حالة استثنائية وتاريخية حالة الثورات هذه، لقد فتحت الجروح التي ظننا حيناً من الدهر أنها اندملت، لكن الزلازل الشعبية فتحت الكثير من الحجب المخفية، كما أعادت هذه الثورات بعض التشكيل السياسي في المنطقة.
في مصر وتونس تتصاعد قوىً سنّية مدعومة من إيران بغية إيصالهم بكل قوة إلى سدة الحكم، إذ تحاول إيران كسب التغيير هذا لصالح مشروعها الذي تدعوه هي ب"الممانعة"، ومن بين تلك القوى التي نشّطت إيران تعاونها معها بعد ثورة 25 يناير حركة الإخوان المسلمين، وإذا كان مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف قد دافع في سبتمبر 2008 عن مشروع إيران النووي رافضاً الحديث عن مدّ شيعي، ومؤيداً نفوذها في المنطقة، فإن جماعته اليوم تطبق تلك التصريحات على أرض الواقع في مصر؛ حيث فتحت الباب للمد الإيراني بكل وضوح.
إن ارتباط الحركة الإسلامية في إيران بجماعة الإخوان بدأت منذ اربعينيات القرن الماضي، ونقرأ سياقات تلك العلاقة في كتاب:" إيران والإخوان المسلمين: دراسة في عوامل الالتقاء والافتراق" من تأليف الباحث والصحافي الإيراني:عباس خامة يار، بعد نجاح الثورة الإيرانية 1979 أيد الإخوان ذلك الاكتساح، هذا فضلاً عن التبادلات الفكرية بين الطرفين حيث ترجم المرشد الأعلى الحالي خامنئي لسيد قطب"المستقبل لهذا الدين" و"الإسلام ومشكلات الحضارة"، وتوجت العلاقات بتحالف استراتيجي حين بدأت إيران تدعم الحركات السنية لغرض دعم مشروعها في المنطقة وتقويته، واستنسخت تيارات شيعية كثيرة هيكلة تنظيم الإخوان لتأسيس أحزابٍ أصولية.. إن تلك العلاقة المتينة والتاريخية على المستويات السياسية والفكرية والوجدانية ساهمت في دمج الإخوان ضمن المشروع الإيراني الذي يدافعون عنه، ولا تغلق أبواب مرشد إيران أمام مرشد الإخوان أبداً، والزيارات السرية والعلنية تترى. تتحدث بعض الصحف، ويحذّر العقلاء في مصر من هذا المد الإيراني وآثاره الحالية والمستقبلية على النسيج المصري، ولئن صحّت أنباء "موجات التشييع في مصر" - التي نشطت بعد ثورة 25 يناير والتي أشارت إليها صحيفة "الوفد" المصرية في عددها الصادر في 5 يوليو- فإن التحالف بين إيران والإخوان قد بدأ يؤتي ثماره شوكاً على نسيج مصر الحيوي والمركزي في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من تهويلٍ تحدثت به صحيفة "الوفد" حين ذكرت أن التحالف القبطي - الشيعي يهدف إلى طرد السنة من مصر، غير أن النقطة الرئيسية التي وردت في الصحيفة عن حالة "المد الشيعي" من الضروري أخذها بالحسبان، إن هذا المد المذهبي يحمل بالضرورة توجيهاً سياسياً جيء به على عربة إخوانية من أطراف إيران، لقد بدأ الإخوان يحققون لإيران ما وعدوها، ولئن لم تتكاتف القوى المدنية المعتدلة لكسب المجتمع والدخول مع الإخوان بمنافسةٍ سياسية فإن مكاسب الثورة - التي دفع المصريون دماءهم من أجل تحقيقها - ستكون مجيّرة بالشراكة للإخوان وإيران. كان المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف واضحاً في تصريحه الذي صار استراتيجية الإخوان الميدانية اليوم، حين قال:" البرنامج النووي من حق إيران، حتى لو كان الهدف منه إنتاج قنبلة نووية فهذا حقهم، فأمريكا عندها قنبلة نووية وكذلك اسرائيل وباكستان والهند، فلماذا إيران أليس من حقها فهي دولة ذات سيادة ومن حقها أن تفعل أي شيء".
عاكف الذي أعطى إيران "سيادةً" على بلدها لم يستنكر "خلية حزب الله" التي تعمل في مصر، بل قال في تصريحٍ له نشر في مايو 2009: "مصر يجب أن تشكر حزب الله لا أن تحقق معه" ولم يكن لديه مشكلةً في اختراق الحزب ل"سيادة" مصر، لأن إيران من حقها أن "تفعل أي شيء" هكذا قال المرشد عاكف الذي كان واضحاً في علاقته بإيران كل الوضوح وتصريحاته التي تدل على علاقةٍ قوية ومتينة عديدة.. في هذه الخضة الثورية التي تعيشها المنطقة لابد من التساؤل عن المسار الذي ستتخذه حركة الإخوان بأحزابها، من حق المصريين أن يتخوفوا من الهيمنة المعنوية السياسية لإيران على جماعة الإخوان، ومن الواجب على الإخوان إيضاح طابع النفوذ الإيراني بحركتهم، من حق المفكرين المستقلين والأكاديميين والأقليات في مصر وتونس أن يطرحوا أسئلةً عن مصيرهم الجسدي والمعرفي في حال وصل الإخوان إلىالحكم، الذي يظهر إلى الآن أن الخطاب الإخواني اللطيف والمدني والمليء بكلماتٍ حول "الحقوق" لن يكون مطبقاً على أرض الواقع على الشكل المرضي للمجتمع المصريأو التونسي بكل فئاته وأطيافه. نتمنى أن لا تكون إيران مختطفةً لثورات المصريين أو حتى التونسيين من خلال تقوية قوى متشددة ضد مجتمع ينعم بالتنوع والانفتاح!