هاهو يوم عرفات يعود ، كل عام وأنتم بخير ،الوقفة في عرفات تعني التجرد أمام الله الواحد الأحد ، هذه الوقفة التي يقفها الحجاج كل عام .أغلب الحجيج يقفونها مرة في العمر ، يكونون قد صرفوا الكثير وحلموا كثيرا ، ليبلغوا هذا اليوم الكبير .
مرة في العمر او مرات أو أكثر ، ربما عشرات لمن تتهيأ لهم الفرص كثيرا .
هذه الوقفة التي نعاصرها كل عام وتهفو لها قلوبنا والأبصار ، ما هي فلسفة هذه الوقفة ، هل هي أن نشخص جميعا لجبل الرحمة وننادي بالله أكبر ، ونرفع الأيدي بالدعاء، أو نقف لنتطهر من دواخلنا نقف أمام الله لنجرُد كل عام حساباتنا مع انفسنا ومع المحيط بنا ، ترى أي شيء دخل سجل حسناتنا وأي خطأ راح لسجل سيئاتنا؟ لنحاول ان نحسن من سجلنا ونرتب اولوياتنا .
عندما يقف كل فرد أمام الله واضعا سجل عمله أمامه ، سجلاً يفرده كل عام ، ويرى أي خطوات تركت أثرا جميلا ليطور بها ويعيد صياغتها امتناناً لله عز وجل . وعرفاناً بالحق الذي دفعنا إليه . نعيد حساباتنا مع هفوات أفعالنا وصغائر أعمالنا ، نعيد التقييم ، نطهر بالتوبة ذواتنا .
يوم واحد في السنة لو وقف كل مسلم امام ذاته وسأل نفسه عما قدم لنفسه ولوطنه ، ومن ثم لأمته . وهل ساهم في جمعها أم تفرقها ؟ وهل قال كلمة حق ولو صعب ذلك ؟
كل فرد مهما كبر أو صغر ، من رئيس أو قائد أو أي انسان يدين بهذا الدين العظيم الذي حررالإنسان من العبودية ورفعه مكرما . فقط لو تذكر المسلمون أمر الله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ونفذوه وتنازلوا بعض الشيء ، وتقربوا بعض الشيء .. ترى كم من الأبعاد والمسافات نستطيع أن نقلصها فيما بيننا ، ونتقرب أكثر ، فكيف من الممكن ان نتقرب من شعوب العالم بمختلف دياناتهم ومذاهبهم ونبتعد عن بعضنا البعض؟ كيف نتفرق لأسماء عديدة وقد وحدنا الله في سمائه ويجمع المؤمنين في يوم معلوم من كل عام ..
نرجم الشيطان كل عام، شيطاناً أكبر وشياطين صغارا ، فكيف نترك الشيطان الذي نرجمه يأتي لنا بألوان مختلفة ويفرقنا؟!
للوقوف بعرفات فلسفة كبرى ، ولها رسالة عميقة ، لتلك الوجوه الناصية ربها التي تلهث باسمه عز وجل وتعالى .. الله أكبر ، أكبر من كل شيء ، ونحن نقف بين يديه ، ننتظر رحمته ونخشى عذابه . فكما نخشى عذاب الآخرة نخشى عذاب الدنيا ، عذاب التفرق والتشرذم وأكل لحم بعضنا البعض بالباطل . وكوننا ملهاة وتجارب لأسلحة العالم تصقع رؤسنا كل حين.
إنها وقفة عرفات ، وهنيئا للحجيج وقفتهم ، تقبل الله عملهم وبارك الله به .. وكل عام ونحن نعاود الدعاء اللهم أعده على المسلمين بأحسن حال .