من أبرز الآثار التي حفرتها الثورة على جدار السياسة، أنها جاءت بحزبين سياسيين إسلاميين، وذلك حين أسس الإخوان في مصر حزب "العدالة والحرية" وحين حازت حركة النهضة في تونس على ترخيصٍ لتكون حزباً سياسياً؛ ربما يأتي هذا الأثر بمعادلة جديدة في نمط التعامل الأميركي مع جماعة الإخوان المسلمين بفروعها السياسية التي ولدت حالياً، أو التي ستولد لاحقاً.
غير أن التحديات التي تطرحها إمكانات التقارب بين أحزاب الإخوان المسلمين، والولايات المتحدة تتصل بمصير انتخابات قد يؤثر التقارب في نتائجها، الرئيس أوباما لديه انتخابات رئاسية سنة 2012 والإخوان سيخوضون الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل، وأي اقتراب بين الطرفين سيخسرهما بعض الأصوات، وربما يؤثر في مجريات انتخابات الطرفين.
من الناحية السياسية لا تزال جماعة الإخوان تتمسك بالتحالفات الإقليمية التي دعمتْها على كافة الأصعدة قبل الثورة، من خلال اللقاءات بين رموز الجماعة، وبين الزعماء في الجمهورية الإسلامية في إيران؛ حيث ذكرت "نيويورك تايمز" أن لقاءً لم تتضح تفاصيله جمع بين قياداتٍ إخوانية وبين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وتلك التحالفات ستكون حاضرةً لدعم فوز الإخوان فيها، ذلك أن إيران تريد من أذرعتها السُنيّة التي منحتْها الولاء أن تهيمن على المناصب السياسية في مصر وتونس، لهذا فإن مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع، رفض في رسالته الأسبوعية والتي بثّت في 2 يونيو الجاري أي تأجيل للانتخابات المصرية، وكأن المرشد يسعى إلى "تعجيل الحسم السياسي" في مصر من خلال تدارك صورة الإخوان التي يخشى عليها من الحملات الإعلامية المضادة.
"استعجال الحسم السياسي" جاء عكسياً على الجماعة، فحينما دعت بعض القوى السياسية لجمعة غضبٍ ثانية في 27 مايو الماضي رفضت جماعة الإخوان المشاركة، فولدت التيارات السياسية شعاراً أزعج الإخوان حيث سار شعار:"أنا مسلم ... أنا ضد الإخوان" انتشار النار في الهشيم، الأمر الذي دعا المرشد لأن يفسر هذا الشعار على أنه ضمن "حملة ضد الإخوان" تحاول "التشكيك" بالجماعة.
إن حالة "استعجال الحسم" الإخوانية هذه مثيرة للارتياب، ربما تريد أن تصعد إلى الحكم بسرعة، منتجةً مشروعها الأيديولوجي قبل التنموي، ومهما تكن اللغة المدنية التي سيتخذها الإخوان لنصرة حزبهم السياسي فإن المعنى الأيديولوجي بدا واضحاً من خلال الإبقاء على ولائهم لإيران، ويبدو أن فوز الأحزاب السياسية الإخوانية سيكون من صالح نفوذ إيران من خلال إتاحة الواقع لها للتحكم فيه والسيطرة عليه!
بعض الأخبار التي طفت على السطح خلال الأسابيع الماضية اقترنت بحضور جماعة الإخوان، بدءاً من التخطيط لفيلم ومسلسل يتناولان سيرة حياة مؤسس الجماعة حسن البنا، إلى تعهّد بعض الفنانات بالتعاون مع أي مؤسسة إنتاج تنشئها الجماعة، كما تصرح الممثلة المصرية "وفاء عامر"، كل تلك الأخبار وغيرها، تطرح علينا دلالة سياسية ضرورية، وهي أن الزمن الذي كان يظنّ البعض أنه سيكون زمن "الإرهاب" أو صعود "جماعات القتل" بانت مبالغته مع أحداث 2011؛ حيث دخلنا على زمن يمكن وصفه بأنه زمن "ولادة الإخوان المسلمين الثانية".
أسست فروع الإخوان في الدول العربية والإسلامية سياجات محصّنة لضم المعارضين السياسيين، في مصر استوعبوا محمد البرادعي ليكون صوتاً منافحاً ومدافعاً عنهم، وأوهموه بأحلام الرئاسة وحين سقط النظام المصري شعر البرادعي بالخيبة التي تفسرها تصريحات البرادعي العاتبة والناقدة للإخوان الذين انفضوا عنه، كما أدخل الإخوان في سورية ضمن جبهتهم المعارضة نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، ليمثل رمزية "فساد النظام"، بهذه الممارسات نصب الإخوان أنفسهم بوصفهم أعداء الأنظمة الأساسيين، وحين أدخلوا رؤوسهم في عمائم "إيران" وجدوا الاكتفاء المادي الذي مكنهم من الهيمنة المعنوية على جبهات المعارضة، ليجعلوا من كوادرهم في حال استعداد دائم للقبض على مفاصل الحكم لحظة سقوط أي نظام، وهذا ما حدث في مصر، ويجري التحضير له من قبل الإخوان المسلمين في سورية.
إن الحضور الطاغي للإخوان في المشاهد السياسية والإعلامية يعطينا نتيجةً أساسية، وهي أن مجيء الإخوان للحكم سيفرض أمراً واقعاً ومعادلاتٍ جديدة في العلاقات بينهم، وبين أوروبا والولايات المتحدة، حينها سنشهد تعديلات "أيديولوجية" تفرضها طبيعة سلوك الحركة التي لا تمانع في ممارسة النفعية السياسية لصالح مشروعها الأيديولوجي الكبير .. في قادم الأيام سنرى آثار هذه الولادة الثانية لجماعة الإخوان المسلمين!