصل.
فكبار الباحثين العالميين مازالوا يحاولون فك شفرة هذه الخلايا الذكية للتغلب على خطر انقساماتها اللانهائية التي يمكن ان تؤدي الى أورام خطيرة او أجنة مشوهة ، كما ان الانجازات العلمية ايضا ليست وليدة الصدفة، بل هي تتم طبقا لبروتوكول عملي دقيق ومنضبط وتدريجي ، ويتم تحت مظلة مالية ضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ومن هذا المنطلق يجب التنبيه والتحذير من أن المتاجرة باستخدام تكنولوجيا علم الخلايا الجذعية كعلاج كما يحدث للأسف في بعض الدول القريبة هو خداع للمرضى ومتاجرة بهم ليس فقط للهدر المادي ولكن لأن ذلك قد يؤدي الى نتائج عكسية، ولكون تلك التكنولوجيا لازالت قيد البحث وفي طور الغموض ولم تتضح معالمها بعد ، لذلك يجب أن تكون مشاركة المريض في تلك الأبحاث تطوعية ومجانية فلا يدفع فيها المريض أي مقابل ، ولدى مراكز معتمدة عالميا وضمن أبحاث مرخصة ومراقبة.