دخلت التيارات الإسلامية اليوم المعترك السياسي دخولا مرتبكا فجّر الكثير من الأسئلة وخلخل الكثير من المسلّمات التي كان يتداولها التيار بشكل نظري بعيدا عن التطبيقات الفعلية وخاصة فيما يتعلق بقدرة التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ذات العمق التاريخي كمؤسسة سياسية لأكثر من ثمانية عقود قامت على إدارة مقود العمل الاسلامي.
الديمقراطية ليست مجرد صندوق لجمع أصوات الناخبين فبجانب صندوق جمع الأصوات هناك صندوق في العقل له حرية الاختيار وهذه الفكرة تغيب عمدا عن الحركات الإسلامية التي تخوض الديمقراطية تحت منهجية جمع الأصوات فقط من جمهور تجلب أصواته وفق قيم عاطفية وليست ديمقراطية.
الديمقراطية ليست مجرد صندوق لجمع أصوات الناخبين فبجانب صندوق جمع الأصوات هناك صندوق في العقل له حرية الاختيار وهذه الفكرة تغيب عمدا عن الحركات الإسلامية التي تخوض الديمقراطية تحت منهجية جمع الأصوات فقط من جمهور تجلب أصواته وفق قيم عاطفية وليست ديمقراطية.
السياق التاريخي للحركات الإسلامية ظل مراقباً للأوضاع الاجتماعية ومتداخلا معها من خلال نماذج وأنشطة خيرية على الأرض فقط بعيدا عن البرلمانات أو الدوائر السياسية مع أن الجناح السياسي للحركات الاسلامية ظل يعمل بشكل غير قانوني في كثير من الدول ولفترات طويلة.
اليوم ومع الثورات العربية واعتماد نموذج ديمقراطي يبدو انه غير ناضج بشكله السياسي في دول الثورات العربية ولأسباب متعددة، فنحن نشهد سيطرة الحزب الواحد الذي جلب معه القاع الاجتماعي الشعبي في عملية انتخاب عددية في مضمونها فلا تكاد تخرج عن كونها أرقاما فقط وهذه واحدة من سلبيات تطبيق الديمقراطية في مجتمعات ليست الديمقراطية جزءا من ثقافتها فالناخب في المجتمعات ذات الثقافة الديمقراطية هو رقم وفكرة وليس رقما فقط فالناخب الحقيقي رقم يرجّح، وفكرة تتبنى نموذجا سياسيا واضحا.
في عالم الثورات العربية يجب أن ندرك بعقلانية أننا أمام نوع من الديمقراطية الرقمية (عدد ناخبين) فالذين صوتوا لهذه التيارات أو تلك بحسب أسلوبنا الديمقراطي هم جمهور لا يختلفون كثيرا عن السمة التي تميز الجمهور الرياضي، فالانتخاب ليس عملية رقمية فقط كما تفهمها التيارات الإسلامية وتحاول إقناع المراقبين بأن عمليةً انتخابية حقيقية قادت هؤلاء إلى صناديق الاقتراع فجلبوا الحركات الإسلامية إلى كراسي البرلمانات.
العملية الديمقراطية تختلف بلا شك عن المنهجية التي نراها فالديمقراطية عقلانية المنهج لأن ركيزتها الأساسية تقوم على حرية الانتخاب ولذلك يجب أن نفرق بين ديمقراطية العاطفة المدفوعة بالتبعية وهي المنهجية التي فرضتها التيارات الإسلامية تحت وطأة العقيدة وخصوصا الإخوان المسلمين وذراعها الاجتماعية والتي أطلق عليها اسم (الصحوة) والتي انتشرت في معظم البلدان العربية..
يقول الدكتور توفيق الشاوي وهو من رموز هذا التيار عن الصحوة "إن الصحوة الإسلامية .. هي أهم ثمرة حققتها الحركات الإسلامية وغذاها الفكر الإسلامي...".
الديمقراطية ليست مجرد صندوق لجمع أصوات الناخبين فبجانب صندوق جمع الأصوات هناك صندوق في العقل له حرية الاختيار وهذه الفكرة تغيب عمدا عن الحركات الإسلامية التي تخوض الديمقراطية تحت منهجية جمع الأصوات فقط من جمهور تجلب أصواته وفق قيم عاطفية وليست ديمقراطية.
لقد بدا جلياً أن التعاطف الانتخابي هو تعاطف ديني مرتبط بعامل مشترك بين التيارات الإسلامية، والجماهير الشعبية ألا وهو الاعتقاد بنصرة الدين وهنا ومن منظور علمي وعملي لا تصبح للديمقراطية أي مفاهيم بل لا يصبح لها حاجة لان العاطفة العقدية تصبح عاملا مشتركا بين الجميع بل قد تفرض على الجميع وتحرزه الأغلبية ليس بمنهجها الديمقراطي ولكن تحرزه الأغلبية بمقود العاطفة لذلك يجب أن نتوقف كثيرا عن وصف ما حدث للتيارات الإسلامية من تأييد بأنه بالديمقراطية ومن اجلها.
الربيع العربي يكشف لنا اليوم عن وجه جديد من دورة الحزبية المطلقة ولكنها هذه المرة بنكهة تأتي من داخل الفرد لأننا أمام عاطفة دينية تجلب الأصوات.. ولو وجهت سؤالا لأي منتخب للتيار الإسلامي لكان الارتباك والإجابة متشعبة بين حقوق فردية، وحقوق اجتماعية، وقد يقول لك انه انتخب تيارا يخاف الله وهذا جميل ولكن أين مشروعهم السياسي والاجتماعي وفق هذه النظرة عنهم؟!
الخطورة التي نحن أمامها اليوم في الوصفة الديمقراطية القائمة بعد الثورات العربية تتمثل في عملية فرز مقصود وليس فرزا تعدديا.. بمعنى دقيق روجت الديمقراطية بحسب المفهوم الإخواني بشكل مخيف يصادر المختلفين، ولذلك أصبح لديها القدرة على أن تستخدم مصطلح الإسلام لإخراج كل مختلف معها من أفراد المجتمعات عن هذه الدائرة.
السؤال المهم اليوم ما هي الأزمات التي يمكن أن تتربص بالتيارات الإسلامية؟
هناك الكثير من المعوقات التي يمكن أن تظهر على السطح وببساطة، وأولها: كيف ستتكيف الحركات الإسلامية مع أنظمتها فمثلا نظام الإخوان المسلمين وفي إحدى فقراته جاء النص التالي "تحرير الوطن الإسلامي بكل اجزائه من كل سلطان غير إسلامي ،ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان والسعي إلى تجميع المسلمين جميعا حتى يصيروا أمة واحدة" .
كيف ستتعامل الحركات الإسلامية مع هدف أصيل لها كهذا الهدف؟ جاء في نظامها العام وخاصة في ظل وجود دول ذات استقلالية كاملة ومنظمات عالمية تحمي استقلالية دول العالم، ثم أضف إلى ذلك ما هو تعريف الأمة الإسلامية: هل هو تعريف هوية أم تعريف نطاق جغرافي يتطلب الكثير من العمل السياسي والعسكري لتحقيقه؟
العاطفة الدينية يجب أن لا تقودنا إلى تكرار ذات الأخطاء السابقة في العملية السياسية في العالم العربي لذلك تشير النتائج الأولية إلى أن الديمقراطية التي قادت الحركات الإسلامية إلى البرلمانات ولدت بقصور سياسي واضح فهناك فارق زمني بين عملية النضج السياسي، وعملية بلوغ البرلمانات فالمشكلات التي تواجها تلك الحركات الإسلامية تشير إلى قصور في النضج السياسي للحركات الإسلامية.
اليوم هناك مشكلات داخلية تواجه التيارات الإسلامية منها سياسية واقتصادية وأمنية وفكرية وتعددية سياسية، وهناك مشكلات دولية تتعلق بعلاقات الدول واحترام المواثيق كلها ستكون أسئلة مهمة أمام تلك التيارات الإسلامية لتجاوز أزمتها بالإضافة إلى تلك المواجهة مع أنظمة تلك الحركات وبنودها المليئة بكل ما هو مختلف مع ابسط قيم الديمقراطية.
إن فرصة تاريخية للحركات الإسلامية لتنقية منهجيتها من زج القيم الإسلامية ذات الطبيعة العبادية والموجهة للفرد وعدم استثمار الالتزامات الدينية المطلوب تنفيذها من الأفراد لصالح السياسة فتنقية الدين من مراوغات العمل السياسي تبدأ من جعل الدين مقدسا عن تدنيسٍ ومراوغات يمكن أن تضرا به أكثر مما تفيدانه.
إن إستراتيجية الحركات الإسلامية وفق المنظور التاريخي قامت على تشكيل قوة ضاغطة على الشعوب والأنظمة لفرض متطلبات تاريخية غير قابلة للتطبيق مثل فرض الجهاد بعيدا عن متطلباته الشرعية، أو فرض الدين وفق منظور الجزية أو الحرب، لذلك ستكون الفرصة التاريخية لهذه الجماعات أن تثبت أنها أكثر توافقا وسباقا مع تحولات الزمن وإلا سوف تعود أدراجها إلى القاع الشعبي مع ثاني دورة من الانتخابات في السنوات القادمة..
إنه موسم الإسلاميين الذين تجاوزوا التنظيمات والأحزاب الأخرى، بعد أن كانت تُقيم قياداتهم بالملاجئ أو السجون، وعملية وصولهم جاءت بحسابات دقيقة، إذ انعزلت الأحزاب الليبرالية ومواريث الأحزاب الاشتراكية، وحتى التقليدية التي استطاعت أن تجابه الانقلابات لم تعد تملك القدرة على كسب الشارع، إلا أن تجربة الإسلاميين ستكون محكاً واختباراً معقداً، خاصة في ظرف المنتخبين الذين اعتمدوا الجدل الطويل على تشكيل البرلمان وصياغة الدستور والدولة، أمام حالة اقتصادية أدت إلى خسائر فادحة خاصة الدول التي تعتمد السياحة والصناعات والصادرات الزراعية إلى جانب توقف الاستثمارات خوفاً من حدوث إشكالات بالاستثمارات السابقة..
من السهل وصول أحزاب وتنظيمات للسلطة، ولكن تجاوزها لظروفها هو الأصعب وحالة دول الربيع العربي، عدا ليبيا التي عادت إلى مستوى صادراتها من النفط وفي مجتمع صغير نسبياً قياساً بحجم المداخيل المادية، فإن البقية ترزح تحت حالات مستجدة، وفئات المجتمع لا تنتظر عندما تلح على مطالبها في الأساسيات مثل غلاء المعيشة وندرة الوقود ونزول العملات إلى حدود صعبة، والأقسى أن المعونات الخارجية غالباً ما ترتبط بشروط قد ترى فيها الدول تدخلاً في سيادتها، وكذلك العامل السياسي يبرز كواجهة مساومة، لأن التصريحات التي تصدر من بعض الواجهات لغاية إبراز الذات، قد أضرت، بشكل خاص، بالإخوان المسلمين والسلفيين معاً..
الآن بدأت تخرج الخلافات على السطح، ففي تونس مظاهرات ضد أن يسيّس الدين، تقودها عناصر من كل التيارات، وقد اعتاد النظام منذ الرئيس أبورقيبة ثم زين العابدين، فحكومة الثورة الجديدة، أن كانت تونس أكثر انفتاحاً، حيث يوُصف دستورها بأنه أكثر عدالة تجاه المرأة من النظم والدساتير العربية الأخرى، وقطعاً أي تراجع في الحريات قد يخلق صداما يضيف إلى الأزمات الاقتصادية، أزمة اجتماعية وسياسية..
في مصر التياران الإسلاميان، الإخوان المسلمين، والسلفيون هما الأقوى، إلا أن الأحزاب الليبرالية لها بعض الحضور، وانسحابها من صياغة الدستور، وبقاءها على خط المعارضة، قد لا يعطيهم الزخم الذي يتوقون، إلا أنهم سوف يستفيدون من هنات وأخطاء دخولهم الدولة بتجربة أسلمة كل شيء، مما يعني ان المسيحيين الأقباط وأصحاب الاتجاهات المستقلة، سوف تلحق بالتيار الليبرالي، وكما نكرر دائماً أن التجربة الحزبية تختلف عن إدارة الدولة، وبمرحلة دقيقة تحتاج إلى إعادة بناء كل شيء..
الخلافات والجدل الدائر، ربما يثريان العملية السياسية والاجتماعية برمتها، شرط أن لا تذهب الأمور إلى الصدامات، واعتقاد كل طرف امتلاكه الحقيقة معتمداً على رصيده في الشارع، إلا أن المواطن إذا لم يجد مطالبه الآنية تتحقق، فقد يقلب الطاولة على الجميع إذا علمنا أن هذه الثورات قادها شباب بلا انتماءات حزبية أو ايدلوجية، وبالتالي فعودتهم إلى تحريك الجماهير قابلة للتكرار وبنفس السيناريو الذي أسقط الحكومات السابقة