هناك محطات مهمة في التاريخ العربي أعادت تشكيل المنطقة بشكل إيجابي أحياناً وسلبي في أحيان أخرى.
المحطات كثيرة، ولكن لو أردنا حصرها في الأهم لأمكننا أن نخرج بقائمة ليست طويلة:
أولها بلا شك الإسلام، حيث أصبح للعرب كيان وحضارة وتراث لم تكن لهم من قبل.
الغزو المغولي.
قيام الدولة الأموية في الأندلس، ما أتاح للعرب مواصلة الإبداع بشتى فنونه.
الاحتلال العثماني الذي صاحبته حالة نكوص عربية استمرت لعدة قرون.
الاستعمار وما أعقبه من حركات التحرير التي فشلت جميعها في تحقيق الحلم العربي برغم الزخم القومي المصاحب.
الثورات الشعبية التي تجتاح العالم العربي من قلبه إلى أطرافه. وهو حدث لم تعرفه العرب من قبل. ولئن كُتب لها النجاح فستأتي في المرتبة الثانية بعد الإسلام من حيث الأهمية بلا شك، ومن حيث الإيجابية كذلك.
ولعل مايميز جيلنا عن الأجيال السابقة هو أننا نملك كل مقومات النهوض من إتاحة للمعرفة نشترك بها مع كل أمم الأرض. كما وأننا نملك مقومات النهوض الأخرى (الإمكانات المادية، والطاقة البشرية المؤهلة، والبنية التحتية، والتجربة النهضوية لأهم الأقطار العربية).
إذا كنا نملك كل تلك المقومات، فما الذي ينقصنا لنصل إلى مصاف الدول المتقدمة؟بل ماالذي ينقصنا لتقديم أنموذج حضاري جديد يجمع ميزات الحضارة الغربية مع ميزات الحضارة العربية؟
لو أردت تلخيص النقص بكلمة واحدة لقلت تنقصنا الإرادة!
تنقصنا الإرادة في كل مناحي الحياة.
إرادة التغيير.
تغيير المسلّمات الخاطئة.
تغيير الواقع من مجتمعات ينخرها الفساد إلى مجتمعات تتمتع بالشفافية يحكمها قانون شامل.
تغيير البناء الاجتماعي والسياسي لكي نضمن الاستقرار والارتقاء.
تغيير العناصر الآسنة واستبدالها بعناصر وطنية قادرة على تنفيذ الخطط، ولا تمانع في النقد والمساءلة.
تغيير الحالة الفردية والمجتمعية من الخوف والانكفاء إلى الانفتاح والتحرر من كل أشكال الخوف.
وبرغم أهمية الحرية الفردية والفكرية، إلا أنهما وحدهما ليستا كافيتين لبناء مستقبل أفضل، مصداق ذلك واضح في التجربة اللبنانية التي تتمتع بحرية فردية وحرية فكرية ولكنها لم تستطع أن تنقذ المواطن اللبناني من أزمات الحكومات المتتالية.
التجربة اللبنانية تؤكد أهمية الإرادة في بناء المستقبل العربي.
إرادة التحرر من ولاء الطائفة إلى ولاء الوطن.
إرادة الإصلاح والبناء.
الإرادة المطلوبة التي تأتي فرضاً كما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية يكون ثمنها كبيراً. وللأسف فليس من ضمان لنجاحها.
أما إذا انبعثت الإرادة من الداخل كخطة مرسومة فإنها ستحقق التغيير التدريجي من دون المرور بحالة الفراغ التي تصاحب الإرادة المفروضة، ومن دون ضحايا. هل تملك أي من الدول العربية الإرادة المتوخاة؟!بقدر توفر تلك الإرادة يكون مستقبلنا.