تلعب العلاقة بين المدير ومرؤوسيه في أي عمل إداري دورًا مهمًّا وأساسيًّا وخطيرًا في نجاح العمل أو فشله
فهي العلاقة التي تحدد مدى إمكانية حدوث التفاهم بين الطرفين ودرجة الإتقان في تنفيذ التكليفات، أو تنفيذها من الأساس، وهي العلاقة التي تحدد شعور المرؤوس بانتمائه للمكان من عدمه، وهو الشعور الذي يثير في المرؤوس الرغبة في العمل، والحرص عليه، ويدفعه إلى البحث في حل المشاكل وتطوير الأفكار بما يحقق صالح العمل، دون أن يربط ما يبذله بحسابات مادية دقيقة، تحوله إلى آلة تعمل عملاً روتينيًّا بلا روح أو سعادة أو قدرة على الإبداع
والعمل الدعوي، كأي عمل إداري يهدف إلى النجاح وتحقيق الإنجاز والتطور
يعتمد بصورة أساسية على العلاقة بين المدير ومجموعة العمل؛ إلا أن المسألة في العمل الدعوي تأخذ بعدًا آخر، يجعل الأمر أكثر حساسيةً من العمل الإداري (المدني)، إن جاز التعبير، نتيجةً لوجهة نظر كل من المدير ومجموعة العمل لطبيعة هذه العلاقة في الحالتين.
ففي العمل الإداري العادي (المدني) يكون الرابط بين الرئيس ومجموعة العمل هي علاقة رئيس ومرؤوسين، وأساس هذه العلاقة هي المادة، والتي يحكمها منطق المكسب والخسارة؛ مما يجعل الكثير من المديرين لا يلتفتون الى العلاقات الإنسانية مع مرؤوسيهم، ويجعل المرؤوسين في حالة تقبل لهذا الوضع، ويأخذ بعض المديرين منهجًا للضغط على مَن يرأسونهم دون رحمة، ربما بغرض التنفيس عن غضبهم في مرؤوسيهم، بما لا يراعي قيم العدل التي قد يتنازل عنها المرؤوسون، ويدفعهم لتحمل هذا الضغط في سبيل البحث عن لقمة العيش حتى تتاح لهم فرصة أفضل
هذا الأسلوب الآلي في العمل يفصل المرؤوس وجدانيًّا عن المؤسسة التي يعمل بها، ويجعله في حالة تمرد مكتوم، من الممكن ألا يخرج حتى بالشكوى، لكنه ينفجر في لحظة إذا ما واتته الفرصة.
يختلف الأمر تمامًا في العمل الإداري الدعوي؛ لأن العلاقة بين المدير ومجموعة العمل تقوم أساسًا على مبادئ الفكرة الإسلامية نفسها، وأهمها الأخوَّة والعدل والشورى والمساواة، وبالتالي إذا مارس المدير إدارته دون أن يراعي هذه الأركان الأساسية لفكرة الدعوة نفسها، تنهار مجموعة العمل، وينهار معها العمل الدعوي.
وهنا تنشأ المشكلة
فالعمل الإداري لا بد أن يعتمد على المحاسبة الدقيقة للتكاليف المتفق عليها، ولا يخلو أي عمل أيًّا كان من وقوع أخطاء، وبالتالي لا بد من وجود عملية نقد مستمرة من المدير لمجموعة العمل، وهذا النقد إذا لم يتقبل سيسبِّب بعض التوترات النفسية بين المدير وأفراد العمل، ويصبح هنا مدير العمل مسئولاً عن إحداث التوازن بين الحفاظ؛ على أن تصبح النفوس هادئةً ومستقرةً دون توترات أو ضغائن، وبين أن يسير العمل بدقة تضمن له تحقيق أهدافه.
وهنا يظهر اختلاف أنماط المديرين في الأعمال الدعوية؛ فمنهم من يتبع مبدأ التضحية بالمحاسبة الدقيقة، فليجأ إلى مبدأ التهاون في تحقيق الأهداف؛ باعتبار أن مجموعة العمل تغضب بسرعة، وهو لا يريد إغضابهم حفاظًا على مبدأ الأخوَّة ورغبة في استمرار العمل.
ونمط آخر لا يقبل التهاون مطلقًا في تنفيذ أهدافه؛ فيتبع أسلوب الضغط المستمر الذي قد لا تحتمله مجموعة العمل؛ فتتوتر العلاقات، وتجرح الأخوَّة، وتكثر الشكاوى، ويعتذر أفراد العمل عن الأعمال أو ينسحبوا من العمل تمامًا، في خطوة درامية مستقبلية، وتكون النتيجة توقّف العمل الدعوي، وضعف علاقة المحبة والأخوَّة بين أفراد العمل، والتي تعتبر عاملاً أساسيًّا لوجود أعمال دعوية منظمة ومؤثرة.
ونحن لا نريد النمط الأول الذي يسبب التهاون في تحقيق أهداف العمل الدعوي؛ مما يجعلها تتأخر خطواتٍ واسعةً عن دعوات أخرى مضللة تسير بسرعة الصوت في الإعلام والشارع والمدرسة، ولا نريد أيضًا النموذج الثاني الذي لا يعتبر المشاعر في قيادة البشر، وتكون عنده ثمن تحقيق الأهداف هو تجاهل العاطفة التي تحفظ كيان مجموعة العمل، وتضمن ترابطها وتماسكها
إننا نحاول أن نبحث عن نموذج ثالث، يعي ما يريد، ويخطط لأهدافه جيدًا، وينجح في إدارة مجموعة العمل بما يحفزهم لتحقيق أهداف العمل، محافظًا في نفس الوقت على مبادئ الفكرة الإسلامية نفسها من أخوَّة وعدل وشورى ومساواة، وأرى أن تحقيق هذا النموذج يتطلب مراعاة النقاط التالية:
المشاركة في العمل.على مدير العمل أن يُشعر المجموعة أنهم شركاء في العمل، وليسوا مجرد منفِّذين لقراراته؛ فيحاورهم ويقبل اقتراحاتهم وأفكارهم، ويرعى المفيد من هذه الأفكار بصدق وإخلاص، وإلا فإن العمل سيتحوَّل إلى طريقة رئيس ومرؤوس، وهي طريقة ستضرب العمل الدعوي من أساسة
العمل المناسب للفرد المناسب أن يقف المدير على قدرات كل فرد في مجموعة العمل ولا يطالب فرد بعمل لا يتناسب مع قدراته، سواءٌ كان هذا العمل أقل أو أعلى من القدرة بمسافة كبيرة؛ فالعمل الأدنى يشعر من يقوم به بعدم أهميته، والعمل الأعلى يعرضه للتقصير، وبالتالي حدوث المشكلات عند المحاسبة
وضوح التكليف ألا يقوم المدير بتكليف أي فرد من مجموعة العمل إلا بعد إيضاحه بصورة تامة لمن يكلّف بالعمل، وأن يتم الاستقرار على صيغة العمل النهائية وطريقة تنفيذه بعد حوار يحترم فيه رأيه؛ حتى يضمن اقتناع الفرد بالعمل تمامًا
الاتفاق على موعد تسليم العمل أن يكون موعد إنهاء التكليف واضحًا، ولا يلوم المكلف بالعمل عن عدم إتمام عمله قبل موعده، ولكن عليه أن يتابعه برفق، بعد أن يوفر له كل إمكانات العمل المطلوب
المحاسبة ألا يقوم المدير بتكليف أفراد المجموعة بعمل أعلى من مستواهم إلا بعد أن يقوم بالتدريب عليه؛ سواء عن طريق مباشر أو عن طريق جهة مخصصة للتدريب
الحزم .عند المحاسبة على الأعمال تتم المحاسبة بحزم ونقاش موضوعي، دون إهانة أو تجريح أو غضب متواصل، يُشعِر أفراد العمل أن مديرهم غاضب دومًا، وأنه لا يحبهم ولا تربطهم به علاقة إلا علاقة العمل، وأن الغرض من علاقته بهم هو مجرد تحقيق أهداف إدارية فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن الحزم لا يتنافى أبدًا مع الرقَّة أو خفَّة الظل أو التعبير عن العواطف
الصبر والحوار أن لا يتسرَّع المدير في إظهار غضبه، وأن يكون سلاحه دائمًا هو النقاش الموضوعي والحوار وبحث المشكلات وإيجاد الحلول لها
توقع نسبة خطأ أن يتوقع المدير نسبة خطأ دائمة من المكلفين بالعمل لا تقل عن 25% يجعلها خارج حساباته، ثم يقوم بإسداء النصح لمن كلف بالعمل بهدف تقليل نسبة الخطأ قدر الإمكان
الموازنة بين مبدأ التشجيع واللوم أن يوازن المدير بين مبدأ التحفيز والتشجيع ومبدأ اللوم على الخطأ، وألا يتخذ أحدهما فقط منهجًا للتعامل
أساليب تظهر صدق الأخوَّة السؤال عن الأحوال بصدق خارج إطار التكليفات الإدارية يُشعر مجموعة العمل بالأخوَّة والترابط والحب الحقيقي؛ بما يدفعهم للعمل بحب وحماس، وربما تكون الزيارات الخاصة خارج إطار العمل وسيلةً نافعةً في ذلك
احترام الآخرين ألا ينفرد المدير بقرار دون أن يبلغ مجموعة العمل؛ فهذا الأمر يعني تصريحًا غير مباشر أنه أفضل منهم ويفهم عنهم، وهو أمرٌ يجرح مجموعة العمل ويخل بمبدأ الشورى
متى يغضب المدير؟. من الممكن أن يغضب المدير ويظهر غضبه إذا وصل الخطأ إلى حدِّ الإهمال الواضح، أو إذا تكرر الخطأ أكثر من مرتين بعد التنبيه عليه وفي فترات متقاربة، المهم أن يكون الغضب واللوم الشديد هو الاستثناء وليس القاعدة، ويظل الخط الموصول بين المدير ومجموعة العمل هو الحب والتفاهم والاحترام؛ بحيث تكون مجموعة العمل على يقين منه حتى إذا خرج المدير عند شعوره مرة أو مرات
العدل.عند الخطأ لا بد من الحساب وعدم تبرير الأخطاء لصالح شخص معين، ويجب ألا يستثني المدير نفسه من المحاسبة إذا أخطأ
تفريغ الشحنات على المدير أن يعي أن ضغط المسئولية عليه يجعل بعض أفراد المجموعة يشحن منه من وقت لآخر؛ فعليه أن يقوم بعملية تفريغ لهذه الشحنات بطريقته حسب شخصية كل فرد، سواء كان ذلك عن طريق زيارة خاصة أو اعتذار علني أمام المجموعة.. المهم أن تظل عملية تفريغ الشحنات هذه مستمرة لا تتوقف
رؤية النفس، تفريغ الشحنات أقترح فقرة ولو 10 دقائق كل شهر، يطلب فيها المسئول ملاحظات المجموعة على أسلوبه في العمل معهم؛ حتى يرى نفسه من خلال الآخرين
التدريب على النقد المهذب شجيع مبدأ تقبل النقد، على أن يراعى فيه الأدب والنية الخالصة
إن العمل الإداري الدعوي يحتاج إلى شخصية تتسم بالموهبة والفهم والإخلاص والقدرة على القيادة؛ بما يحفظ كيان المجموعة العاملة، وهي تحتاج من المدير أن يسير دائمًا على حبل مشدود؛ يضمن تحقيق معادلة صعبة في عالم الدعوة، تحقق الإنجازات وتضمن الحب والأخوَّة، وبدون ذلك يصبح العمل في حاجة ماسة إلى تصحيح مساره. ليكن حظ المؤمن منك ألا تضره إن لم تنفعه وألا تغمه إن لم تسره وألا تذمه إن لم تمدحه