الخميس، نوفمبر 26، 2009

الجموع البيضاء

ما أسعد هذه الجموع البيضاء.. البيضاء بإحراماتها.. والبيضاء بزخم الإيمان الذي يعمر أفئدتها.. والبيضاء..بالتوق إلى الرحمة..والمغفرة..والطهارة.. والبيضاء..بصدق نواياها في أن تعيش سلاماً دائماً..مع نفسها..ثم..مع عباد الله الآخرين.. ما أسعد هؤلاء الحجيج..وهم يقفون أمام الكعبة المشرفة وما أجدرهم بالعتق من النار.. وبالعودة الظافرة إلى أوطانهم..بعد أدائهم للفريضة..وقد صفت قلوبهم..ونقت نفوسهم..
وفي صباح هذا اليوم.. يصعد هؤلاء السعداء إلى مشعر منى..وبعدها إلى عرفات..ومن ثم إلى مزدلفة..فمنى..ومكة المكرمة.. وقد اشرأبت أعناقهم.. وسمت نفوسهم.. وشخصت عيونهم إلى السماء.. ملبين..مكبرين..مستغفرين..هرباً من آثام الدنيا..وشرور الدنيا..وأملاً في الرحمة والغفران.. هذا الهروب من الدنيا.. من "آثام" الدنيا.. يجسد حقيقة ضعف الإنسان.. كما يجسد إحساسه المتعاظم بالخوف..من رب العزة والقدرة.. واستجارته بنبي الله المصطفى محمد بن عبدالله.. أملاً في أن يتطهر من "رجس" الدنيا..من "سقطات" الدنيا..من "هفوات" النفس الشريرة.. ورجاء في الله..بأن يعصمه..ويحميه.. ليس فقط..من أشرار الخلق..وإنما يعصمه ويحميه حتى من نفسه..من ضعفه..من استسلامه لشرور النفس..وأصناف البشر المجبولين على الغرق في الخطيئة..وإغواء الطيبين..
فيارب البيت العتيق.. ويا أعظم من يلجأ إليه.. أعنا على أنفسنا.. وارزقنا الصبر على ذواتنا.. واهدنا إلى طريق الخير..طريق الحب..طريق التوبة.. فنحن عبادك.. ونحن ضعفاء بدونك.. فلا تكلنا لمن لا يخافك فينا..ولا يخشاك.. ولا تتركنا لسوءات النفس..وسقطاتها.. وامنحنا القوة على أنفسنا.. والغلبة على من عادونا.. والانتصار على من يريد بنا شراً.