بقلم: حنين أبو الروس
دار الفكر 15/03/2011
ازدادت ظاهرة عزوف الطفل العربي عن القراءة في العقود الأخيرة، وبات هناك نوع من القطيعة بين الأطفال العرب وبين "خير جليس" لدرجة أن معدل قراءتهم السنوي لا يتجاوز الست دقائق، مما يؤثر على مستواهم المعرفي مستقبلاً.
تُشير آخر الإحصائيات أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي حتى سن الثامنة عشر يقتصر على ست دقائق سنوياً، كما أوضحت دراسة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). وهذه الدراسة تدل على أن الأجيال العربية تتوارث عزوفهم عن القراءة في العالم العربي، مما ينعكس على المستوى المعرفي لهذه الأجيال مستقبلاً. لكن ما هي أسباب هجر الطفل العربي للكتاب، الذي طالما وصفه العرب أنفسهم بأنه "خير جليس"!؟ فهل يعود العزوف عن القراءة إلى أسباب فطرية أم أن هناك سلوكيات أُسرية تقتل في الطفل العربي حبه للقراءة؟
ـ فاقد الشيء لا يُعطيه
فقدت روان السيطرة على أبنيها، يزن (11 عاماً) وزيد (9 أعوام) منذ التحاقهما بالمدرسة، فما عادت تستطيع كبح إهتمامهم بالقراءة بالإنصراف إلى الألعاب الإلكترونية وكرة القدم مجاراة لأقرانهم. وما يزيد الأمور تعقيداً أن زوجها "ينزعج إذا ما رأى أحد ولديه يقرأ في كتاب مدرسي، فكيف إن رآه يُطالع كتاباً غير مدرسي..!!؟؟"، كما تقول روان، التي تُضيف قائلة: "أنا نفسي لا أُحب القراءة لكنني أُدرك أهميتها". وتستثني روان ابنتها ذات الستة أعوام من "حساسية القراءة" التي تُعاني منها الأسرة، لأن خالتها مولعة بالقراءة وتُشجعها على ذلك، ما يدفع الصغيرة إلى تقليد خالتها المحبة للقراءة.
كاتبة الأطفال روضة الهدهد ترى انجذاب الطفل إلى الكتاب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدور الأم وبالمدرسة، بما فيها من معلمين ورفاق. وفي حديث مع محطة (دويتشه فيله) أرجعت الهدهد أسباب عزوف الأطفال عن المطالعة إلى "خلل في علاقة الأسرة بأكملها بالكتاب"؛ فعزوف الوالدين عن القراءة ينتقل إلى أطفالهم، ويعمل على "عدم تنمية ملكة القراءة لديهم". وتُضيف الكاتبة الأردنية بالقول: "أنا أشعر أن الطفل العربي يحب مطالعة الكتب، ويحب أيضاً أن يُقرأ له. وإن تعلق الطفل بقصة ما، فإنه يُصر على أهله أن يرووها له مرات عِدة دون كلل".
وهنا يأتي دور الأسرة في إشباع الوالدين "لهذه الغريزة الكامنة في طفلهم"، كما ترى الهدهد.
ـ دور فاعل للصورة
مي، أم أردنية، اعتادت أن تروي كل ليلة لطفلتيها ملاك (6 أعوام) ونور (5 أعوام) قصة ما قبل النوم. كما أنها تصطحبهم إلى المكتبة بين الحين والآخر، ليختاروا الكتب التي تلفت إنتباههم، مع توجيهها لهم لاختيار الكتاب المفيد والمناسب. وانطلاقاً من قناعتها بأن للوالدين الدور الأكبر في تنمية إقبال الطفل على الكتاب ونظراً لصغر سنهم وعدم إتقانهم للقراءة، تقرأ مي القصة على مسامع أطفالها وتُكررها ذاتها على مدار أسبوع. وبعد الأسبوع تُمسك الطفلتان الكتاب ويُحاولن القراءة وغالباً ما ينجحن في ذلك، لا لأنهما تعلمن القراءة، بل لأنهما فعلياً حفظن القصة عن ظهر قلب. وذلك يُشعرهن بتحقيق نجاح ويزيد من رغبتهن في إقتناء كتاب آخر لقراءته، كما تقول مي، التي تؤكد أيضاً على دور الصورة الفاعل والمسيطر في استقطاب انتباه الطفل للكتاب.
وفي هذا الإطار تلفت روضة الهدهد الإنتباه إلى "أهمية الحرص على توفير الكتاب للطفل، لما له من تأثير إيجابي على الطفل". وتُضيف الهدهد بالقول: "إن الطفل الذي يقرأ أو يستمع إلى قصة، يرفع من حصيلة مفرداته اللغوية وإدراكه ومعرفته بالأمور الحسية وغير الحسية. كما أن للقراءة تأثير إيجابي على تحصيله الدراسي مستقبلاً."
وتجد هالة حمد، مستشارة الدول العربية في تنمية وتعليم الأطفال، أن "القراءة هي نظام يحتاج إلى أساسات تُبنى من الصغر، كتعريف الطفل على الأشياء واعتياد عيونه على القراءة، وذلك يتم من خلال تعريف الصور أمامه بكلمات، إضافة إلى تعليمه كيفية التعامل مع الكتاب".
وتُرجع حمد سبب عزوف الأطفال عن المطالعة إلى أن "معظم الكبار في البيت العربي لا يقرؤون" وتتساءل المستشارة العربية: "فكيف نطلب ذلك من الأطفال..!"
كما تعزو إهمال الطفل للكتاب إلى أن "الطفل العربي لا يتعرف على الكتاب إلا في المدرسة كدواء لا بد أن يأخذه، ويعتبر القراءة كمهارة صغيرة هامشية، ولا يعتبرها كمتعة أو وسيلة لإشباع فضوله وحب استطلاعه."
وبحسب حمد فإن "النمط التفكيري في العلاقـة مع الكتاب غير موجود لدى الأطفال العرب بشـكل عام، لأنهم لم يتعلموا كيفيـة التعامل مع الكتاب"، على عكس الحالة في الدول الغربية. وفي هذا الإطار تُضيف حمد قائلة: "في الغرب يقرأ الوالدان في معظم الأوقات، لذلك يكبر حب القراءة مع الطفل على عكـس الواقع في الأسـرة العربيـة."
ولا تبتعد الكاتبة سوزان الغاوي كثيراً عن هذا الطرح، إذ تجد أن "وجود الكتاب من الأمور المهمـة والضروريـة في البيت وتأثيره كبير جداً على الطفل، لأن الطفل يُقلد الأهل في تصرفاتهم". فعندما يرى الطفل والديه يقرئان الكتاب ويحترمانه، تنمو لديه عادة القراءة التي تنقص مجتمعنا، فتصرفات الأبوين تنعكس على تصرفات أبنائهما. "لذلك على الآباء التعامل مع الكتاب كأنه كنز أو شيء له قيمة كبيرة، مما سيعمل على زيادة إهتمام الطفل بالكتاب، وكلما زاد عدد الكتب في البيت كلما كبرت مكتبة الطفل وأثرت على تشكيل شخصيته من خلال كتبها"، كما تقول الغاوي.
أما في ما يتعلق بجذب إهتمام الطفل للكتاب فترى هالة حمد من جانبها أن "الجلسـة الحميمـة في حِضن الأب أو الأم والتفاعل مع الطفل في إحداث القصـة وإبداء الإهتمام، لـه دور كبير في تنميـة حب القراءة لدى الطفل."
ـ محاولات لتجنب العواقب
وفي إطار الجهود العربية لتغيير واقع العلاقة المتردية أو شبه المنعدمة بين الطفل العربي والكتاب ومن أجل تجنب العواقب الوخيمة لهذه الظاهرة، أُطلقت في الأردن مؤخراً مبادرة على مستوى المملكة. وتستهدف المبادرة، التي أُطلق عليها "حملة تنمية المجتمع"، لتشجيع القراءة في المناطق الفقيرة التي يلفها ظلام الأُمية في الأردن. الهدف من هذه الحملة هو هز الأُمية الفكرية التي يُعاني منها المجتمع، إذ تتبنى مبدأ القراءة لمدة 6 دقائق يومياً للأطفال والكبار، كما تقول حمد، مستشارة هذه الحملة.
وفي خطوة مشابهة تم تأسيس مؤسسة (آنا ليندت) للحوار بين الثقافات عام 2005، من أجل تشجيع الحوار الأورومتوسطي في إطار التعامل بين دول الإتحاد الأوروبي وبقية الدول المُطلة على البحر الأبيض المتوسط. وأقامت هذه المؤسسة مؤخراً مسابقة سنوية بعنوان "القراءة هنا وهناك وأينما تواجدنا"، بهدف تحقيق انتشار أوسع لأدب الطفل عالي الجودة. واقتسمت جائزة هذا العام مصر ولبنان. كما تقوم المؤسسة أيضاً بدعم عملية إصدار الكتب على المستوى الوطني والإقليمي.