الأحد، مايو 22، 2011

العـــــفو عند المـــــــ​ـــــــقدر​ة

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف : 199 )
إنه سبحانه عفو يحب أهل العفو، فإن عفوت عن الناس أحبك الله سبحانه كما قال سبحانه : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران : 134 )
افتح قلبك لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين للاقتداء بهم :
1- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله يدعو له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم » رواه البخاري.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله » رواه مسلم
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه : تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه » رواه البخاري ومسلم
4- عن أنس رضي الله عنه قال : « كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء » رواه البخاري ومسلم
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يتعجب ويبتسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فلحقه أبو بكر فقال : يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت فقمت ، فقال صلى الله عليه وسلم : «كان معك ملك يرد عليه فلما رددت عليه وقع الشيطان ثم قال: يا أبا بكر ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة » رواه أحمد.
فيغضي : يعفو عنها.
عطية : أي باب صدقة يعطيها لغيره.
مسألة : أي يسأل الناس المال.
6- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! كم نعفو عن الخدم ؟ فصمت ! ثم أعاد عليه الكلام فصمت ! فلما كان في الثالثة قال: اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة» رواه أبو داود وصححه الألباني
فوائد العفـــــــو:
قال تعالى {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (البقرة : 237 )
توجه الآية إلى قاعدة العفو في المعاملة فيما بيننا وإلى قاعدة حفظ الجميل والفضل الذي كان بيننا وأن لا ينسيناه الخلاف الطارىء، فالآية ترشد إلى أن العفو أقرب للتقوى ، وهذا تنبيه إلى ما هو أهم من حصول الإنسان على حقوقه وهو التقوى التي ينبغي أن تكون في حس المؤمن وهمه مقدمة على الحرص على حقوقه .
 يقول الشيخ السعدي في تفسير الآية : رغّب في العفو وأن من عفا كان أقرب لتقواه لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين :
1- إما عدل وإنصاف واجب وهو أخذ الواجب وإعطاء الواجب .
2- وإما فضل وإحسان وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق والغض عما في النفس ، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ولو في بعض الأوقات خصوصا لمن بينك وبينه معاملة ومخالطة فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم ولهذا قال {إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة : 110 )
ثبت علمياً أن من أهم صفات الشخصيات المضطربة والتي تعاني من القلق المزمن هو أنها لا تعرف التسامح .. ولم تجرب لذة العفو ونسيان الإساءة.
ولقد ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشرات الأمثلة على التسامح والعفو، وعلى نفس الدرب سار الصحابة رضوان الله عليهم .. قال الله تعالى:{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} . ( الأعراف 199)
وقال تعالى: "وإن تعفو أقرب للتقوى" ..وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك".
أنت أيضاً تستطيع أن تدرب نفسك على العفو والتسامح بتكرار هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في السيطرة على الغضب وغرسها في ذهنك والاستعانة بها خلال جلسات الخلوة، بل وأن تسجلها وتحتفظ بها في ورقة في دفترك أو في حافظة نقودك لتعود إليها كل فترة وتستعين بها في إطفاء نار الغضب التي تنشأ نتيجة العديد من الأسباب، في عصرنا هذاـ مثل الزحام والتنافس على لقمة العيش بل ونتيجة أسباب بسيطة ومتكررة ويومية مثل تبادل التحية بين الناس أو عدم تقديم التحية المناسبة والترحيب بالجار أو الزميل .. وما يكتنف ذلك من سوء تفسير وتأويل والاعتقاد الخاطئ بتجاهل البعض لنا أو تعمدهم عدم تقديرنا
لنتفكر في هذه الآثار
 قال عمر رضي الله عنه: كل الناس مني في حل.
 جلس ابن مسعود رضي الله عنه في السوق يبتاع طعاما فابتاع ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدها قد حلت فقال : لقد جلست وإنها لمعي فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون : اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا ، فقال عبد الله : اللهم إن كان حمله على أخذها حاجه فبارك له فيها ، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه .
أتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة : ماذا ترى ؟ قال : إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو فعفا عنهم.
عن سعيد بن المسيب قال : ما من شيء إلا والله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا عن عباده.
 قال بعضهم : ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا.
لايستحق العفو
قد يقول البعض إن هذا لا يستحق العفو..!
نحن نتعامل مع الله ولا ننسى إننا نقدم أولا الخير لأنفسنا قبل أن يكون للناس ، ومن أكبر الأمثلة للعفو قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته حينما عفا عنهم بقوله {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ} (يوسف : 92 )
 قال أبو بكر رضي الله عنه: سلوا الله العفو والعافية والمعافاة.
فالعفو: محو الذنوب والعافية : أن يعافيه الله من سقم أو بلية وأما المعافاة : أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك ويصرف أذاك عنهم.
فوائد العفو
1- مظهر من مظاهر حسن الخلق .
2- دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام .
3- دليل على سعة الصدر وحسن الظن.
4- يثمر محبة الله ثم محبة الناس .
5- أمان من الفتن وعاصم من الزلل .
6- دليل على كمال النفس وشرفها .
7- تهيئة المجتمع والنشئ الصالح لحياة أفضل .
8- طريق نور وهداية لغير المسلمين .
9- الحصول على الخير الدنيوي والأخروي لأن الناس يحبون المتسامح صاحب العفو .
أقوال في العفو
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بلغنا أن الله تعالى يأمر منادياً يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل العفو عند المغفرة وأفضل القصد عن الجدة.
 قال جعفر الصادق: لأن أندم على العفو خير من أندم على العقوبه. > قال سعيد بن المسيب: لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبه.
لنعفو عن كل من ظلمنا أو أساء الينا أو كان له حق علينا سواء علمناه أم لم نعلمه ، ليعفو الله عنا ويغفر لنا {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور : 22 )