من جهة المحتوى والتفاعل وإشباع حاجات الناس يمكن القول إن الانترنت والهواتف المحموله نجحت وتفوقت على التلفزيون الفضائي العربي في المحتوى الرمضاني والتفاعل الانساني. ومن تسنى لهم رصد محتوى الشبكات الاجتماعية ، ومواد كثيرة من المنتديات الحوارية سيجدون وضوح التمايز لصالح الفضاء الالكتروني عما نشاهد من فوضى"الفضائيات". نعم وبكل أسى فقد بات واضحا أن أجواء رمضان الحقيقي لم تجد منتجين تلفزيونيين يستشعرون طبيعة الشهر وحاجات الناس في هذا الشهر الروحاني لترميم كثير من القيم المهدرة وصيانة ما يمكن صيانته من الضمائر التالفة.
ان أكثر ماتعرضه الفضائيات يثير الحزن والقلق في ظل غياب الهدف والقيمة وحتى الترفيه الراقي لا وجود له في حين نجحت الوسائل الالكترونية في تطوير محتواها وتحفيز مستخدميها للتفاعل ليكون رمضان الالكتروني واجواءه أكثر حضورا في صفحات الفيس بوك وعناوين المنتديات ورسائل الهواتف النقالة.
مضى أكثر من نصف الشهر والبرامج التلفزيونية تثير ولا تنير تردح ولا تنجح بل بدت وكأنها قررت أن تتسابق أيها أكثر "وقاحة" من خلال كثرة الضوضاء حتى في أفضل أوقات العرض التلفزيوني ما بين صلاتي المغرب والعشاء. والمحزن والمؤلم أنك مع تقليب عينيك بين هذه المحطات لا تكاد تشعر بروح رمضان وصورته بحيث انك لا تكاد تفرق بينها ولا تعلم هل كنت تشاهد هذا ام ذاك فكلهم متفقون على صفعك بكل حوارات الشوارع الخلفية وان نجحت حلقة دمغتها حلقات في معركة "تكرار" القصص وجلد الأحياء منّا والأموات، وكأن هناك من يبتزّهم لاظهارنا في صورة المجتمع المتخلف الهمجي أو أننا شعب يعاني من وطأة كل القيم الدينية والاجتماعية وان احسنوا في اظهار اخف السيئات اظهرونا متخلفين غلاظاً فرجالنا جشعون قساة أما نساؤنا فلاهيات ساذجات اشبه بالدمى تتلاعب بهن رنّاتالهواتف المحموله وكلمات التائهين.
والمصيبة ان البلوى عمت حتى وصلت بعض البرامج الدينية ورموزها "الكبار" فنجدهم في كل قناة "يهيمون" ومن حيث المضمون تراهم يتنافسون في ترديد القصص المسلية المضحكة أو رص عبارات الفلاسفة "الكفرة فيما مضى" أما من حيث الشكل فالزي الموشّى والبشوت الفاخرة والرحلات الطائرة بين العواصم ركن مهم في برامج "الدعوة" ناهيك عن المبالغة في إظهار فخامة الاستوديو وعجائب الديكور ولا تتحدث عن فنون استجداء المشاهد بدغدغة رغباته لاستمطار الثناء من كل احد على حساب القيمة والمبدأ في مزاد فضائي يشترى ويباع فيه المرسل والرسالة.