القرآن ..سَمِعَه أقحاح العرب ، وأساطين اللغة ، فما تمالكوا أنفسهم .. فأصْغَوا إليه .. لما أجار ابنُ الدّغنة أبا بكر رضي الله عنه ، طَفِقَ أبو بكر يَعْبُدُ ربَّـه في داره ، ولا يَسْتَعْلِن بالصلاة ، ولا القراءة في غير داره ، ثم بَدَا لأبي بكر فابْتَنَى مسجدا بِفِنَاء داره ، وبَرَز ، فكان يُصَلّي فيه ويقرأ القرآن ، فيتقصَّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، يَعجبون ويَنظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً ، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ! فأرسلوا إلى ابن الدّغنة ، فقدم عليهم ، فقالوا له : إنا كنا أجَرْنَا أبا بكر على أن يَعْبُد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ! رواه البخاري أخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال : حُدِّثتُ أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خَرَجُوا ليلة يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مَجْلِساً يستمع فيه ، وكلٌّ لا يَعْلَمُ بمكان صاحبه ، فَبَاتُوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق فتلاومُوا ، فقال بعضهم لبعض : لا تَعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ! ثم انصرفوا حتى إذا كان الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتُوا يستمعون له حتى طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منهم مجلسه ، فباتُوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نَعود ، فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا ، فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟
قال : والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفتُ معناها ، ولا ما يُراد بها
قال الأخنس : أنا والذي حَلَفْتُ به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فقال : ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكُنّا كفرسي رهان ، قالوا مِنّـا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نُصدِّقه فقام عنه الأخنس وتركه !
فيا أخوتاه .. لا تهجروه
قال ابن القيم :
هجر القرآن أنواع : أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه . والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه . والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه . والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها ، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به . وإن كان بعض الهجر أهون من بعض .. ولكي لا تهجره إليك – رعاك الله – هذه التوجيه اقرأ القرآن في كل أسبوع قال الإمام البخاري في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في قراءة القرآن : وقال بعضهم : في ثلاث ، وفي خمس ، وأكثرهم على سبع . قد يكون صعبا في البداية .. والصعوبات في البدايات ثم ما يلبث أن يكون سَهلا مُيسَّرا فإذا أردتَ أن تختم القرآن في كل أسبوع .. فاقرأ في كل يوم أربعة أجزاء وأربعة أوجه تقريبا واجعل بداية قراءتك مع بداية الأسبوع ، لتَفُزْ بِختمة في نهاية الأسبوع .. وإذا كانت في آخر ساعة من يوم الجمعة فقد جَمَعْتَ بين الدعاء في آخر ساعة من يوم الجمعة وبين الدعاء عند ختم القرآن .. كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فَدَعا لهم . وتعاهَد نفسك مع العمل بالقرآن .. حتى لا تكون هاجراً للعَمَل به .
لفتة :
سألتني فتاة فقالت : اعْتَدتُ أن أخْتِم القرآن في كل خمسة أيام ! فكيف أجتهد في العشر الأواخر ؟! فهزّني هذا السؤال ! واحْتَقَرْتُ نفسي وعملي ! فهل يَهزّك لِتعود إلى القرآن ، وإلى الاجتهاد في قراءته .. وإلى تعاهده ؟!!