في البلدان الثورية العربية هناك معارضات بعضها استطاع إسقاط الدولة، والبعض الآخر لازال مستمراً في معاركه، وعملية أن تستخدم الدول القوة في وجه الشعب، حتى لو أصلحت وغيّرت مسارها باعتماد خطط مُرضية، فالعملية وصلت إلى القتل أي الحلقة التي أزّمت الأمور، ودفعت بالمواطنين إلى المواجهة مهما كانت النتائج، وكسر العصا بين طرفيْ العلاقة يعطي الشعب الفوز في المبارزة.
في تركيا تنعقد المعارضة السورية ببنود أهمها إزالة النظام وسط تأييد غربي بضرورة إصلاحات جدية، أي أن تكون البدائل نظاماً ديمقراطياً، وهي القضية التي لا يرجّح نجاحها السوريون أنفسهم، وحتى الآن لا توجد من الدول الكبرى من تريد تغيير الحكم ونظامه، ولكنها تريد التغيير الذي يتناسب ومطالب الجماهير بشكل متسارع ومتزامن مع حفظ توازن الشارع.. في اليمن التعقيدات بدأت تظهر على شكل حرب بين السلطة والقبائل، والبديل المبادرة الخليجية، كمشروع مصالحة، والتي بدأت تفقد زخمها، حتى إن المعارضة اعتبرتها منتهية، لكنّ بلداً فقيراً بدأ باستنزاف موارده واحتياطياته، ستكون النتائج كارثية، هذا إذا لم تبدأ دول أخرى باستغلال حالته وذلك بتأجيج الحروب بالنيابة، طالما الظروف تهيئ كل شيء، وقد كان الشعب المسلح طيلة أيام الاحتجاجات لا ينوي إطلاق رصاصة، وهو وعي متقدم، أي أن الفسيفساء لنظام القبائل والمذاهب قد تذهب بهم إلى النقاط الحرجة عندما يكون الثأر قضية الاحتكام للسلاح.. فإذا كان الغرب يطرح مخاطر أن يكون للقاعدة ركائز داخل التفاعلات اليمنية، فهناك من يتصور أكثر من يمن في حال تأزمت الأوضاع إلى حدود لا يمكن إصلاحها..
صحيح أن هناك قيادات قبلية تأخذ دوراً مؤثراً في الشارع، لكن أنصار الرئيس لايمكن التهوين من دورهم، ويصبح الجيش أقل من أن يسيطر على الأوضاع ويضبطها إذا ما ساد الانشقاق في صفوفه.. البديل غير موجود، فكلّ يتحصن بقوته، ولا يوجد وسيط مقبول من الداخل أو الخارج، والأزمة في حالة تصاعد، وقد تنشأ في ظل الأزمة أساليب الاغتيالات والتصفيات بين الفرقاء وخاصة القيادات القائمة، فالكلّ يسوده اعتقاد جازم أنه لا يجتمع رأسان للسلطة ولابد من ذهاب أحدهما..الأيام القادمة عسيرة تماماً لأن الفصل لصالح أي من المنقسمين لا يبدو قابلاً للحل، وهناك إدراك عام أن البديل سيكون حرباً أهلية، لكن نتائجها سوف تختلف عما ساد من منازعات وحروب ماضية، لأن الوضع الداخلي لديه حوافز الانجراف بما توفره أساليب التواصل الاجتماعي التي قد تنعكس سلباً عندما تأخذ التحريض أسلوباً لها..
أما في ليبيا فيبدو أن المعارضة بمساعدة حلف الأطلسي قريبة من حسم الأمور لصالحها، لكن ما بعد إزالة النظام توجد طرق وعرة في خلق تآلف شعبي يستطيع القيام بمراحل التأسيس لنظام ديمقراطي، إذ إن التركيبة القبلية، وإن لم تشهد حروباً في السنوات الماضية، إلا أن التوزيع الجغرافي بين قطاعات غنية بالنفط، وأخرى فقيرة قد يخلق ما يزعزع الوحدة الوطنية، وهي مخاوف قال بها أعضاء حلف الأطلسي محذرين من مخاطر تقسيم ليبيا إلى عدة كيانات، أو «كانتونات».