الأحد، ديسمبر 26، 2010

بلاغة القرآن فى حرف

من مزاياه أنه يصور المشهد تصويرا يستقر في الأذهان كأنه رأي عين ومن بلاغته أنه بحرف واحد يضع الشيء في موضعه ويرسم لك صورة كاملة واضحة ومن ذلك قول الله عز وجل في سورة الزمر وأرجوا التدبر وتصور الموقفين التاليين:
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)}
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)}
بالنسبة لوفد النار {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}وإذا أداة شرط وجوابها فتحت فدل ذلك على أنها أي الأبواب كانت مغلقة وبمجرد وصول أهل النار إلى النار فتحت أوابها ..اذا هنا ظرف لزمان المستقبل يفيد معنى الشرط. وجوابه فتحت فلا تفتح الا اذا جاؤوها. انتهى
وتصوير المشهد أنه من المعلوم أن للنار زئير وشهيق وزفير يأكل بعضها بعضا لها حسيس فيساق أهلها وهم في الطريق إليها يسمعون حثيثها وهي مغلقة أمامهم فيكون ذلك تعذيب نفسي لهم لأنهم لا يعلمون ما سيُلاقونه وراء هذه الأبواب من هول ما يسمعون فكان مشهدا قاسيا حتى إذا وصلوا إليها فتحت أبوابها ورأوا ما كانوا به يكذبون ..أعاذني الله وإياكم منها ومن حثيثها ..
وبالنسبة لأهل الجنة {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}
قال الآلوسي رحمه الله:
والواو للحال والجملة حالية بتقدير قد على المشهور أي جاءوها وقد فتحت لهم أبوابها كقوله تعالى : {جَنَّـٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ} [ص: 50]
ويشعر ذلك بتقدم الفتح كأن خزنة الجنات فتحوا أبوابها ووقفوا منتظرين لهم، وهذا كما تفتح الخدم باب المنزل للمدعو للضيافة قبل قدومه وتقف منتظرة له، وفي ذلك من الاحترام والإكرام ما فيه.
قلت :
أي أن تقدير الكلام حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها إستعدادا لاستقبال أهلها فيراها أهلها من خلال الأبواب المفتوحة وهم يساقون إليها من بُعد يرون إشراقها ويشمون من ريحها وإن للجنة ريحا يزداد طيبه كلما اقتربوا إليها فهم في الطريق في شوق وبهجة وتفاؤل مشرقة وجوههم من النعيم الذي يرون دلائله نابعا من هذه الأبواب المفتحة .