إن طبيعة النفس البشرية تشتاق إلى معرفة ما يحدث لها في مستقبلها من تغيرات وأحوال واختلاف ومؤثرات تطمع النفس إلى ذلك، يدفعها غريزة جامحة إلى ذلك الشعور.
ولما كان أمر الغيب وما يكون بأيامه ولياليه، مما استأثره الله تعالى بعلمه، وحجبه عن خلقه {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} النمل 65 ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} آل عمران 179، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الأنعام 59، {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هود 123.
لما كان الأمر كذلك، وكان أمر الغيب مطوياً عن الخلق، أراد بعض الناس أن يلبس نفسه القدرة على معرفة ما يكون من أمور الغيب فزين لهم الشيطان أعماله فحسنت في أعينهم، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، وبعد هذا يقال: إن مما يبشر به العبد بعد عمله الصالح الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له.
عن أبي هريرة رضي الله نه قال قال صلى الله عليه وسلم: لم (يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات ؟ قال: (الرؤيا الصالحة) رواه البخاري، والتبشير هنا بالخير وقد يراد التبشير بالشر قال تعال {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} آل عمران 21 .
أقسام الناس في الرؤيا:
الناس يتفاوتون في الرؤيا على أقسام متنوعة عددها أهل العلم ويمكن إجماله في خمسة أقسام
الأول : الأنبياء ، ورؤياهم كلها صدق ، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.
الثاني : الصالحون ، والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.
الثالث : المستورون من المسلمين ويستوي في رؤياهم الصدق والأضغاث.
الرابع : الفساق ، ويقل في رؤياهم الصدق.
الخامس : الكفار، ويندر في رؤياهم الصدق.
منزلة الرؤيا:
لقد كان للرؤيا منزلة عظيمة ومكانة رفيعة قبل الإسلام وفي الإسلام. فبالرؤيا بعد فضل الله تعالى خرج يوسف عليه السلام من السجن وتبوأ مكانة رفيعة عند الملك ، ووقع ما قص الله تعالى علينا من خبر الخليل إبراهيم في ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام ، وكذلك ما أخبرنا الله تعالى به عن رؤي نبينا.
علامات الرؤيا الفاسدة:
الاولى: أن يكون بعض الناس مصاباً بمرض ما فيرى في منامه ما يوافق مرضه، وقد مثل ابن الصلاح رحمه الله تعالى : ممن كان مصاباً بالبرد فيرى في المنام أنهاراً وثلوجاً وبحاراً، أو يكون مصاباً بالحمى الحارة، فيرى شمساً ونيراناً وجمراً، فالغالب أن ذلك من أضغاث الأحلام.
الثانية: الأحلام الفاسدة أيضاً كما قال ابن الصلاح: أن يرى ما لا يكون بحال، كالمحالات، أو أن يرى نبياً يعمل عمل الفراعنة أو يقول قولاً لا يحل التفوه به، وما كان من هذا القبيل.
الثانية: الأحلام الفاسدة أيضاً كما قال ابن الصلاح: أن يرى ما لا يكون بحال، كالمحالات، أو أن يرى نبياً يعمل عمل الفراعنة أو يقول قولاً لا يحل التفوه به، وما كان من هذا القبيل.
الثاثة: أن يرى ما قد حدثته به نفسه في اليقظة إلى غير ذلك من العلامات، (وبكل حال فمثل هذه الأحلام لا ينبغي للمسلم أن يشتغل بها أو يشغل بها غيره).
عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرؤيا ثلاثة: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)) رواه ابن ماجة.
يقول البغوي رحمه الله: في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
وإنما ذكرت تلك العلامات لأن كثيراً من الناس لا يميز بين ما يراه من أضغاث الأحلام وتلاعب الشيطان، وبين الرؤيا الصادقة، فيبقى مهموماً مغموماً بأمور رآها في منامه وهي من وحي الشيطان ، فيقال: إن من أمارات الأحلام الفاسدة وأضغاث الأحلام أن يرى النائم في منامه مناظر متناقضة ومتداخلة ، لا يعرف أولها من آخرها.
الفرق بين الرؤيا والحلم:
أن ما يراه النائم فيه ما هو صدق وفيه ما دون ذلك مما يسمى بالأحلام ، وأضغاث الأحلام ، فتجتمع الرؤيا والحلم في أن كلا منهما عبارة عما يراه النائم ، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح أو الأضغاث، قال صلى الله عليه وسلم((الرؤيا من الله والحلم من الشيطان)) رواه ابن ماجه
آداب الرؤيا الفاسدة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره)) أخرجه الشيخان (البخاري ومسلم) . وفي روايه عند مسلم أيضا قال ابو سلمة : إن كنت لأرى الرؤيا اثقل علي من جبل، فما هو إلا سمعت بهذا الحديث، فما أباليها.
وعن جابر رضي الله نه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا رأى أحدكم الرؤي يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)) أخرجه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله نه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا تسوؤه فلا يذكرها ولا يفسرها)) وفي لفظ ((إذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها أحد)) أخرجه ابن عبدالبر رحمه الله،
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث به الناس)) أخرجه مسلم .
ويستفاد من تلك الاحاديث:
الاول: أن يتعوذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات
الثاني: أن يتعوذ بالله من شر الشيطان ثلاث مرات
الثالث:أن يتفل عن يساره ثلاث مرات
الرابع: أن يتحول من الجنب الذي كان عليه
الخامس: أن لا يحدث بها أحداً
السادس: أن لا يطلب تفسيرها أو يخبر بها من لايعرف بالتعبير وقد دل على ذلك ان إبن عمر راى أنه يساق إلى النار فطلب من حفصه أن تقصها على النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في الحديث لاتقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح.
أ- أن يسأل الله من خيره
ب- أن يعتقد أنها لن تضره
ج- أن يصلي عقبها
آداب الرؤيا الصالحة:
1- انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة.
ومن علاما الرؤيا الصادقة أيضاً: أن يكون الرائي معروفاً بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً)) متفق عليه، وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته أو ما شابه ذلك.
2- أن يعرف أولها وآخرها ، فلا يكون متقطعة لا ترابط بينها.
3- أن تكون تبشيراً بالثواب على الطاعة، أو تحذيراً من المعصية.
4- أن تكون عند اقتراب الزمان، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب...)) أخرجه الشيخان، واقتراب الزمان قيل هو زمن قرب الساعة، وقيل غير ذلك.روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها ، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها. وإذا رأى ذلك مما يكره ، فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)) وروى مسلم من حديث أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ، ولا يخبر إلا من يحب) . . قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها) أخرجه البخاري، وعند مسلم ، (ولا يخبر إلا من يحب)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها)) رواه ابن عبد البر
ويستفاد من تلك الاحاديث أربعة أداب نبوية.. يستحب لمن رأى رؤيا صالحة ثلاثة أشياء..
أ- أن يحمد الله عليها.
ب- وأن يستبشر بها.
3- وأن يحدث بها من يحب دون من يكره . لقوله تعالى : {قالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} سورة يوسف 5
أ- أن يعتقد أن تلك الرؤيا من الله.
ب- وأن يحمد الله تعالى عليها.
ج- وأن يطلب تفسيرها من عالم أو ناصح.
د- وأن لا يحدث بها إلا من يحب.
تحريم الكذب عند قص الرؤيا:
ومما ينبغي أن يحذر منه صاحب الرؤيا الكذب أو التزيد عندما يقص رؤياه على أحد ، ففي ذلك إثم عظيم ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من تحلم بحلم لم يره كلف (أي : يوم القيامة) أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من أفرى الفرى أن يري عينه مالم تر)) أخرجهما البخاري.
قال الطبري : (إنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه.. لأن الكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لقوله تعالى: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} هود 18، ا هـ.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن الكذب في الرؤيا من أعظم الأكاذيب.
تواطؤ الرؤيا:
إذا تواطأت رؤيا عدد من الناس على أمر معين فإن ذلك غالبا ما يكون صدقاً مطابقاً، شريطة أن لا يخالف ما نص عليه الشرع.
قال البخاري رحمه الله : ((باب التواطؤ على الرؤيا)) ثم ذكر حديثاً فيه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم((أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر)) من رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الآواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الآواخر)) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وفي هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا ، وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية ، بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية ، الفتح 4 /397.
خطورة تعبير الرؤيا:
كما على العابرين أن يدركوا خطورة تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس ، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود ، وذلك للأمور التالية:
أولها: إن الإنفتاح المطلق بالتعبير نوع من الفتنه من أجل حديثه في أمور الغيب ، لا سيما أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسر عبر الشاشات.
وثانيها : تعذر معرفة حال الرائي عبر الشاشات والمجامع من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين رحمه الله سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذن، فعبرها للصالح منهما بالحج، لقوله تعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَج} الحج 27، وعبر للاخر بأنه يسرق لقوله تعالى {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} يوسف 70 .
وثالثها : عدم إدراك عقول الناس لطريقة بعض العابرين للرؤيا ، بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول: هذا تكهن أو تخمين أو عرافة، ونحن أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعقلون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!)
رابعها : إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته، لأمور لا تخفى على متتبعها، لا سيما أنها في أمور غيبية.