مالكوم إكس أو الحاج مالك شباز من الشخصيات الأمريكيةالمسلمة البارزة في منتصف القرن الماضي، التي أثارت حياته القصيرة جدلا لم ينته حول الدين والعنصرية، حتى أطلق عليه "أشد السود غضبا في أمريكا". كماأن حياته كانت سلسلة من التحولات؛ حيث انتقل من قاع الجريمة والانحدار إلىتطرف الأفكار العنصرية، ثم إلى الاعتدال والإسلام، وعندها كُتبت نهايته بست عشرة رصاصة.
اللون.. قبل الإنسان
ولد مالكوم في (6 ذي القعدة 1343هـ= 29 مايو 1925م)،وكان أبوه "أورلي ليتل" قسيسا أسود من أتباع "ماركوس كافي" الذي أنشأجمعية بنيويورك ونادى بصفاء الجنس الأسود وعودته إلى أرض أجداده في أفريقيا. أما أمه فكانت من جزر الهند الغربية لكن لم تكن لها لهجة الزنوج،وكان مالكوم المولود السابع في الأسرة؛ فقد وضعته أمه وعمرها ثمانيةوعشرون عاما، كانت العنصرية في ذلك الوقت في الولايات المتحدة ما زالت على أشدها، وكان الزنجي الناجح في المدينة التي يعيش فيها مالكوم هو ماسح
الأحذية أو البواب!!
كان أبوه حريصا على اصطحابه معه إلى الكنيسة في مدينة "لانسينغ" حيث كانت تعيش أسرته على ما يجمعه الأب من الكنائس، وكان يحضر مع أبيه اجتماعاته السياسيةفي "جمعية التقدم الزنجية" التي تكثر خلالها الشعارات المعاديةللبيض، وكان الأب يختم هذه الاجتماعات بقوله: إلى الأمام أيها الجنس الجبّار، بوسعك أن تحقق المعجزات. وكان أبوه يحبه للون بشرته الفاتح قليلاعنه، أما أمه فكانت تقسو عليه لذات السبب، وتقول له: "اخرج إلى الشمس ودعها تمسح عنك هذا الشحوب".
وقد التحق بالمدرسة وهو في الخامسة من عمره، وكانت تبعد عن مدينته ثمانيةأميال، وكان هو وعائلته الزنوج الوحيدين بالمدينة؛ لذا كان البيض يطلقون عليه الزنجي أو الأسود، حتى ظن مالكوم أن هذه الصفات جزء من اسمه.
الحق والصراخ
وكان الفتى الصغير عندما يعود من مدرسته يصرخ مطالبابالطعام، ويصرخ ليحصل على ما يريد، ويقول في ذلك: لقد تعلمت باكرا أن الحقلا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على مايريد.وعندما بلغ مالكوم سن السادسة قتلت جماعة عنصرية بيضاء أباه وهشمت رأسه؛فكانت صدمة كبيرة للأسرة وبخاصة الأم التي أصبحت أرملة وهي في الرابعةوالثلاثين من عمرها وتعول ثمانية أطفال، فترك بعض الأبناء دراستهم، وعملت الأم خادمة في بعض بيوت البيض، لكنها كانت تطرد بعد فترة قصيرة لأسباب عنصرية.
وتردت أحوال الأسرة، وكانت الأم ترفض وتأبى أن تأخذ الصدقات من مكتب المساعدة الاجتماعية؛ حتى تحافظ على الشيء الوحيد الذي يمتلكونه وهوكرامتهم، غير أن قسوة الفقر سنة 1934 جعلت مكتب المساعدة يتدخل في حياتهم،وكان الموظف الأبيض فيه يحرض الأبناء على أمهم التي تدهورت حالتهاالنفسية وأصيبت بمرض عقلي سنة 1937، وأودعت في المستشفى لمدة 26 عاما.
وأصبح الأطفال السود أطفال الدولة البيضاء، وتحكّم الأبيض في الأسودبمقتضى القانون. وتردت أخلاق مالكوم، وعاش حياة التسكع والتطفل والسرقة؛ولذلك فصل من المدرسة وهو في سن السادسة عشرة، ثم أُلحق بسجن الأحداث.
بوادر العنصرية
كان مالكوم شابا يافعا قوي البنية، وكانت نظرات البيضالمعجبة بقوته تشعره بأنه ليس إنسانا بل حيوانا لا شعور له ولا إدراك،وكان بعض البيض يعاملونه معاملة حسنة، غير أن ذلك لم يكن كافيا للقضاء على بذور الكراهية والعنصرية في نفس الشاب الصغير؛ لذلك يقول: "إن حسن المعاملة لا تعني شيئا ما دام الرجل الأبيض لن ينظر إليّ كما ينظر لنفسه،وعندما تتوغل في أعماق نفسه تجد أنه ما زال مقتنعا بأنه أفضل مني".
وتردد مالكوم على المدرسة الثانوية وهو في سجن الإصلاح، وكانت صفة الزنجي تلاحقه كظله، وشارك في الأنشطة الثقافية والرياضية بالمدرسة، وكانت صيحات الجمهور في الملعب له: "يا زنجي يا صدئ" تلاحقه في الأنشطة المختلفة،وأظهر الشاب تفوقا في التاريخ واللغة الإنجليزية.
الأسود.. والمستقبل
وفي عام 1940م رحل إلى أقاربه في بوسطن، وتعرف هناك على مجتمعات السود، ورأى أحوالهم الجيدة نسبيا هناك، وبعد عودته لاحظ الجميع التغير الذي طرأ عليه، غير أنه احتفظ بتفوقه الدراسي، وفي نهايةالمرحلة الثانوية طلب مستر "ستراوسكي" من طلابه أن يتحدثوا عن أمنياتهم في المستقبل، وتمنى مالكوم أن يصبح محاميا، غير أن ستراوسكي نصحه ألا يفكر في المحاماة لأنه زنجي وألا يحلم بالمستحيل؛ لأن المحاماة مهنة غير واقعيةله، وأن عليه أن يعمل نجارا، وكانت كلمات الأستاذ ذات مرارة وقسوة علىوجدان الشاب؛ لأن الأستاذ شجّع جميع الطلاب على ما تمنوه إلا صاحب اللون الأسود؛ لأنه في نظره لم يكن مؤهلا لما يريد.
وبعد انتهاء المرحلة الثانوية قصد مالكوم بوسطن وأخذته الحياة في مجرىجديد، وأصيب بنوع من الانبهار في المدينة الجميلة، وهناك انغمس في حياةاللهو والمجون، وسعى للتخلص من مظهره القوي، وتحمل آلام تغيير تسريحة شعره حتى يصبح ناعما، وأدرك أن السود لو أنفقوا من الوقت في تنمية عقولهم ماينفقونه في تليين شعورهم لتغير حالهم إلى الأفضل.
ثم انتقل إلى نيويورك للعمل بها في السكك الحديدية، وكان عمره واحداوعشرين عاما، وكانت نيويورك بالنسبة له جنة، وتنقل بين عدة أعمال، منها أن يعمل بائعا متجولا، وتعلم البند الأول في هذه المهنة وهو ألا يثق بأحد إلابعد التأكد الشديد منه.
وعاش فترة الحرب العالمية الثانية، وشاهد ما ولدته الحرب من فساد خلقي واجتماعي وانغمس هو نفسه في هذا الفساد، وغاص في أنواع الجرائم المختلفةمن سرقة ودعارة وفجور، وعاش خمس سنوات في ظلام دامس وغفلة شديدة، وفي أثناء تلك الفترة أُعفي من الخدمة العسكرية؛ لأنه صرح من قبيل الخديعة أنه يريد إنشاء جيش زنجي.
السجن.. وبداية الحرب
ألقت الشرطة القبض عليه وحكم عليه سنة 1946م بالسجن عشر سنوات، فدخل سجن "تشارلز تاون" العتيق، وكانت قضبان السجن ذات ألم رهيب على نفس مالكوم؛ لذا كان عنيدا يسبّ حرّاسه حتى يحبس حبسا انفراديا،وتعلم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قوية يستطيع من خلالها التخلي عن كثير من عاداته، وفي عام 1947م تأثر بأحد السجناء ويدعى "بيمبي" الذي كان يتكلم عن الدين والعدل فزعزع بكلامه ذلك الكفر والشك من نفس مالكوم،وكان بيمبي يقول للسجناء: إن من خارج السجن ليسوا بأفضل منهم، وإن الفارق بينهم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالة بعد، ونصحه بيمبي أن يتعلم، فتردد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللاتينية.
وفي عام 1948م انتقل إلى سجن كونكورد، وكتب إليه أخوه "فيلبيرت" أنه اهتدى إلى الدين الطبيعي للرجل الأسود، ونصحه ألا يدخن وألا يأكل لحم الخنزير،وامتثل مالكوم لنصح أخيه، ثم علم أن إخوته جميعا في دترويت وشيكاغو قداهتدوا إلى الإسلام، وأنهم يتمنون أن يسلم مثلهم، ووجد في نفسه استعدادافطريا للإسلام، ثم انتقل مالكوم إلى سجن "ينورفولك"، وهو سجن مخفف في عقوباته، ويقع في الريف، ويحاضر فيه بعض أساتذة الجامعة من هارفاردوبوسطن، وبه مكتبة ضخمة تحوي عشرة آلاف مجلد قديم ونادر.
وفي هذا السجن زاره أخوه "ويجالند" الذي انضم إلى حركة "أمة الإسلام"بزعامة "إليجا محمد"، التي تنادي بأفكار عنصرية منها أن الإسلام دين للسود، وأن الشيطان أبيض والملاك أسود، وأن المسيحية هي دين للبيض، وأن الزنجي تعلم من المسيحية أن يكره نفسه؛ لأنه تعلم منها أن يكره كل ما هوأسود.
وأسلم مالكوم على هذه الأفكار، واتجه في سجنه إلى القراءة الشديدةوالمتعمقة،وانقطعت شهيته عن الطعام والشراب، وحاول أن يصل إلى الحقيقة،
وكان سبيله الأول هو الاعتراف بالذنب، ورأى أنه على قدر زلته تكون توبته.
أمة الإسلام.. والعنصرية السوداء
وراسل مالكوم "إليجا محمد" الذي كان يعتبر نفسه رسولا،وتأثر بأفكاره، وبدأ يراسل كل أصدقائه القدامى في الإجرام ليدعوهم إلى الإسلام، وفي أثناء ذلك بدأ في تثقيف نفسه فبدأ يحاكي صديقه القديم"بيمبي"، ثم حفظ المعجم فتحسنت ثقافته، وبدا السجن له كأنه واحة، أو مرحلةاعتكاف علمي، وانفتحت بصيرته على عالم جديد، فكان يقرأ في اليوم خمس عشرةساعة، وعندما تُطفأ أنوار السجن في العاشرة مساء، كان يقرأ على ضوء
المصباح الذي في الممر حتى الصباح فقرأ قصة الحضارة وتاريخ العالم، وماكتبه الأسترالي مانديل في علم الوراثة، وتأثر بكلامه في أن أصل لون الإنسان كان أسود، وقرأ عن معاناة السود والعبيد والهنود من الرجل الأبيض وتجارة الرقيق، وخرج بآراء تتفق مع آراء إليجا محمد في أن البيض عاملواغيرهم من الشعوب معاملة الشيطان.
وقرأ أيضا لمعظم فلاسفة الشرق والغرب، وأعجب بـ"سبيننوزا"؛ لأنه فيلسوف أسود، وغيّرت القراءة مجرى حياته، وكان هدفه منها أن يحيا فكريا؛ لأنه أدرك أن الأسود في أمريكا يعيش أصم أبكم أعمى، ودخل في السجن في مناظرات أكسبته خبرة في مخاطبةالجماهير والقدرة على الجدل، وبدأ يدعو غيره من السجناء السود إلى حركة "أمة الإسلام"فاشتهر أمره بين السجناء.
الخروج من السجن
خرج مالكوم من السجن سنة 1952م وهو ينوي أن يعمق معرفته بتعاليم إليجا محمد، وذهب إلى أخيه في دترويت، وهناك تعلم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثر بأخلاق المسلمين، وفي المسجد استرعت انتباهه عبارتان: الأولى تقول: "إسلام: حرية، عدالة، مساواة"، والأخرى مكتوبة على العلم الأمريكي، وهي: "عبودية: ألم، موت".
والتقى بإليجا محمد، وانضم إلى حركة أمة الإسلام، وبدأ يدعو الشباب الأسودفي البارات وأماكن الفاحشة إلى هذه الحركة فتأثر به كثيرون؛ لأنه كان خطيبا مفوهًا ذا حماس شديد، فذاع صيته حتى أصبح في فترة وجيزة إماما ثابتافي مسجد دترويت، وأصبح صوته مبحوحا من كثرة خطبه في المسجد والدعوة إلى"أمة الإسلام"، وكان في دعوته يميل إلى الصراع والتحدي؛ لأن ذلك ينسجم مع طبعه.
وعمل في شركة "فورد" للسيارات فترة ثم تركها، وأصبح رجل دين، وامتاز بأنه يخاطب الناس باللغة التي يفهمونها؛ فاهتدى على يديه كثير من السود، وزارعددا من المدن الكبرى، وكان همه الأول هو "أمة الإسلام"؛ فكان لا يقوم بعمل حتى يقدر عواقبه على هذه الحركة.
وقد تزوج في عام 1958م ورُزق بثلاث بنات، أسمى الأولى عتيلة، على اسم القائد الذي نهب روما.
وفي نهاية عام 1959م بدأ ظهور مالكوم في وسائل الإعلام الأمريكية كمتحدث باسم حركة أمة الإسلام، فظهر في برنامج بعنوان: "الكراهية التي ولدتهاالكراهية"، وأصبح نجما إعلاميا انهالت عليه المكالمات التليفونية، وكتبت عنه الصحافة، وشارك في كثير من المناظرات التلفزيونية والإذاعية والصحفية؛
فبدأت السلطات الأمنية تراقبه، خاصة بعد عام 1961. وبدأت في تلك الفترةموجة تعلم اللغة العربية بين أمة الإسلام؛ لأنها اللغة الأصلية للرجل الأسود.
كانت دعوة مالكوم في تلك الفترة تنادي بأن للإنسان الأسود حقوقا إنسانيةقبل حقوقه المدنية، وأن الأسود يريد أن يكرم كبني آدم، وألا يعزل في أحياءحقيرة كالحيوانات وألا يعيش متخفيا بين الناس.
الحج والتغير
أدرك مالكوم أن الإسلام هو الذي أعطاه الأجنحة التي يحلق بها، فقرر أن يطير لأداء فريضة الحج في عام 1964م، وزار العالم الإسلامي ورأى أن الطائرة التي أقلعت به من القاهرة للحج بها ألوان مختلفةمن الحجيج، وأن الإسلام ليس دين الرجل الأسود فقط، بل هو دين الإنسان.
وتعلم الصلاة، وتعجب من نفسه كيف يكون زعيما ورجل دين مسلم في حركة أمةالإسلام ولا يعرف كيف يصلي!!.
والتقى بعدد من الشخصيات الإسلامية البارزة، منها الدكتور عبد الرحمن عزام صهر الملك فيصل ومستشاره، وهزه كرم الرجل معه وحفاوته به.
وتأثر مالكوم بمشهد الكعبة المشرفة وأصوات التلبية، وبساطة وإخاءالمسلمين، يقول في ذلك: "في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام؛ لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها"، وقضى 12 يوما جالسا مع المسلمين في الحج، ورأى بعضهم شديدي البياض زرق العيون، لكنهم مسلمون،ورأى أن الناس متساوون أمام الله بعيدا عن سرطان العنصرية.
وغيّر مالكوم اسمه إلى الحاج مالك شباز، والتقى بالمغفور له الملك فيصل الذي قال له: "إن ما يتبعه المسلمون السود في أمريكا ليس هو الإسلام الصحيح"، وغادر مالكوم جدة في إبريل 1964م، وزار عددا من الدول العربيةوالإفريقية، ورأى في أسبوعين ما لم يره في 39 عاما، وخرج بمعادلة صحيحةهي: "إدانة كل البيض= إدانة كل السود".
وصاغ بعد عودته أفكارا جديدة تدعو إلى الإسلام الصحيح، الإسلام اللاعنصري،وأخذ يدعو إليه، ونادى بأخوة بني الإنسان بغض النظر عن اللون، ودعا إلى التعايش بين البيض والسود، وأسس منظمة الاتحاد الأفريقي الأمريكي، وهي أفكار تتعارض مع أفكار أمة الإسلام؛ لذلك هاجموه وحاربوه، وأحجمت الصحف الأمريكية عن نشر أي شيء عن هذاالاتجاه الجديد، واتهموه بتحريض السود على العصيان، فقال: "عندما تكون عوامل الانفجار الاجتماعي موجودة لا تحتاج الجماهير لمن يحرضها، وإن عبادة الإله الواحد ستقرب الناس من السلام الذي يتكلم الناس عنه ولا يفعلون شيئا لتحقيقه".
وفي إحدى محاضراته يوم الأحد (18 شوال 1384هـ= 21 فبراير 1965م) صعدمالكوم ليلقي محاضرته، ونشبت مشاجرة في الصف التاسع بين اثنين من الحضور،فالتفت الناس إليهم، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثة أشخاص من الصف الأول 16رصاصة على صدر هذا الرجل، فتدفق منه الدم بغزارة، وخرجت الروح من سجن الجسد.
وقامت شرطة نيويورك بالقبض على مرتكبي الجريمة، واعترفوا بأنهم من حركةأمة الإسلام، ومن المفارقات أنه بعد شهر واحد من اغتيال مالكوم إكس، أقرالرئيس الأمريكي جونسون مرسوما قانونيا أقر فيه حقوق التصويت للسود، وأنهى الاستخدام الرسمي لكلمة "نجرو"، التي كانت تطلق على الزنوج في أمريكا.