في ظل الحجم المتزايد للقواعد الذكية للبيانات "كالداتا ويرهاوس" أصبح من المستحيل التعامل معها بالطرائق التقليدية من أجل الوصول للمعلومة الهامة. لذا يلزم تفعيل التعامل الالكتروني معها للاستفادة منها عن طريق تحليل تلك البيانات ودراستها ومن ثم التوصل لاقتراحات فورية تساعد على رفع مستوى الخدمة وكفاءتها، وكذلك الخروج بتوصيات وتوقعات مستقبلية تساهم في وضع الحلول المناسبة لمعالجة المشكلات وتفادي الأخطاء قبل وقوعها بهدف التطوير بشكل عام. ويوجد هناك تطبيقات تقوم بتلك المهام تدعى "تنقيب وتحليل البيانات واستخراج المعرفة":
Data Mining and Knowledge Discovery
وهذه العملية هي عبارة عن استخراج المعلومات المترابطة والتي تشترك بخصائص وصفات متشابهة من بيانات تاريخية متوفرة. فهي تعتمد وبشكل كبير جدا على توفر البيانات الكاملة والصحيحة؛ وتعتبر من الأساليب المهمة والفعالة في كثير من العلوم. وكذلك تستخدم في كثير من المؤسسات الحكومية والشركات الأهلية والتي عمدت على تخزين بياناتها في مخازن وقواعد للبيانات من أجل تحليلها والتركيز في أهم المعلومات فيها للاستفادة منها لاستكشاف السلوك واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب. وتجمع عملية تحليل البيانات بين ثلاثة علوم هي: الإحصاء Statistics وقواعد البيانات (Databases)، والتعليم الآلي (Machine Learning)، ولعله من المفيد هنا توضيح المصطلحات التالية:
البيانات، هي الحقائق والأرقام والاحصاءات والقياسات المتراكمة عبر الزمن.
المعلومات، بيانات مترابطة لها معنى.
المعرفة, هي الفائدة الناتجة من تحليل البيانات واستنتاج المعلومات, كتحليلات منطقية وتوقعات مستقبلية.
فعلى سبيل المثال: مجال التسويق يعتبر من المجالات التي تستفيد من عملية "تنقيب" وتحليل البيانات من أجل تشخيص حال الشركات ودراسة وضعها الحالي والتنبؤ بمستقبلها التسويقي بالاعتماد على بيانات سابقة لهذه الشركات. فشركات بيع المواد الاستهلاكية تستطيع أن تستفيد من البيانات الناجمة عن عمليات البيع اليومية؛ كمعرفة الأصناف التي يتم شراؤها سوياً لكي يتم عرضها مستقبلا جنبا إلى جنب لتفعيل حركة البيع؛ وكذلك معرفة الأصناف التي يقل الإقبال عليها في أيام محددة ليتم عمل حملات ترويجية لها ووضع خصومات تشجيعية.
ويوجد هناك مجال آخر لعملية تحليل البيانات: فالتنبؤ بأحوال الطقس يعتمد وبشكل كبير جدا على تحليل البيانات المكونة من إحصاءات أحوال الطقس لسنوات طويلة ماضية؛ فعند معرفة سرعة واتجاه الرياح ليوم محدد في السنة و درجة الحرارة ومدى كثافة السحب ومستوى الرطوبة، أمكن التنبؤ باحتمالية هطول أمطار في ذلك اليوم من عدمه.
والسؤال المهم هنا وبعد الإطلاع على المثالين السابقين والنتائج الفعالة لتوظيف المعرفة والاستخدام المفيد لتقنيات تحليل البيانات، خاصة في ظل المتطلبات والمتغيرات المتسارعة لوقتنا المعاصر المليء بالتحديات، لماذا لا يتم الاستفادة من عملية تحليل البيانات في خدمة النقل المدرسي؟ ولكن قبل هذا يجب جمع البيانات اللازمة من خلال عدة طرائق منها:
* نظم النقل الذكية، التي تطرقت لها في مقال سابق لفك الاختناقات المرورية في المدن الكبيرة
فنظم النقل الذكية ذات فائدة كبيرة في عملية النقل المدرسي، فهي تحتوي على أجهزة تتبع المركبات الالكترونية والمرتبطة عبر الأقمار الصناعية لتحديد مكان الحافلة عبر الاحداثيات وبالتالي تسجيل جميع بياناتها وحركة سيرها على مدار الساعة .
فنظم النقل الذكية ذات فائدة كبيرة في عملية النقل المدرسي، فهي تحتوي على أجهزة تتبع المركبات الالكترونية والمرتبطة عبر الأقمار الصناعية لتحديد مكان الحافلة عبر الاحداثيات وبالتالي تسجيل جميع بياناتها وحركة سيرها على مدار الساعة .
* وسائل الإحصاء (مثل أجهزة الرصد الدقيقة أو كاميرات مراقبة الطرق أو عمل بعض الدراسات الميدانية) وذلك لجمع كل البيانات من تفاصيل وأحداث عملية النقل اليومي طيلة أيام السنة.
فمن خلال تلك الطريقتين يمكن الحصول على البيانات اللازمة والاحصاءات الممكنة لكل حافلة تستخدم في عملية النقل المدرسي مثل: موقع المنطقة السكنية، خط السير، أحوال الطقس، عدد مسارات الطرق المستخدمة ومدى اتساعها، بيانات قائد الحافلة كالعمر والحالة الاجتماعية والصحية، عدد الطلاب الممكن خدمتهم، متوسط المسافة المقطوعة، متوسط عدد الحوادث، مدى الازدحام المروري الحاصل، متوسط وقت التأخير، متوسط السرعة وهكذا.
وعند توفر مثل هذه البيانات وأكثر، نستطيع أن نستخرج المعرفة من مناجمها باستخدام أدوات ذات قدرة عالية على التحليل والاستنتاج للخروج بتوصيات واقتراحات مستقبلية لدعم خدمة النقل المدرسي ولرفع كفاءتها في الأعوام التالية.. فعلى سبيل المثال يمكن تحديد الأسباب الرئيسة لعملية تأخير توصيل الطلاب والطالبات ليتم تلافيها مستقبلاً. ومعرفة هل التأخير يعتمد على أيام أو أسابيع محددة في السنة، كالأيام التالية للإجازات أو أيام نهاية أو بداية الفصل الدراسي ليتم أخذ الاحتياطات اللازمة في تلك الأيام؟ أم إنه يتعمد على أسباب متعلقة بقائدي المركبات وأحوالهم الشخصية في أيام مختلفة ليتم معالجتها؟ ام انه ناجم عن موقع المنطقة السكنية والظروف المحيطة بها؟ أو انه يعتمد على مجموعة مترابطة من تلك العوامل؟ وهكذا.
وبالاعتماد على تلك البيانات يمكن أيضا تصنيف و"عنقدة" الشوارع وفق لحركة السير فيها ودرجة الاختناقات المرورية والمناطق التي تكثر فيها حوادث السيارات في أيام وأوقات محددة لكي يتم تجنبها وذلك عن طريق رسم الكتروني لحركة السير المناسبة لكل حافلة (كروكي) وتعطى لقائدها. فالأهم في خدمة النقل المدرسي ليس طول المسافة بل الوصول بطريقة آمنة ومريحة وبدون تأخير.
كذلك يمكن اكتشاف العوامل المترابطة والتي لا تتناسب مع مواقع بعض المناطق السكنية لكي يتم معالجتها؛ مثلاً عدم تناسب بعض أحجام الحافلات وطبيعة قائديها لبعض المناطق السكنية لأسباب معينة. لذا إذا تم الحصول على جميع البيانات ذات العلاقة أمكن تصنيف الحافلات بأنواعها وطبيعة قائديها على المناطق السكنية المختلفة بطريقة تساعد على تجنب المشاكل وبالتالي تساهم في رفع مستوى الأداء.
وعند توفر بيانات أكثر فيما يتعلق بجدولة الحافلات و أوقات مرورها على منازل الطلاب والطالبات، يمكن الخروج بتوصيات مهمة تساعد على إيجاد جدولة ذكية تساعد على تجنب التأخير. وكذلك يمكن تحديد مسار الحافلات بطريقة تضمن إتمام المهمة على أتم وجه لتلافي المعوقات ما أمكن، كدمج الأماكن التي تنتظم في خط سير متشابه. ويوجد هناك الكثير من الفوائد والاستنتاجات . و يجب إطلاع مشرفي النقل على النتائج والاقتراحات الناتجة عن عملية تحليل البيانات - سواء الفورية منها أو المستقبلية - وكذلك توصيل ما يلزم منها لقائدي الحافلات بطريقة دورية ومنتظمة - عن طريق أجهزة السير الذكية مثلا - لتمكينهم من اتخاذ القرار قبل البدء برحلاتهم اليومية. متطلعاً في المستقبل القريب لإفراد مقال آخر يوضح طريقة تحليل نظام تتبع المركبات للخروج بنتائج تشغيلية لتفعيل خدمة النقل المدرسي وزيادة كفاءتها.