السبت، مايو 14، 2011

التكنولوجيا فى حياة البشر

قبل عقدين من الزمن اصدر الباحث والمؤرخ الامريكي الشهير دانيال بورستين وهو كاتب حاز على جائزة بوليتزر العالمية المعروفة كتابا عن (جمهورية التكنولوجيا)، وكان الكتاب يشتمل على العديد من التصورات المستقبلية التي بتنا نعيشها اليوم بل نستمتع بالعديد من ارهاصاتها.
روابط جديدة
وجاء الكتاب في مقدمة وسبعة عناوين سرد المؤلف من خلالها تأملاته وآرائه واستنتاجاته بما ستكون عليه صورة العالم المعاصر بسبب تطورات التكنولوجيا أو ثروة التكنولوجيا كما سماها، واشار المؤلف في المقدمة أن التكنولوجيا تؤدي إلى التغلب على عواطف الوطنية المتعصبة وعلى الشوفنية في مختلف أجزاء الكرة الأرضية والتساؤل عن مستقبل الغرب والشرق سيتحول إلى التساؤل عن مستقبل الجنس البشري كله تحت عنوان (جمهورية التكنولوجيا) يقول المؤلف أن هناك روابط جديدة سوف تربط الأمريكيين بالعالم الأوسع وتربط العالم كله بأميركا مما يؤدي إلى جمع العالم كله في مجتمع يسميه المؤلف (جمهورية التكنولوجيا).
القوة الدافعة
وهناك قوتان في العصر الحديث أثبتتا قدرة خاصة هما: التقادم الجديد إذ بينما استغرق بناء الحضارة ألوفا من السنين فان تغيير امة مختلفة يمكن بفضل التكنولوجيا أن يتم انجازه في بضع عشرات من السنين والقوة الثانية هي التقارب الجديد إذ بفضل القانون الأسمى لجمهورية التكنولوجيا يميل كل شيء لأن يصبح أكثر شبها بكل شئ آخر والتكنولوجيا تخلق الحاجات وتصدر المشاكل وتخلق القوة الدافعة ولا سبيل للرجوع فيها وتستوعب ونعزل وتفصل وتقتلع من الجذور.
وتحت عنوان: نوعان من الثورات قال المؤلف إن الإنسان كان يعيش في حاضر استمر لرفضه قبول نفسه ككائن تاريخي وان أعظم الثورات التاريخية هي اكتشاف الإنسان أو اختراعه فكرة التاريخ عملية التغيير السياسي تختلف عن عملية التغيير التكنولوجي ففي الثورات السياسية يتحرك الناس بدافع الإحساس بالظالم من السياسات القديمة سعيا للتحرر اما الثورات أو التغيرات التكنولوجية فهي تؤدي إلى الجمع بين الأمم والى تحرر الناس من التعصب والشوفينية وبينما يبدأ التغيير السياسي من المشاكل يبدأ التغيير التكنولوجي من البحث عن المشاكل بالتكنولوجيا انتقل الإنسان الأمريكي من قوة الحصان إلى قوة البخار والى الطاقة الكهربائية والى طاقة الاحتراق الداخلي ثم إلى الطاقة النووية وبعدها إلى مالا يمكن أن يتكهن به احد.
التكنولوجيا والسياسة
وتحت عنوان (التكنولوجيا السياسية الدستور) تحدث عن سلسلة الأحداث التي أدت إلى وجود الولايات المتحدة الأمريكية وكيف كان الزعماء اقل اهتماما بالايدولوجية منهم بتكنولوجيا السياسة كان اهتمامهم الخاص ينصرف إلى تنظيم الوسائل لإشباع الحاجات والرغبات وهو مايسميه المؤلف بالتعريف القاموسي للتكنولوجيا وقال إن شهادة ميلاد الولايات المتحدة لم تكن إعلانا لمبادئ بل كانت اعلانا للاستقلال جعل الدولة الجديدة ممكنة والاتحاد الفيدرالي جعلها قوية صامدة وأراد المؤسسون الأوائل أن لا تكون الدولة الجديدة قلعة بل أرادوها أن تكون معملا وقال إن الروح التجريبية الأميركية سوف تكون هي الفكرة المهيمنة على التقدم الحضاري الأميركي.
الظاهرة العالمية
وتحت عنوان: إجراء التجارب على التعليم تحدث عن الظاهرة العالمية للركود الأكاديمي وعن التاريخ الغريب للتعلم الأميركي وعن الهوس الأميركي في تأسيس الكليات وعن مؤسسات منحة الأرض وكيف تأخر ظهور المدارس الثانوية ويتحدث عن السمات التي ظهرت على التعليم الأميركي بصفة عامة مثل التوكيد الطائفي والرقابة الطائفية وعن قدرة المؤسسات على التكيف وسلاسة الموضوعات العلمية وعن المنافسة بين المؤسسات وكيف تغيرت كل تلك المميزات ذات الجذور التاريخية واختلفت الأمور بواسطة تطورات بلغت ذروتها في أواخر القرن العشرين وان التجربة الأميركية الاتحادية ذات التقليد القوي للتنوع الطائفي والرقابة المحلية لا تساعد على الوصول إلى تعريف ملائم ودقيق للشخص المتعلم لكن الأقرب هو ما يعنيه التعليم: أن تكون قادرا على فعل مالم تفعله قط من قبل).
وتحت عنوان: (معمل الفنون رؤية المهاجرين) قال المؤلف أن الولايات المتحدة أصبحت في القرن الثاني لعام 1876 معملا ورمزا لتدفق الثقافات العالمية ومتحفا ومصنعا وسوقا للمواهب القادمة من أنحاء العالم المختلفة بينما أصابت أشكال الاستبداد الوحشي ثقافات الدول من الفنانين ظهروا على المسرح الأمريكي بعد أن نجوا بحياتهم وأضافوا إلى جدة مواهبهم الأصلية بعدا آخر هو الرؤية بعين المهاجرين وقال إن تمثال الحرية هو الرمز الملائم لموقف الشعب الأمريكي من الوافدين الجدد وهو يعبر عن مبدأ جديد هو الإيمان الأمريكي بحق الفرد في الاغتراب الاختياري وفي الاستقلال ليؤكد هذا الحق.
الكتاب وعلى الرغم من صدوره قبل عقدين مازال يثير جدلا في الاوساط الثقافية والعلمية الامريكية و يقدم إسهاما في تيارات الفكر العالمي المعاصر ويضيف جديدا يستحق التقدير.