عنوان المقال ليس من عندي، لكنه خلاصة تقرير نشرته الشرطة الأوروبية «يوروبول» وتناقلته «بعض» وسائل الإعلام، وجاء ليصدم كثيرا من المتابعين والمراقبين في الغرب الذين كانوا يتوقعون أن يلقي التقرير بالتهمة على المسلمين، كما حاول كثير من وسائل الإعلام أن يصور جميع المسلمين، أو الغالبية العظمى منهم، كإرهابيين، فجاء هذا التقرير الصادر عن أعلى مؤسسة أمنية أوروبية ليفاجئ معظم الغربيين بل كثيرا من المسلمين، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والأنظار تتجه إلى المسلمين باعتبارهم مصدر الإرهاب في العالم.
ولم تبق وسيلة إعلامية أو مركز دراسات متخصص إلا وبحث هذه القضية التي أصبحت من القضايا المسلّمة عند كثير منهم، فهذا التقرير الصادر عن الفترة من 2006 وحتى 2009 الذي نشر على موقع (loonwatch.com) اختار هذا العنوان «الساخر» ليعبر عن حالة الرعب التي ترسمها صور الإعلام وبعض السياسيين في الغرب، وقد جاء في التقرير أن مروجي «رهاب الإسلام» (الإسلاموفوبيا) يعملون من أجل نشر ادعائهم بأن «ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين (تقريبا) مسلمون».
ورغم أن هذه الفكرة أخذت تصبح بديهية في بعض الدوائر، فإنها ببساطة ليست صحيحة، وقد استند التقرير إلى سجلات الـ «أف.بي.آي» (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) الذي بين أن %6 فقط من الهجمات الإرهابية داخل الولايات المتحدة من 1980 إلى 2005 نفذت بأيدي إسلاميين متطرفين، أما الـ%94 الباقية من الهجمات فقد نفذتها مجموعات أخرى، فـ%42 نفذتها مجموعات من أميركا اللاتينية، و%24 نفذتها مجموعات يسارية، و%7 نفذها يهود متطرفون، و%5 نفذها شيوعيون، و%16 نفذتها جميع المجموعات الأخرى، وفي الواقع فإن نسبة ضخمة من الهجمات الإرهابية في أوروبا (%99.6) نفذتها مجموعات غير إسلامية.
وبلغت نسبة الهجمات التي نفذتها مجموعات انفصالية لا صلة لها بالإسلام إطلاقا %84.8. وبلغت حصة المجموعات اليسارية من الهجمات الإرهابية 16 من مرة نسبة هجمات المجموعات الإسلامية، في حين إن نسبة %0.4 فقط من الهجمات الإرهابية خلال سنوات 2006-2008 يمكن أن تنسب إلى مجموعات إسلامية، وكمثال على ذلك، فإنه في عام 2006 وقعت 498 عمليه إرهابية كان منها 424 عملية قامت بها مجموعات انفصالية، و55 عملية قامت بها مجموعات يسارية، بينما لم توجه التهمة «الإسلامية» بصفة رسمية إلا لعملية واحدة!!
وفي عام 2007 وقعت في أوروبا 583 عملية إرهابية كان من بينها أربع عمليات فقط وجهت لها صفة «الإسلامية» بصفة رسمية حيث وقعت اثنتان منها في بريطانيا وواحدة في الدنمارك وواحدة في ألمانيا، بينما كان هناك 532 عملية قامت بها مجموعات انفصالية، و21 عملية قامت بها مجموعات يسارية، وهكذا يمضي التقرير ليحدد طبيعة العمليات التي وقعت في أوروبا وتوصف بالإرهابية، ليتبين أن العمليات التي وصفت بـ «الإسلامية» لا تتجاوز %0.4 من مجمل العمليات التي توصف بالإرهابية في أوروبا!! فما السر في هذه «الضجة» حول الإرهاب «الإسلامي» بينما يتجاهل الجميع مئات العمليات الإرهابية التي يقوم بها الانفصاليون واليساريون وغيرهم؟ يجيب التقرير: «التصور ليس هو الواقع، ونتيجة لنفوذ ودعاية التيار اليميني، هناك أناس يعتقدون خطأ أن (الإرهاب الإسلامي) هو أكبر تهديد للعالم الغربي، حتى إن هناك اعتقادا شائعا بأن (الإرهاب الإسلامي) يشكل تهديدا وجوديا، أي أن بقاء العالم الغربي بحد ذاته مطروح في الميزان، هناك تهويل وتركيز متعمدان عندما يتعلق الأمر بأعمال يرتكبها مسلمون، ما يروج لفكرة أن جميع الإرهابيين (تقريبا) هم مسلمون».
بقي أن نسأل: هل من العدالة والإنصاف أن يتهم المسلمون جميعا بالإرهاب لأن عددا محدودا منهم يمارس ذلك؟ ولماذا كلما انفجر إطار سيارة في مكان ما من العالم تلفت الناس حولهم يبحثون عن أي مسلم حتى يلصقوا التهمة به، بحيث أصبح كل مسلم -خاصة إذا كان عربيا- موضع اشتباه في مطارات العالم ومحطات القطارات ومواقف السيارات، حتى أصبح بعض الطيارين يرفض الإقلاع بالطائرة لأن أحد ركابها مسلم؟!!
لقد مضت السنوات العشر الأخيرة وموضوع «الإرهاب الإسلامي» يتصدر عناوين الكتب ووسائل الإعلام وأفلام السينما وتقارير المراكز وخطب السياسيين، بل أصبح الشماعة التي تعلق عليها كل الممارسات الخاطئة من كبت للحريات وغياب للديمقراطية وانتهاك لحقوق الإنسان واحتلال للدول، فكل ذلك مبرر باسم الحرب على الإرهاب، هذه الحرب «الوهمية» التي لم تقض على الإرهاب بل زادته انتشارا وسعيرا؛ لأن الإسلام لم ولن يكون سببا للإرهاب، بل هو أهم الحلول للقضاء على الإرهاب، إن أحدا لا يمكن أن يتجاهل هذه الظاهرة التي تعود في جذورها إلى أسباب كثيرة لم تعمل الدول على حلها ومعالجتها، بل سلطت وسائل الإعلام لـ «تضخيمها»، بل جعلتها «صناعة» يقتات عليها البعض من الإعلاميين والباحثين، وتتصدر عناوين الأخبار والصحف، بحيث يصبح خبر إلقاء القبض على متهم بالإرهاب في قرية من القرى العربية خبرا عاجلا على وكالات الأنباء