من الخطأ تقويم أفعال وأفكار وإستراتيجيات الدول العظمى وحصرها في نطاق أفكارنا ومطالبنا، فقد تنقلب من الصديق للضد. وأمريكا، كشأن أي قوة كبرى، تؤمن بهذا النهج إذا تطابق مع أهدافها السياسية، وخطاب الرئيس «أوباما» الذي يعتبر رؤية جديدة أمريكية تجاه المنطقة العربية، لم يأت بأمر يطمئن المواطن العربي بحلول صحيحة، وخيبة الأمل جاءت من تكرار أقواله للاستهلاك السياسي، وقد خطب وصرح في مناسبات مختلفة بأنه سيكون رأس الحربة في حل إشكالات المنطقة حتى تخيلنا أنه سيلبس عباءة الإمام وعمامة القاضي، لكنه أمام الاختبار العملي وجد نفسه في محيط مغلق يفرض أفكاره وإرادته على أي رئيس يصل البيت الأبيض..فالثورات العربية التي فاجأت العالم، هي رد فعل سريع وحاد على السياسات الأمريكية التي تبنت زعامات تخدمها وتعزل شعبها، ولو لم تحدث وتنفجر لما ظهرت المباركة من أوباما واحتفاله بوطن عربي ديمقراطي تدعمه أمريكا، وبرؤية محايدة، فالشعب العربي لم يعد يثق بأي وعد أمريكي، لأن قائمة الخدع تضخم أرشيفها عندما صارت صديقاً للسلطات المكروهة من المواطن بحمايتها والوقوف معها.. فقد أصبحت إدارة الدولة بيد الشعب والرقيب المباشر عليها، وقضية أن إسرائيل تقع في عمق السياسة الأمريكية لا تأتي بجديد، ومسألة الدعم المادي والمعنوي للدول الثورية لا يعادل النصف في المائة مما يُعطى لإسرائيل في نصف عام، والانطباع السائد في الشارع العربي أن المخاوف من سياسة أمريكية قادمة أكثر من تفاؤل بعلاقات ندية متساوية تُبنى على مواقف واضحة..
فالرئيس الأمريكي لا يستطيع الضغط على إسرائيل التي ردت ببناء المزيد من المستعمرات في القدس قبل أن ينتهي من خطابه، وتأتي الانتخابات القادمة قيداً آخر عليه حتى لو زادت شعبيته بقتل ابن لادن، خصوصاً وأن المنافسين يرون في العملية جهداً ينسب للاستخبارات، تلك العيون التي راقبت وأدت مهمتها، والجانب الضاغط الأكبر يتمثل في الحالة الاقتصادية التي لم تتحسن في فترة رئاسته الأولى، حتى لو لم يكن المتسبب بها، ثم إن أمريكا التي لعبت دور المخرب في العراق وانتهت بتسليمه إيران، جعل دول المنطقة تخشى أن ما يدور بين الخصمين في الخفاء قد يولد توافق مصالح على حساب العرب في ظل تسرب العديد من الأسرار حول التلاقي وتخفيف الخلافات..
ليست لدينا أحكام مسبقة ضد أمريكا لأننا نشترك معها في مصالح مختلفة، والمنطقة مهمة جداً لها، لكن لم تعد السياسات القديمة صالحة لزمن شباب التواصل الاجتماعي، فإذا أرادت أمريكا أن تكون صديقاً، فالاشتراطات كثيرة، ولا ننسى أنها في كل مناسبة تعمل استطلاعاً لمدى تصاعد أو تدني شعبيتها في الوطن العربي، وآخر عمل أثبت تدني تأييدها وعدم الارتفاع بقبول صداقتها، لأن من يطرحون الإشكالات معها يؤمنون أن ازدواجية تعاملها وعقد صفقاتها لا يلتقيان مع رغبات المواطنو وهذا ما خلق الفتور ثم التضاد في المواقف.
رغم كلام أمريكا عن الديموقراطية لم يسجل تاريخ القرن العشرين أن انتصرت أمريكا لأي شعب ضد الظلم أو ضد حكومات ظالمة. حتى الديمقراطيات التي تدعمها أمريكا مثل كوريا واليابان هي في الواقع ديمقراطية هشة تحت سيطرة مجموعة من السياسيين الأفاقين. عاشت أمريكا طوال تاريخها على دعم الدكتاتوريات وإفشال أي تنمية في البلاد التي تتحالف معها. ما الذي غيّر أمريكا؟ ما الذي غيرها حتى صارت تهب لنجدة الشعوب. لماذا ساندت الشعب المصري والشعب التونسي؟ وها هي تلاحق الشعب العربي شعباً شعبا. تنتظر حركة قوية ومستمرة في أي مكان لتقف معها وقفة رجل واحد, حتى ظن أصحاب نظرية المؤامرة أن هذه الثورات هي في الواقع من صنع أمريكا والغرب.
يظن كثير من المعلقين أن الوضع في سوريا مختلف. لا تستطيع أمريكا أن تتدخل في الشأن السوري الداخلي بسبب تعقيدات الجغرافيا السياسية. سوريا بالقرب من إسرائيل وعلى تماس عسكري معها. أي تدخل سيفسر على أنه مساندة لإسرائيل لا مساندة للشعب السوري. هذا التفسير ينتسب لنفس طريقة التفكير التي أنتجت نظرية المؤامرة. كلاهما يتجاهل ما حدث في العشرين سنة الماضية. تقوم هذه القراءات على نظرية أن أمريكا في حاجة إلى حلفاء في العالم الثالث، وهي نظرية صحيحة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي. في ذلك الحين لا تستطيع أمريكا أن تنتظر من حلفائها التحول إلى المبادئ التي تعتنقها. كان الحكام والدول أدوات في الحرب الباردة. كان معظم الزعماء في العالم الثالث مرشحين للتحول إلى المعسكر الاشتراكي. لا تطلب روسيا من حلفائها إلا شتم المعسكر الغربي والتغني بالعدالة والاشتراكية. في الواقع كانت المبادئ الاشتراكية تدعم دكتاتورية الجماهير. بهذه الدكتاتورية الرنانة قبض القذافي وحافظ الأسد وجمال عبدالناصر وغيرهم من الزعماء على مقاليد الحكم في بلدانهم. كانت أمريكا مضطرة أن تتخلى عن مبادئها لمواجهة المد الشيوعي عبر العالم. صارت الحكومات في كثير من العالم الثالث تخير أمريكا بين البقاء على دكتاتوريتها وظلمها لشعبها أو التحول إلى التحالف مع الاتحاد السوفيتي. اضطرت الحكومات الأمريكية المتعاقبة أن تتحالف مع أقذر الحكومات لمواجهة عدو استطاعت دعايته أن تلقى قبولا جماهيريا واسعا. صار معظم حكام العالم الثالث المتحالف مع أمريكا يضع سياسة بلاده الخارجية في خدمة أمريكا ثم يتمتع بكل السلطان القامع في السياسة الداخلية. حسني مبارك أفضل نموذج. حول بلاده إلى مكتب ممثل لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وحوّل مصر داخليا إلى عزبة له ولعائلته الصغيرة. لم ينتبه حسني مبارك وأصحاب نظرية المؤامرة معه أن العالم تغير وأن أمريكا في الواقع لم تعد في حاجة إلى ( حلفاء مع من وضد من). العالم كله منظومة أمريكية. حليف أمريكا اليوم من يمتثل للمبادئ الأمريكية فقط. رغم النفاق الكبير إلا أن كلمة ديمقراطية تعني الشيء الكبير في الفكر الأمريكي، ونشرها جزء لا يتجزأ من العقيدة الأمريكية. بعد أن تحول العالم (بالكامل) إلى منظومة تابعة للغرب، الخطوة التالية عليه أن يتحول إلى المبادئ الغربية دون خيار آخر. هذا هو الموقف الأمريكي مما يحدث ويمكن قراءته في خطاب الرئيس الأمريكي الأخير.
رغم كلام أمريكا عن الديموقراطية لم يسجل تاريخ القرن العشرين أن انتصرت أمريكا لأي شعب ضد الظلم أو ضد حكومات ظالمة. حتى الديمقراطيات التي تدعمها أمريكا مثل كوريا واليابان هي في الواقع ديمقراطية هشة تحت سيطرة مجموعة من السياسيين الأفاقين. عاشت أمريكا طوال تاريخها على دعم الدكتاتوريات وإفشال أي تنمية في البلاد التي تتحالف معها. ما الذي غيّر أمريكا؟ ما الذي غيرها حتى صارت تهب لنجدة الشعوب. لماذا ساندت الشعب المصري والشعب التونسي؟ وها هي تلاحق الشعب العربي شعباً شعبا. تنتظر حركة قوية ومستمرة في أي مكان لتقف معها وقفة رجل واحد, حتى ظن أصحاب نظرية المؤامرة أن هذه الثورات هي في الواقع من صنع أمريكا والغرب.
يظن كثير من المعلقين أن الوضع في سوريا مختلف. لا تستطيع أمريكا أن تتدخل في الشأن السوري الداخلي بسبب تعقيدات الجغرافيا السياسية. سوريا بالقرب من إسرائيل وعلى تماس عسكري معها. أي تدخل سيفسر على أنه مساندة لإسرائيل لا مساندة للشعب السوري. هذا التفسير ينتسب لنفس طريقة التفكير التي أنتجت نظرية المؤامرة. كلاهما يتجاهل ما حدث في العشرين سنة الماضية. تقوم هذه القراءات على نظرية أن أمريكا في حاجة إلى حلفاء في العالم الثالث، وهي نظرية صحيحة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي. في ذلك الحين لا تستطيع أمريكا أن تنتظر من حلفائها التحول إلى المبادئ التي تعتنقها. كان الحكام والدول أدوات في الحرب الباردة. كان معظم الزعماء في العالم الثالث مرشحين للتحول إلى المعسكر الاشتراكي. لا تطلب روسيا من حلفائها إلا شتم المعسكر الغربي والتغني بالعدالة والاشتراكية. في الواقع كانت المبادئ الاشتراكية تدعم دكتاتورية الجماهير. بهذه الدكتاتورية الرنانة قبض القذافي وحافظ الأسد وجمال عبدالناصر وغيرهم من الزعماء على مقاليد الحكم في بلدانهم. كانت أمريكا مضطرة أن تتخلى عن مبادئها لمواجهة المد الشيوعي عبر العالم. صارت الحكومات في كثير من العالم الثالث تخير أمريكا بين البقاء على دكتاتوريتها وظلمها لشعبها أو التحول إلى التحالف مع الاتحاد السوفيتي. اضطرت الحكومات الأمريكية المتعاقبة أن تتحالف مع أقذر الحكومات لمواجهة عدو استطاعت دعايته أن تلقى قبولا جماهيريا واسعا. صار معظم حكام العالم الثالث المتحالف مع أمريكا يضع سياسة بلاده الخارجية في خدمة أمريكا ثم يتمتع بكل السلطان القامع في السياسة الداخلية. حسني مبارك أفضل نموذج. حول بلاده إلى مكتب ممثل لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وحوّل مصر داخليا إلى عزبة له ولعائلته الصغيرة. لم ينتبه حسني مبارك وأصحاب نظرية المؤامرة معه أن العالم تغير وأن أمريكا في الواقع لم تعد في حاجة إلى ( حلفاء مع من وضد من). العالم كله منظومة أمريكية. حليف أمريكا اليوم من يمتثل للمبادئ الأمريكية فقط. رغم النفاق الكبير إلا أن كلمة ديمقراطية تعني الشيء الكبير في الفكر الأمريكي، ونشرها جزء لا يتجزأ من العقيدة الأمريكية. بعد أن تحول العالم (بالكامل) إلى منظومة تابعة للغرب، الخطوة التالية عليه أن يتحول إلى المبادئ الغربية دون خيار آخر. هذا هو الموقف الأمريكي مما يحدث ويمكن قراءته في خطاب الرئيس الأمريكي الأخير.