إسرائيل جزء من المعادلة المعقدة في المنطقة، ولأنها وجدت حكومات تتعامل معها بالاستهجان، فهي لم تأخذ بأي قيمة للشعب العربي، بل ظلت، في محافلها وأدبياتها السياسية ترى في المواطن العربي مجرد عبء على البشرية، وأن إعادته إلى النمط الحضاري المعاصر أمر مستحيل، لأن ما يحرّكه هي غرائزه لا عقله، ولذلك رأينا كيف حاولت، ولا تزال، إحاطة العرب بحلفاء لها، وخاصة إيران الشاه، وتركيا العسكرية، وبالفعل لعبت أدواراً غير عادية، ما عزز وجودها في المنطقة كخط دفاعٍ عن الغرب الأوربي والأمريكي، ورأس حربة لهما.. الحالة الراهنة، وخاصة مع التغيرات المتسارعة التي خلقتها الثورات، بدأت تأخذ بنمط جديد لسياستها، فهي تريد انتزاع اعتراف دولي بدولتها اليهودية لتسهيل حرمان عرب ١٩٤٨م من أي ميزة على أرضهم، كذلك الأمر في سلامها مع بعض الدول العربية فهي تضغط على حلفائها بقيد أي تعامل معهم مادياً أو سياسياً وعسكرياً، بفرض شروط تُبنى على صيانة أمن إسرائيل ومبايعتها كدولة لا تنتمي للمنطقة، وهذا خلق توتراً مع بعض الدول الغربية والتي ترى أن المواجهة في الحالة الراهنة مجازفة كبيرة، لأن من حرّك الشارع العربي ليس الانقلابات بل الإرادة الشعبية.. فتركيا، التي تحركت بأسلوب مختلف عن السنوات الماضية لم تقبل إهانة سفيرها في تل أبيب عندما تعمّد «إيالون» نائب وزير الخارجية الإسرائيلي وضع كرسيه أعلى من كرسي السفير، ولم تمرر قضية أسطول الحرية (١) المتجه إلى غزة بأن تغفر لإسرائيل قتل مواطنيها، وانتهاك الأسطول بسلوك أقرب للقرصنة، ومع ذلك فقد شعرت بحاجتها لتركيا باعتبارها العنصر المقبول عربياً، لتكون الإطفائية لأي تطور جديد، والغريب أن إسرائيل التي طالما تجسست على الحلفاء بشكل سافر، وأهانت الرئيس الفرنسي «جاك شيراك» عندما دفعه الجنود أثناء زيارته للحرم القدسي دون أي معيار لقيمة دولة حليفة، أظهرها ذلك كما لو أنها تتعمد التظاهر بقوة أكبر من فرنسا، وتُسامح على أي تجاوزات.. العرب من جانبهم اتخذوا دبلوماسية مرنة في طرح مشروع للسلام باركته معظم دول العالم، ورفضته إسرائيل، وهي الآن تدفع أمريكا لأن تهدد الأمم المتحدة بأن أي اعتراف من أعضائها بدولة فلسطينية سيجعلها تسحب معوناتها للمنظمة، ما يؤكد أن السلام لا تقوده إرادة الدولة العظمى، بل الحليف الصغير..عرب اليوم، حتى الثوار منهم، لم يرفعوا شعارات الحروب والعداوات، لأن هذه القضايا تبقى ثانوية أمام أهمية التغيير في الداخل، لكن ذلك لا يعني وضع القضية الفلسطينية في البيات الشتوي، بل إن المصالحة التي تمت في القاهرة جاءت زمن الثورة وكذلك فتح معبر رفح، وهنا كان لابد لإسرائيل أن تتخذ اتجاهاً آخر أي فهم الواقع الجديد بشكل مغاير، وحتى صفقات السلام، هناك مراجعة لها، بل إن الفلسطينيين يشعرون أن موقعهم أقوى في هذه الظروف من السابق.. فالسلام قد يتأخر، لكن الأصوات القادمة لإدارة السياسة العربية الخارجية، ستكون لبلدان لا تملَى قراراتها من السلطات العليا بل من الشعب، وهو أمر لا يخدم إسرائيل التي تعاملت بفوقية مع العرب في وقت لن تعود المراحل إلى الوراء