الجمعة، أغسطس 06، 2010

العلماء العاملون

 يقول ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة يتفاوتون في مقاديرهم في العلم. وكان أنفعهم لي في صحبة العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه. ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ. ولقيت عبد الوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف، لم يسمع في مجلسه غيبة ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه. فكان - وأنا صغير السن حينئذ - يعمل بكاؤه في قلبي ويبني قواعد. وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل. ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت شديد التحري فيما يقول متقناً محققاً. وكان كثير الصوم والصمت فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما. ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول. ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح فراحوا عن القلوب وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم. فقل الانتفاع بهم في حياتهم ونُسوا بعد مماتهم فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم.