كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية): «الشرق الأوسط»*
إغفاءة النهار كانت على الدوام «الابنة المتبناة» لنوم الليل الصحي الجيد الذي يحبه كل الناس. وقد كانت محاطة بالشكوك، فإن حدث ولمحك صاحب العمل وأنت تغط في إغفاءة، فإنك واقع في مشكلة حقا.
وقد أشارت الأبحاث السابقة إلى أن هذه الإغفاءة ترتبط بوجود اعتلال في الصحة، لكنها نوهت بأنها ليست سببا في هذا الاعتلال بل نتيجة له. كما أن التوصيات الخاصة بالنوم أدرجت الإغفاءة في أواخر قائمتها، أو أنها اعتبرتها عاملا مهددا للنوم أثناء الليل. وتخبر الأكاديمية الأميركية لطب النوم على موقعها الإلكتروني في الإنترنت الناس بأن عليهم «تجنب الوقوع في إغفاءة قدر الإمكان».
لكن، حديثا، أخذت الإغفاءة تنزع صورتها السيئة، وبدأ الباحثون يجدون فوائد لها. ويتيح بعض أرباب العمل الآن للعاملين التمتع بإغفاءة قصيرة، فيما يفترض بعض الباحثين أنه وبدلا من مكافحة الإغفاءة فإن علينا التفكير في إضافة إغفاءة القيلولة إلى نظام النوم لدى الأشخاص الأكبر سنا، خصوصا مع تدني جودة النوم الليلي بتقدم العمر.
* «نوبة نعاس الظهر»
* الإغفاءات، بمقدورها بالطبع، أن تكون بلسما لحالات النعاس التي تحصل أثناء النهار. وتحدث حالات النعاس لدى الإنسان نتيجة نطاق واسع من الأسباب. وهناك بالفعل ساعة بيولوجية توجد في مجموعة من الخلايا في الهايبوتلاموس، أو ما تحت السرير البصري (hypothalamus) في الدماغ. وتقوم هذه الخلايا بالإشراف على مختلف العمليات الفسيولوجية أثناء اليوم (درجة حرارة الجسم، ضغط الدم، إفرازات العصارات الهضمية)، وكذلك على النوم واليقظة. وكما يمكن توقعه، فإن نمط الإيقاع اليومي يتكون من: اليقظة أثناء النهار، يتبعها ازدياد النعاس تدريجيا أثناء المساء. إلا أن الشائع أيضا هو وجود «نوبة» أو «رابية» صغيرة من النعاس في فترة أواسط ما بعد وقت الظهر، مبرمجة ضمن هذا الإيقاع اليومي. ولذا فإن إغفاءة القيلولة هي واحدة من الوسائل التي تتيح اجتياز هذه «النوبة أو «الرابية».
عام 2008 نشرت المجلة الطبية البريطانية دراسة، قارن فيها الباحثون بين ثلاث حالات: زيادة ساعات النوم، أو التمتع بالقيلولة، أو تناول الكافيين، باعتبارها وسائل للتعامل مع «نوبة نعاس الظهر»، ثم تجاوزها. وظهر أن القيلولة كانت أكثر تلك الوسائل فاعلية.
وهناك عامل آخر يلعب دوره في حالات النعاس أثناء النهار هو عدد ساعات اليقظة. فبعد 16 ساعة متتالية من اليقظة من دون نوم، يشعر أكثرية الناس بالتعب. ومن الناحية المثالية فإن مثل هذا التوجه نحو النوم يتزامن مع التوجه المبرمج في نمط الإيقاع اليومي، ولذلك فإنهما يدعم بعضهما بعضا.
ولكن، إن كنت من العاملين في النوبات الليلية، أو كانت لديك مشاكل في النوم ليلا، فإن فترة 16 ساعة من اليقظة قد تبدأ - أو تنتهي - مبكرا، الأمر الذي يقود إلى النعاس أثناء الظهر أو بداية المساء. وهنا، فإن إغفاءة قصيرة لن تتيح لك تغيير أوقاتك بشكل تام، إلا أنها قد تستطيع أن تمنحك وقتا قبل أن يبدأ نعاسك بالظهور مجددا.
* القيلولة أثناء العمل
* منذ عام 2000، أو حواليه، أخذ باحثون في جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات في وضع عشرات التجارب التي أظهرت أن النوم يحسن التعلم، الذاكرة، والتفكير المبدع. وفي كثير من الحالات فإن هذا «النوم المثقف» للإنسان كان يأتي في شكل إغفاءة النهار أي «القيلولة». وعلى سبيل المثال فإن عددا من الدراسات أظهر أن الأشخاص الذين طلب منهم تذكر شيء ما - مثل قائمة من الكلمات - ثم تمتعوا بالقيلولة، كانوا يتذكرون أكثر مما كانوا سيتذكرون لو أنهم لم يتمتعوا بالقيلولة. بل وحتى «الإغفاءة السريعة» (إغفاءة القط) لمدة 6 دقائق (من دون حساب الدقائق الـ5 الأولى قبل الوقوع في الإغفاءة) أظهرت فروقا واضحة في كيفية احتفاظ الناس بمعلوماتهم. ويقول روبرت سيكغولد، الباحث في النوم في جامعة هارفارد، إن القيلولة تجعل الناس أكثر كفاءة في حل المسائل. وأظهر فريق البحث الذي يقوده أن إغفاءة القيلولة يبدو أنها تساعد الناس على فصل المعلومات المهمة عن التفاصيل الإضافية. وإن شملت الاغفاءة مرحلة REM (طور حركة العين السريعة للنوم rapid eye movement sleep) - التي تحدث فيها الأحلام - فإن الناس سيصبحون أفضل مقدرة على الربط بين كلمات لا تمت بصلة إلى بعضها.
ويقول سيكغولد إن أبحاثه إضافة إلى الأبحاث الأخرى تلح على أرباب العمل بضرورة تمكين العاملين من التمتع بإغفاءة النهار، خصوصا في قطاعات الاقتصاد التي أصبحت تعتمد على الأسس المعلوماتية. وقد خصصت بعض الشركات فعلا غرفا للقيلولة، فيما خصصت شركة «غوغل» (مواقع للقيلولة) لا يصلها الضوء والصوت.
كما أن هناك إمكانات لبرامج «القيلولة الاستراتيجية» خصوصا للعاملين في نوبات العمل الليلية. وأظهرت نتائج دراسة نيوزيلندية نشرت عام 2009 أن مراقبي حركة النقل الجوي العاملين في النوبات الليلية كانوا أفضل في اختبارات الانتباه وحسن الأداء بعدما تمتعوا بإغفاءة تم التخطيط لها استمرت 40 دقيقة. ويعمل باحثون في قسم طب النوم بجامعة هارفارد معا مع هيئة مكافحة الحرائق لتحسين السياسات الخاصة بالنوم. وتتمثل إحدى توصياتهم بأن يتمتع رجال مكافحة الحرائق العاملون في نوبات ليلية، بإغفاءة في فترة متأخرة بعد الظهر قبل البدء في نوبة عملهم.
* الإغفاءة واعتلال الصحة
* إن النعاس أثناء النهار، والإغفاءة التي تخفف منه، قد يكونان من علامات اعتلال الصحة. فالنعاس أثناء النهار، مثلا، هو أحد أعراض مرض باركنسون (الشلل الرعاش). وفي الدراسات التي أجريت على الرجال الكبار في السن، ترابطت إغفاءة النهار المنتظمة مع حالات السكري، الكآبة، والآلام المزمنة، بافتراض أن هذه العلل تؤدي إلى التأثير على النوم الليلي.
وبالفعل، فإن من المعقول أن تكون إغفاءة النهار وسيلة للتعويض عن الحرمان من النوم ليلا، بغض النظر عن العمر أو الأسباب المؤدية إليه. ولذلك فإن مشاكل النوم، النعاس أثناء النهار، الإجهاد، والحاجة الملحة للقيلولة، كلها مسائل تقتضي التشاور بشأنها مع الطبيب.
وفيما قد يكون النوم الليلي السيئ سببا لنوم القيلولة، فإنه من غير الواضح في ما إذا كان العكس صحيحا: أي هل أن القيلولة تقود إلى نوم ليلي سيئ؟ لقد كان هذا معتقدا سائدا في الماضي، إلا أن دراستين لم تعثرا على ارتباط بين القيلولة والشكوى من النوم. وفي الحقيقة فإن عددا من الدراسات أظهر أن القيلولة، والقدرة على الإغفاء نهارا، أكثر شيوعا لدى البالغين الأكبر سنا الذين ينامون جيدا، أكثر من نظرائهم الذين يعانون من مشاكل في النوم. كما قدمت افتراضات بأن القيلولة قد تكون عملية تكيف مناسبة للأشخاص الأكبر سنا الذين ينامون، كقاعدة، ساعة أقل في الليل ويستيقظون مبكرا، مقارنة بالشباب الأصغر سنا.
* إغفاءة قصيرة في النهار.. نصائح وإرشادات
* القيلولة في النهار لمدة 20 إلى 30 دقيقة قد تعتبر فترة مثالية. بل إن إغفاءة تستمر دقائق معدودات فقط، تقدم الفائدة. أما الإغفاءات لفترات أطول فقد تؤدي إلى «خمول ما بعد النوم» الذي يصعب التخلص منه.
* خصص لنفسك مكانا مظلما، هادئا وباردا. فتقليل الضوء والصوت والبرودة يساعد الكثير من الناس على الإغفاء.
* خطط للقيلولة. لا تنتظر حتى وقت حلول القيلولة، بل خطط لوقتها ومكانها، خصوصا إن كنت تقود سيارتك.
* وقّت مواعيد تناول الكافيين. الكافيين يحتاج إلى وقت قبل أن يحدث تأثيره. وقد أشارت دراسة يابانية نشرت قبل عدة سنوات إلى أن تناول السوائل الغنية بالكافيين ثم الخلود إلى إغفاءة بعد
ذلك فورا، هو أفضل توليفة لاكتساب الراحة، لأن النوم يبدأ قبل أن يبدأ مفعول الكافيين! ونحن مترددون هنا في قبول هذه المنطلقات - لأن مجرد ذكر الكافيين يرتبط لدينا فورا بطعم القهوة
ورائحتها، الأمر الذي يشعرنا بالصحوة. والمهم هو توقيت تناول الكافيين لكي لا يتضارب مع القيلولة.
* لا تشعر بالذنب. فالقيلولة في وقتها المناسب تزيد من قدرات إنتاجك في العمل أو المنزل.