لقد بلغ عدد فصائل شباب الثورة 190 فصيلاً، هذا غير فصائل لا تحسب ضمن شباب الثورة. وإنه من المستحيل الوصول إلى توافق حول أية مسألة مع هذا التباين الصارخ.
أن مشكلة مصر ليست في الحرية السياسية، بل في الحرية السياسية غير المنضبطة.
الشعور بالتحرر من النظام السابق لا يعني صفع ضابط أو ضربه حتى الغيبوبة، أو ضرب سائق حتى الموت أو انزلاق الصحافة المحترمة إلى مستوى صحافة التابلويد.
الوطن يريد تغيير الشعب. وهي نكتة لها دلالاتها التي لا تخفى على أحد. مصر أضحت عدة أمصار، وبالتالي من الصعب التحكم في الآراء والأهواء. والصدق أنه لا قيمة للحوارات الدائرة في مصر الآن، خصوصاً أن أغلبها يدور حول مجادلة صاخبة عن الماضي وليس عن الحاضر أو المستقبل. انشغلت مصر بأخبار العهد الماضي، وشغلت نفسها بسيل من الشائعات أو بالمبالغات .
على أن هناك أملاً يكمن في أن ما يدور في مصر هو بسبب الخصومة الطبقية والدينية والجيلية، وهي خصومة أضحت مع الزمن الطويل ثقافة شعب. وعندما يفيق الشعب من صدمة: ميدان التحرير سيعرف أن مصر كانت على وشك السقوط في يد مجتمع الخمس (احتكار 20% من المصريين ل 80% من الإنتاج) إن مشكلات مصر بعد الثورة مثل: ارتفاع صوت السلفيين والمتشددين وانتشار البلطجية والاستخفاف برجل الأمن أو انتشار حالة الهستيريا الُجمعية كلها نتائج سلبية لسنوات عجاف من الكبت والظلم والقهر.
أن الثورة هي ثورة أقلية أما الأغلبية فهي صامتة. وهو يتساءل: لمَ صمتت الأغلبية من المصريين وقد أصبحوا أحراراً؟ معظم المصريين بأنهم أصبحوا سياسيين دون مشاركة، مثلما هم رياضيون دون ممارسة.
مشكلة مصر هي: قليل من العمل وكثير من الكلام السياسي. ورحم الله الدكتور زكي مبارك فقد قرأت له عبارة كتبها في ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي ، وهي لا زالت تعبر عن حالة اليوم. والعبارة هي: كل إنسان في مصر يريد أن يشتغل بالسياسة مع أن الوطنية هي أن تحسن عملك لتصير عضوا نافعاً في أمتك.
في نظري أن مصر تحتاج وقتاً أطول لتعيد ترسيخ مبادئ الثورة التي قامت من أجلها. صحيح أن الثورة المصرية لا قائد لها، وقد تُختطف، ولكن الأصح أن الوعي الَجمعي المصري كفيل بأن يمد الثورة بدينامية التفاعل الحر، وهو تفاعل يتطلب مشاركة أهل الرأي والتجربة والتخصص، خصوصاً الساكتين المؤهلين من طبقات الشعب المصري.