قد يتناول إثنان نفس الطعام فيستفيد أحدهما مما به من عناصر غذائية بينما لا يستفيد الاخر منه شيئاً، او ربما قد يسبب للثاني مشاكل صحيّة لا يسببها للأول وذلك تبعاً للحالة الصحيّة العامّة لكل منهما. والحالة الصحيّة العامّة تبدأ بحالة الجهاز الهضمي خاصة الأمعاء حيث يتم امتصاص الطعام واستفادة الجسم منه. فللنشويات (خاصّة المكررة مثل الأرز الأبيض والخبز الأبيض والمكرونة والكيكات والبسكويتات ...الخ.) التأثير الأكبر على ما في الأمعاء من أحياء دقيقة (خمائر وبكتريا) تقوم عليها صحة الأمعاء وصحة الجسم كله، ففي الأمعاء تعيش أعداد مهولة من الأحياء الدقيقة التي منها النافعة للجسم ومنها الضارة له. فهناك حوالي 500 نوع منها يبلغ تعدادها الكلّي حوالي مائة تريليون، أي عشرة أضعاف عدد خلايا الجسم. ووزن هذه الأحياء الدقيقة يبلغ حوالي الكيلوجرام. وفي الجسم الصحيح هناك توازن في أعداد الأحياء الدقيقة المفيدة وتلك الضارة يبلغ 85% نافعة، وَ 15% ضارة. ولكن هذه النسبة نادراً ما تتوفر في عصر التصنيع والتكرير الغذائي. وكقاعدة عامّة أغلب الأحياء الدقيقة النافعة تتطلب وجود الأطعمة الغنيّة بالخمائر الطبيعية مثل اللبن الحامض والزبادي (من حليب غير مبستر) والجبن المعتق bleu cheese والجبن الرومي والملفوف المخمّر (الساور كراوت) والأطعمة الكاملة الغنيّة بالألياف. ويقول الدكتور جيب ميركين Gabe Mirkin خريج جامعة هارفرد والممارس لمهنة الطب لأربعين سنة في مقاله : Good Bacteria to Prevent Disease إن الأحياء الدقيقة النافعة تساعد على تخمير الألياف النباتية غير المهضومة وتحويلها إلى كيميائيات تتسرب إلى مجرى الدم وتساعد على تخفيض مستويات الكوليسترول مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب. كما تساعد تلك الأحياء الدقيقة النافعة على تشكيل كيميائيات تحمي بطانة الأمعاء، كما تشمل منافع الأحياء الدقيقة النافعة تقليل الحساسية وتقليل فرص الإصابة بالأورام الخبيثة وقرح الأمعاء والإصابة بالإسهال وتعزز عمل جهاز المناعة وتخفض ضغط الدم المرتفع. أما الأحياء الدقيقة الضارّة فتكاثرها في الأمعاء يؤدي إلى مشاكل صحيّة خطيرة، وهي تتطلب النشويات لتعيش وتتكاثر. فالنشويات توفر أولاً الطعام للأحياء الدقيقة الضارة، وثانياً تؤدي إلى تكون السموم والأحماض التي تؤثر على فاعلية الأمعاء الدقيقة في الهضم والامتصاص. وعندما تزداد أعداد البكتريا الضارّة تقضي على الإنظيمات (الإنزيمات) على جدران الأمعاء الضرورية لهضم وامتصاص النشويات. وفي هذه المرحلة قد يقوم الجسم بإفراز الكثير من المخاط كمحاولة من الأمعاء لترطيب نفسها لمحو أثر عدم التوازن الناتج عن وجود الأحماض والسموم من النشويات غير المهضومة. كما أن ضعف جدران الأمعاء الدقيقة يؤدي إلى تسرب السموم ومسببات الحساسية إلى مجرى الدم (وهذه السموم ومسببات الحساسية لا تتسرب إلى مجرى الدم لو كانت جدران الأمعاء قوية وصحيحة). كما تؤدي زيادة أعداد البكتريا الضارّة إلى الدخول في حلقة مفرغة من الشعور بالجوع (خاصة الرغبة في تناول النشويات لتغذية البكتريا الضارة) ثم زيادة أعداد تلك البكتريا، والاستمرار في الشعور بالرغبة في تناول النشويات، وهكذا... وهذه الحلقة المفرغة تؤدي أولاً إلى السمنة، وتؤدي ثانياً إلى المزيد من إضعاف جدران الأمعاء وتسرب المزيد من السموم ومسببات الحساسية إلى مجرى الدم مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف جهاز المناعة والقابلية إلى الإصابة بالأمراض المزمنة وغير المزمنة. والحلقة المفرغة من تأثير النشويات الكبير على صحة الإنسان ككل من خلال صحة الأمعاء يمكن علاجها، بل وقلبها للوصول إلى أمعاء صحيحة وجهاز مناعة قوي، وذلك بالابتعاد عن تناول النشويات المكررة قدر المستطاع (او حسب القدرة على ضبط النفس والامتناع عن المغريات).