هل صحيح أن أصحاب المواهب الفنية والأدبية والرياضية تتركز ولاداتهم في فصول وأشهر معينة من العام؟ ما أعرفه شخصيا أن كثيرا من الفلاسفة والمفكرين يعيدون الاختلافات الاخلاقية والاجتماعية بين شعوب العالم الى المناخ وما يفرضه من متطلبات بيولوجية وبيئية ومحفزات ذهنية والعجيب أكثر أن مزيدا من الأطباء أصبحوا على قناعة بأن فصول السنة وتقلبات الطقس تسبب تنوعات وتفاوتات ذهنية وجسدية مختلفة بين مواليد المنطقة الواحدة. فهناك مثلا عالمة نمساوية متخصصة تدعى (جابريل دوبلهامر) تدعي أن مواليد الخريف يمتد بهم العمر لفترة أطول من مواليد الفصول الأخرى وانهم اقل عرضة للامراض المزمنة. واستنتجت هذه العلاقة بدراسة بيانات مليون مواطن في النمسا والمانيا والدنمرك. وتعتقد ان لهذا الأمر علاقة بفترة الإخصاب وتكون الجنين (مما يعني ان التأثير الحقيقي يبدأ قبل الولادة بعدة اشهر).. وللوهلة الأولى يبدو غريبا ان تؤثر فترة الحمل على مستقبل الإنسان الصحي والعقلي؛ ولكن لا ننسى ان هذه الفترة هي التي تتخلق فيها أعضاء الجسم ومادة الدماغ وشبكة الأعصاب (ففي حال تخلق القلب أو البنكرياس ضعيفا مثلا قد يولد المرء بعيب دائم يعرضه مستقبلا للاصابة بالقلب أو السكري).. كما لا يغيب عنا دور الاغذية التي تتناولها الحوامل بين الفصول، وحالات العدوى التي تأتي في مواسم مختلفة، والتقلبات المزاجية والعاطفية المرتبطة بتغيرات الطقس وتؤثر على الجنين...!! وكان معهد الأمراض النفسية في لندن قد قام بدراسة مماثلة اتضح من خلالها ان الأطفال الذين يولدون في فصل الشتاء أكثر عرضة للأمراض العقلية من مواليد الفصول الأخرى. واكتشف ان لهذا الأمر علاقة بصغر الدماغ ونقص المادة "السنجابية" بين مواليد هذه الفترة.. وكانت أبحاث مماثلة قد نظمت في الولايات المتحدة عام 1970 اظهرت وجود علاقة بين الأمراض العقلية وتاريخ الولادة والإخصاب؛ واتضح من خلالها أن مواليد شهر مايو هم الأكثر إصابة بالاضطرابات النفسية في حين تنتشر حالات انفصام الشخصية بين مواليد شهر يناير.. وفي المقابل لوحظ أن أصحاب المواهب الفنية يولدون في اشهر معينة من السنة في حين يشترك اصحاب المواهب الرياضية في فصول مختلفة (وهي الحجة التي يعتمد عليها المؤمنون بتأثير الأبراج ومواسم السعد والنحس)! وبالاضافة الى العوامل الغذائية والصحية (التي تتعرض لها الحامل خلال فترة الإخصاب) هناك إيقاعات نفسية وبيولوجية قد تؤثر على الحامل والجنين.. ومسألة أن الإنسان مبرمج (في إيقاعات دورية معينة) أمر تم افتراضه منذ زمن طويل. فأول من ناقش هذا الاحتمال طبيب ألماني يدعى ويلهيلم فليز افترض وجود دورات صحية ونفسية وعقلية تأتي لبني البشر كل 23 يوماً. وفي وقت لاحق اهتم بأبحاث هذا الطبيب عالم نفس أسترالي يدعى هيرمان سوبودا ووجد دلائل مقنعة على تكرر بعض الأمراض والحالات الانفعالية بشكل دوري ومنتظم لدى بعض الحوامل. وبفضل جهود سوبودا وفيلز وضعت اللبنة الأولى لعلم جديد أطلق عليه "الكورنوبيولجي" أو علم دراسة الإيقاعات الحيوية في الإنسان.. وفي الحقيقة؛ أنا أول من يعترف بأن العلاقة بين حالة المرء والفصل الذي ولد فيه غير متطابقة أو واضحة الى الآن؛ ولكنني في المقابل على قناعة تامة بأن الجنين يتأثر طوال عمره بما تتأثر به والدته خلال (فترة حملها به)... بمعنى؛ حتى إن تجاهلنا الفصل الذي يتخلق فيه الجنين، لا يمكننا تجاهل تأثير حالة الأم عليه خلال تلك الفترة / سواء تحدثنا عن سوء تغذيتها أم حالتها النفسية أو حتى النتائج المفجعة لنقص الحديد خلال فترة حملها!