الاثنين، أغسطس 16، 2010

فتاوى و أحكام رمضانيه

السؤال: ما تعريف الصيام؟

الجواب: أما الصيام في اللغة: فهو الامتناع، ومنه قول الله سبحانه وتعالى لمريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا[مريم:26]، فقوله تعالى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا أي: صمتاً عن الكلام. أما من الناحية الشرعية، فالصيام: الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية. هذا بالنسبة للتعريف الشرعي على وجه الإجمال للصيام.
حكم تبييت النية لصيام رمضان
السؤال: هل يجب تبييت النية من الليل لصيام شهر رمضان، أم أن هذا ليس بواجب؟
الجواب: جمهور أهل العلم على إيجاب تبييت النية لصيام شهر رمضان، وعليه فإذا لم تنو الصيام من الليل ثم طلع عليك نهار أول يوم في رمضان ولم تكن نويت من الليل، فصومك ليس بمحتسب، لكنك تتم صيام اليوم توقيراً لهذا الشهر الكريم، ثم بعد ذلك تعيد يوماً مكانه لكونك لم تنو الصيام من الليل. وهذا يختلف عن صوم النفل، فصوم النفل يذهب جمهور العلماء: إلى أنه يجوز أن تنعقد النية من النهار؛ وذلك لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها ذات يوم، فقال: (هل عندكم شيء؟ قالت: فقلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم، قالت: ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيسٌ، فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً، فأكل صلى الله عليه وسلم) ، فبهذا استدل جمهور العلماء على أن صوم النفل يجوز فيه عقد النية من النهار. ومن العلماء من قال: إن النية يجوز عقدها من الصباح إلى الزوال، أي: إلى قبيل الظهر بنصف ساعة تقريباً. ومنهم من قال: ما دمت لم تأكل ولم تشرب -وهذا كما بينا في صيام النفل- فيجوز لك أن تعقد النية حتى ولو بعد الزوال. أما في شهر رمضان -فكما أسلفنا- فيلزم تبييت النية من الليل، هذا وقد ورد في هذا الباب حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها، ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صيام لمن لم يبيت النية)، وأهل العلم في هذا الحديث بين مصحح ومضعّف، وأكثر العلماء الأولين على تضعيفه، وجعله موقوفاً على حفصة رضي الله عنها من كلامها وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعليه: فحديث: ( لا صيام لمن لم يبيّت النية ) الذي احتج به من احتج على لزوم تبييت النية من الليل في التطوع، ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا وقد وردت في هذا الباب جملةٌ من الآثار عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: حديث أم الدرداء رضي الله عنها: (أن أبا الدرداء كان يجيء بعدما يصبح فيقول: أعندكم غداء؟ فإن لم يجده قال: فأنا إذاً صائم). وكذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه كان يصبح حتى يُظهِر، ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا). وأيضاً ورد عن أبي طلحة رضي الله عنه: (أنه كان يأتي أهله من الضحى فيقول: هل عندكم غداء؟ فإن قالوا: لا، صام ذلك اليوم). فهذا محله -كما بينا- في صيام النفل. فعليه: يجوز في صيام النفل ما لا يجوز في صيام الفرض، وذلك من جواز عقد النية في النهار بالنسبة للشخص إذا لم يأكل وأراد الصيام.
الحكمة من مشروعية الصيام
السؤال: ما الحكمة من مشروعية الصيام؟
الجواب: أجيب على ذلك بقول الله تبارك وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:183]، فبالصوم تحدث التقوى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، وقد ذكر أهل العلم عللاً وحكماً للصيام، فقالوا: إن الغني إذا ذاق ألم الجوع شعر بإخوانه الفقراء الضعفاء، فمن ثم يتولد عنده -بإذن الله- الحنان عليهم والإحسان إليهم، ثم إن الصائم أيضاً تكثر منه الطاعات، والطاعات من خصال التقوى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فقال فريق من أهل العلم: إن جريان الدم يكون أقوى إذا كان الشخص مفطراً، أما إذا كان الشخص صائماً قل جريان الدم في عروقه، ومن ثمَّ قل عمل الشيطان وضعف عمله، هذا والله تبارك وتعالى أعلم.
سبب اختصاص الله تعالى بالصيام
السؤال: لماذا خص الصوم من بين سائر العبادات أنه لله عز وجل، ففي الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)؟
الجواب: قال فريق من أهل العلم: إن الصوم سرٌ بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى، ولا يَظهر إلا لله، ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما سواه من العبادات فظاهرٌ يراه البشر، أما الصوم فهو سرٌ بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى. وقال آخرون من العلماء: إن الصوم يمنع من ملاذِّ النفس منعاً أكثر مما تمنعه غيره من العبادات، هذا والله سبحانه وتعالى أعلم
حكم تقبيل الصائم ومباشرته
السؤال: هل يجوز للصائم أن يقبل زوجته وأن يباشرها بما دون الجماع، أم أن ذلك ليس بجائز؟
الجواب: يجوز للصائم إتيان هذا إذا كان يملك أمر نفسه، وقد دل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم)، والمباشرة هنا دون الجماع بلا شك، قالت رضي الله عنها: (وكان أملككم لإربه)، أي: أنه يستطيع التحكم في نفسه، فيمنع نفسه من الجماع، وفي رواية عن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت)، وكذلك قالت أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم)، وكذلك من حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هششت يوماً فقبلت وأنا صائم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لقد صنعت اليوم أمراً عظيماً، قال: وما هو؟ قلت: قبلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت من الماء، قلت: إذاً لا يضر، قال: ففيم؟)، أي: ففيم تفطر؟ أي: وما هو الضرر إذا قبلت وأنت صائم؟ فالقبلة للصائم كالمضمضة بالنسبة له. هذا وقد فرق بعض أهل العلم بين الشاب والشيخ في مسألة القبلة، فرخصوا للشيخ الكبير في القبلة ومنعوا الشاب منها؛ لكونها قد تفضي معه إلى الجماع المهلك المحرم، وقد ورد هذا عن عدد من أهل العلم، وقد ورد فيه حديث ضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حاصله: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخرٌ فسأله فنهاه)، إلا أن هذا الحديث لا يثبت من ناحية الإسناد، وإن ثبت فمحله حيث تُخشى الفتنة على الشاب إذا قبّل. هذا وقد جوّز آخرون من أهل العلم القبلة حتى للشاب، واستدلوا بأن عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو صائم، فقالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتقبلها وتلاعبها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟! قالت: نعم ). قالوا: فهذه عائشة بنت طلحة، وكانت من أجمل النساء في زمانها، وكانت متزوجة بـعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو شاب، ومع ذلك أرشدتهما عائشة رضي الله تعالى عنها إلى القبلة والملاعبة، ومحل هذا أيضاً أمن الفتنة، والله تبارك وتعالى أعلم.
حكم الاستمناء في نهار رمضان
السؤال: ما حكم الاستمناء الذي يفعله شرار الشباب إذا كان في رمضان، هل يفطر الصائم أم لا؟
الجواب: الجواب على ذلك حاصله: أن جمهور أهل العلم -ومعنى جمهور أهل العلم: أي أكثر أهل العلم- على أن الرجل إذا استمنى في رمضان فقد فسد صومه، وعليه إعادة ذلك اليوم، وحجتهم في هذا قول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، قالوا: فالذي استمنى وخرج منه المني لم يدع شهوته بل قد قضاها كاملةً. ومن العلماء -وهم قلةٌ- من قال: إن قوله في الحديث: (شهوته) ، المراد به: الجماع، فعليه لم يجعلوه مفطراً، ولكن رأي الأكثرين على أن المستمني في رمضان قد بطل صومه، ولكنه يمسك عن الطعام والشراب حفاظاً على حرمة هذا الشهر الكريم، وبعد ذلك يقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي كان قد أفطره
حكم من أذن الفجر وهو جنب
السؤال: جامعت زوجتي من الليل ثم لم يسعني الوقت للاغتسال، فأذن المؤذن للفجر ولم أغتسل، فهل يصح صومي أو لا يصح؟
الجواب: الصوم صحيح ما دمت لم تجامع بعد الفجر، ثم بعد ذلك عليك أن تغتسل للصلاة وتصلي والصوم صحيح، وقد ورد في هذا الباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يتم صومه صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
حكم الاحتلام في نهار رمضان
السؤال: نمت في نهار رمضان فاحتلمت وأنا نائم، فهل هذا الاحتلام يفسد عليّ صيامي؟
الجواب: لا يفسد هذا الاحتلام عليك صيامك بالإجماع، وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام لا يفسد الصيام، فقم واغتسل لصلاتك، وأتم صيامك، ولا تلزمك إعادةٌ، وبالله تعالى التوفيق.
حكم الاكتحال للصائم
السؤال: هل يجوز للصائمة أن تكتحل؟
الجواب: نعم، يجوز للصائمة أن تكتحل؛ إذ ليس هناك دليلٌ يمنعها من الاكتحال، وقد تقدم في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، والكحل ليس بطعام ولا بشراب ولا بشهوة. وهذا رأي جمهور أهل العلم: أنه يجوز للصائمة أن تكتحل، وكذلك يجوز للرجل الصائم أن يكتحل، وقد قال الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].
حكم السواك للصائم
السؤال: هل للصائم أن يستاك؟
الجواب: نعم، للصائم أن يستاك، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صائم وغيره، وقد ورد أيضاً في حديث آخر لكن في سنده ضعفٌ يسير عن بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن أحدهم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، ولكن التعويل على النص السابق، وهو: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، بدون تفريق بين صائم وغيره.
حكم استعمال معجون الأسنان للصائم
السؤال: ما حكم استعمال معجون الأسنان واستعمال الفرشاة للصائم؟
الجواب: إذا لم يتسرب شيء من المعجون إلى الجوف، وأمن من ذلك؛ فاستعمال الفرشاة والمعجون لا بأس به، لكن كرهه بعض العلماء سداً للذريعة، وقياساً على أن الصائم لا يبالغ في المضمضة والاستنشاق، ولكن إذا استعمل الشخص الفرشاة مع المعجون فصومه صحيح ما لم يصل شيءٌ من ذلك إلى الجوف، ولكن الأولى أن لا يبالغ في ذلك؛ لأن الصائم لا يبالغ في المضمضة ولا في الاستنشاق، لحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وبالله التوفيق.
حكم تذوق الصائمة للطعام ومضغه
السؤال: هل يجوز للصائمة أن تتذوق الطعام وأن تمضغه لصبيها، أم أن هذا ليس بجائز؟
الجواب: يجوز لها ذلك ما لم يصل شيءٌ منه إلى جوفها، وقد وردت أثار عن عبد الله بن عباس تصح عنه بمجموعة طرقها أنه قال: (لا بأس أن يتذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم)، وورد عن حماد أنه سئل عن المرأة الصائمة هل تتذوق المرق؟ فلم ير عليها في ذلك بأساً. وعليه يجوز للمرأة التي تطهي الطعام -على سبيل المثال- أن تتذوقه بلسانها، فتنظر أمالحٌ هو أم ليس بمالح؟ ما لم يصل شيءٌ من ذلك إلى جوفها، وبالله التوفيق.
حكم ما يدخل من القبل أو الدبر للصائم
السؤال: هذا سائلٌ يسأل عن الماء الذي يدخل في الدبر أو القبل من جراء استعمال دورات المياة الإفرنجية، فهل هذا يؤثر ذلك على صحة الصيام بشيء؟

الجواب: هذا لا يؤثر على صحة الصيام بشيء؛ لأنه ليس بطعام ولا بشراب ولا بشهوة، والحديث فيه: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي). وعليه أيضاً: فاستعمال الحقنة الشرجية التي يستعملها البعض لعلل أو لإزالة الإمساك، على الصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تفطر؛ وذلك لأن الحقنة الشرجية ليست بطعام ولا بشراب ولا بشهوة، والله تعالى أعلم. ......
أحكام الحقن للصائم
السؤال:
ما دمتم ذكرتم الحقنة الشرجية، فما شأن سائر الحقن، تفطر أم أنها لا تفطر؟
الجواب: ابتداءً مسألة الحقن بصورتها التي نحن عليها الآن تعد من المسائل النازلة، والمسائل النازلة هي التي لم تكن موجودةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما نزلت بالمسلمين بعد زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، أو نزلت في أزماننا هذه، فهذه يسميها العلماء: مسائل نازلة، فالمسائل النازلة في كثير من الأحيان ترد فيها اجتهادات للعلماء، وتتعدد فيها أقوالهم، فبالنسبة لسائر الحقن من أهل العلم من يقول: إن هذه الحقن تقوم مقام الطعام والشراب، فإذا كانت الحقن مغذية قامت مقام الطعام والشراب، ومن ثم يفطر من تناولها، بينما أبى ذلك آخرون فقالوا: إنها لا تدخل من مدخل الطعام ولا من مدخل الشراب، وعليه: فعند هذا الفريق الآخر لا تفطر، وهذا الذي تطمئن إليه النفس، وإن أراد شخصٌ الاحتياط فليصم يوماً مكان ذلك اليوم، ولا يفطر إذا تناول حقنة، وإن كان الأولى أن يؤجل تناولها إلى الليل. فعلى كلٍ: من العلماء من يجعلها تقوم مقام الطعام والشراب، وعليه: فإنها عندهم تفطر، وآخرون قالوا: إنها لا تدخل من مدخل الطعام والشراب، ولا يتلذذ بها الصائم، بل يتأذى بها، فعلى هذا الرأي لا تفطر، والأولى: الاحتياط للدين، فحتى إن تناولت حقنة في نهار رمضان فأكمل صومك، واحتياطاً صم يوماً مكانه، وبالله تعالى التوفيق. ......
حكم تناول الحقن لمرضى السكر
السؤال:
المريض بمرض السكر -عافانا الله وإياكم- إذا لم يتناول الحقنة تضرر بعدم تناولها، فهل يتناولها وهو صائمٌ، أم أنه يمنع من تناولها؟
الجواب:
نقول وبالله التوفيق: تناولْها -وفقك الله لكل خير- وهذا جهدك وتلك طاقتك، والله يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ويقول تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
معنى الرفث ليلة الصيام
السؤال: ما سبب نزول قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ[البقرة:187]، وما معنى ذلك؟
الجواب: الرفث له عدة معانٍ، وكثير من الاصطلاحات في كتاب الله عز وجل تتعدد معانيها، ويفهم معنى كل اصطلاحٍ من السياق الذي ورد فيه، فكلمة (الرفث) أحياناً تأتي بمعنى: الفاحش من القول، وفي هذا الباب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مثنياً على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: (إن أخاً لكم لا يقول الرفث)، فذكر من أبيات شعره قوله: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق مشهور من الليل ساطع أرانا الهدى بعـد العمى فقلوبنا به مـوقنات أن ما قـال واقع يبيت يجـافي جنبـه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فهذا ليس برفث من القول إنما هو قول طيب. والرفث أحياناً يراد به الجماع، وهو المراد في هذه الآية الكريمة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ[البقرة:187]، فالسؤال المطروح: هل كان الرفث حراماً حتى يقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ؟ والجواب: أن الشخص في ابتداء فرض الصيام كان له أن يفطر إذا أذن المؤذن للمغرب، ثم إذا نام ولو بعد نصف ساعة من الأذان ثم استيقظ فلا يحل له أن يأكل ولا أن يشرب ولا أن يجامع زوجته إلى أن تغرب الشمس من اليوم التالي، وكان ثم صحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه قيس بن صرمة الأنصاري وكان صائماً، فلما حضر وقت الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يعمل طيلة يومه، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك! لأنه لم يأكل، وسيصبح غداً صائماً، ومن يستطيع أن يواصل الصيام، فلما انتصف النهار أغمي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[البقرة:187]، فأبيح للمرء المسلم بعد ذلك أن يأكل ويشرب ويجامع طول الليل في رمضان بعد أن كان ممنوعاً منه إذا هو نام، وبالله تعالى التوفيقحكم من طهرت من الحيض قبيل الفجر ولم تغتسل
السؤال: امرأة حائض رأت الطهر قبيل الفجر، ولم يسعها الوقت كي تغتسل، بل طلع عليها الفجر ولم تغتسل، ولكنها رأت الطهر قبل طلوع الفجر، فهل تصوم وهل صومها صحيح؟
الجواب: نعم تصوم وصومها صحيح، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وقد تقدم شيءٌ يشهد لهذا، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح من جماع من غير احتلام، ثم يتم صومه صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا الذي ذكرناه هو رأي جمهور أهل العلم، أي: أن أكثر أهل العلم على هذا: أن المرأة إذا رأت الطهر قبيل الفجر وطلع عليها الفجر ولم تغتسل، صح صومها إذا نوت الصيام، والله تبارك وتعالى أعلم.
حكم صيام الحائض
السؤال: هل يجوز للحائض أن تصوم؟
الجواب: ليس للحائض أن تصوم، وإن صامت فصومها باطل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين نقصان دين المرأة قال: (أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟)، وهذا إجماعٌ من أهل العلم: أن الحائض لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت حيضتها قضت الصيام ولم تقض الصلاة، فإذا ذهبت الحيضة قضت ما عليها من الأيام التي أفطرتها ولم تقض الصلوات، وهذا كما بينا بالإجماع، والله تبارك وتعالى أعلم
حكم استعمال الأدوية لمنع الحيض للصيام
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتناول دواءً يقطع حيضتها كي تتمكن من صيام شهر رمضان كاملاً، وكي تتمكن من قيام شهر رمضان كاملاً؟
الجواب: نعم هذا جائزٌ لها، وقد جوّزه فريق من أهل العلم، ولم يرد مانع منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الأولى تركه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عائشة رضي الله عنها تحج وهي تبكي، فقال: (ما لكِ أحضت؟ ثم قال لها: هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم)، ثم إن من الأدوية ما لا يقطع الحيضة بالكلية فيورث المرأة شكاً ووسوسة، فهذا الدواء وإن كان جائزاً إلا أنه يكره لما يخشى منه أن لا يقطع الحيض بالكلية، والله تبارك وتعالى أعلم.
صيام المستحاضة
السؤال: هل يجوز للمستحاضة أن تصوم؟
الجواب: المستحاضة غير الحائض، فالمستحاضة: هي التي انقطع منها عرقٌ فنزل الدم من فرجها واستمر نزوله مدةً تختلف عن مدة الحيض أو تتفق معها، لكن لون دم الاستحاضة يختلف عن لون دم الحيض، والزمن يختلف أيضاً في كثير من الأحيان، فالمستحاضة التي انقطع منها عرق ونزفت نزيفاً يلزمها أن تصوم، ويلزمها أن تصلي، ويجوز لزوجها أن يجامعها، هذا بخلاف الحائض، فالحائض تمنع من كل ما ذكر، وبالله التوفيق.
حكم من أفطر لكبر سنه
السؤال: هل يجب على الشيخ الكبير إذا أفطر في رمضان لعدم استطاعته الصيام أن يطعم؟
الجواب: من أهل العلم من قال: يجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً، وحجته في ذلك تأويل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما للآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة:184]، فقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن هذه الآية لم تنسخ وأنها باقية في حق الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمرضع والحامل الذين يستطيعون الصيام لكنه يجهدهم، فإذا صاموا شق عليهم الصيام، فقال في شأن هؤلاء: يطعمون مكان كل يوم مسكيناً، إذا هم أفطروا. أما الحجة الثانية التي استدل بها القائلون بأن الشيخ الكبير يطعم مكان كل يوم مسكيناً: فهو أثرٌ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أنه لما أسن، أي: تقدم به السن -وكان لا يطيق الصيام- كان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً. فعلى ذلك: ذهب فريق من أهل العلم -وهم الجمهور- إلى أن الشيخ الكبير إذا أفطر أطعم مكان كل يوم مسكيناً. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يلزم بشيء؛ وذلك لأنه مخاطب بالصوم، فعجز عن الصيام، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأجاب هذا الفريق الذي لم يلزم الشيخ الكبير بالإطعام: بأن الآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة:184]، منسوخة عند الجمهور، فقالوا: أمر هذه الآية الكريمة متعلق بالذي يطيق الصوم، قالوا: ففي أول فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مكان كل يوم مسكيناً، فهذا قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة:184]، قالوا: ثم نسخت بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185]. فقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة:185]، نسخ التخيير في قوله تعالى: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ))[البقرة:184] قالوا: فليس في الآية إذاً حجةٌ على إلزام الشيخ الكبير بشيء، وأما فعل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهذا فعلٌ موقوفٌ على صحابي، ولا يتنزّل منزلة الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالحاصل في المسألة: أن الشيخ الكبير إذا أفطر لعدم إطاقته الصيام على رأي الجمهور يطعم مكان كل يوم مسكيناً للحجج التي ذكرنا، ومن العلماء من قال: لا يلزم من ذلك بشيء. يبقى أنه مستحب له إذا أفطر أن يطعم ويكون ذلك أعظم لأجره، وإلا فـلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286].
حكم صوم المريض مرضاً مزمناً
السؤال: ما حكم المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه ؟
الجواب: هذا المرض المزمن يشترط فيه أنه كمريض مخاطبٌ بقول الله تبارك وتعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184] أي: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فأفطر -هذا تقديرٌ يقدره العلماء- فعدةٌ من أيام أخر، فإذا لم يستطع الصيام في الأيام الأخر، فليس هناك شيءٌ من النصوص يلزمه بكفارةٍ أو بإطعام. فعليه: المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، ليس هناك فيما علمت دليلاً يلزمه بإطعام مسكينٍ مكان كل يوم قد أفطره، وإن أطعم فهو خيرٌ له، إذ قال الله: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ[آل عمران:115]، هكذا عموماً بالنسبة للأمراض المزمنة التي لا يرجى برؤها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
حكم إفطار الحامل والمرضع
السؤال: الحامل والمرضع هل لهما أن تفطرا؟
الجواب: نعم لهما أن تفطرا، خاصةً إذا خافتا على نفسيهما أو على الطفل التلف والهلاك، وقد جاء في الباب حديث أنس بن مالك الكعبي القشيري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة)، ثم هل تقضيان أم تطعمان، أم تطعمان وتقضيان، أو لا تطعمان ولا تقضيان؟ بكل قد قال بعض العلماء، وإن كان الظاهر لديّ -والله سبحانه وتعالى أعلم- ما ذهب إليه الإمام الأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهما من العلماء: أنهما تفطران وتقضيان ولا يلزمان بالإطعام، وذلك قياساً على المريض، والله سبحانه وتعالى قد قال في شأن المريض: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، والله تبارك وتعالى أعلم
حكم صيام المسافر في رمضان
السؤال: أيهما أفضل في السفر الصوم أم الإفطار؟
الجواب: الظاهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الأمر يختلف باختلاف أحوال المسافر، فثم مسافرٌ الصوم في حقه أفضل، وثم مسافرٌ الفطر في حقه أفضل، وقد وردت أدلةٌ تشهد لهذا ولذاك. فمن الوارد في هذا الباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً قد ظلل عليه والتف الناس حوله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: هذا صائمٌ يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر)، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقام المفطرون بخدمة الصائمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)، فهذا والذي قبله فيهما تزكيةٌ للفطر في السفر، وأيضاً قد ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وكانوا في غزوة من الغزوات: (إنكم مصبحو العدو غداً والفطر أقوى لكم)، فهذا أيضاً نصٌ يساعد القائلين بأن الفطر أولى في السفر خاصةً لمن يشق عليه الصيام في السفر. هذا وقد وردت أيضاً عدة أحاديث تشهد لمشروعية الصيام في السفر، منها ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أو أصوم في السفر؟ -وكان حمزة بن عمرو هذا كثير السفر- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر). وكذلك ورد في الصحيحين من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم شديد الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه). فهذا أيضاً دليل على مشروعية الصيام في السفر، هذا وقد سأل أبو حمزة رحمه الله تعالى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن الصوم في السفر، فقال: (يُسرٌ وعسر، فخذ بيسر الله عز وجل). وكذلك ورد عن عروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز لما كان أميراً على المدينة، فجلس عروة وسالم مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فتذاكروا الصوم في السفر، قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر، وقال عروة : كانت عائشة تصوم في السفر، وقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر، وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة، حتى ارتفعت أصواتهما، فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: اللهم عفواً! إذا كان يسراً فصوموا، وإذا كان عسراً فأفطروا. وعليه: فالمسافر الذي يطيق الصيام في السفر يستحب له أن يصوم في السفر، حتى لا تتراكم عليه ديون؛ ثم إن الله قال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة:148]، وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ[آل عمران:133]، أما إذا كان الصوم في السفر سيشق على الشخص فالأولى له أن يفطر، ثم يقضي بعد ذلك، وبالله تعالى التوفيق
حكم الحجامة للصائم
السؤال: هل يباح للصائم أن يحتجم، أم أن الحجامة تفطر الصائم؟
الجواب: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الحجامة لا تفطر الصائم، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي أخرجه البخاري وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم). بينما ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى أن الحجامة تفطر الصائم، واستدل بحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)، والجمهور على أن الحديث منسوخٌ باحتجام النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم. أما الإمام أحمد فيؤول الرواية التي فيها (أن النبي صلى الله عليه وسلم: احتجم وهو صائم)، ويقول: الصواب: (أن النبي احتجم وهو محرم). ورواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهوصائم)، وكذا (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)، كلاهما في صحيح البخاري ، وإن كانت الأقوى: (احتجم وهو محرم). ولكن قال بعض العلماء: الجمع ممكن، بأن يقال: احتجم وهو محرمٌ صائم. فعليه: نرى قوّة رأي الجمهور القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم، خاصة إذا استحضرنا قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي يرى أن الفطر مما دخل ليس مما خرج. ويلتحق بمسألة الحجامة هذه مسألة: التبرع بالدم، فهل يجوز للشخص أن يتبرع بالدم وهو صائم؟ الجواب: على رأي الجمهور القائلين بأن الحجامة تجوز للصائم، فكذلك التبرع بالدم يجوز للصائم ولا يفطره، والله تبارك وتعالى أعلم.
حكم التقيؤ للصائم
السؤال: رجلٌ استقاء رغماً عنه، فهل يفطر أم لا؟
الجواب: هناك تفصيل بين من ذرعه القيء أو خرج منه القيء رغماً عنه، وبين من تعمد أن يتقيأ، فالذي ذرعه القيء وخرج منه عن غير عمدٍ؛ فبالإجماع صومه صحيح ولا يفطر، أما الذي استقاء متعمداً بأن وضع إصبعه مثلاً في فمه كي يستقيء عن عمد، فيرى جمهور العلماء أنه أفطر باستقاءته تلك، ويستدلون بخبرين: الخبر الأول: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقضِ )، إلا أنه ضعيف الإسناد، والثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر)، فهاتان حجتان للجمهور القائلين بأن من تعمد القيء يفطر. وقال بعض أهل العلم -وهم قلةٌ-: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قاء فأفطر، ليس بصريح في أن الإفطار كان من أجل القيء، ولكن لعل جسمه ضعف، فأفطر من أجل ذلك. فعليه: الأحوط أن من استقاء فليقضِ يوماً مكانه، وأكرر التفريق بين من قاء واستقاء، قاء أي: ذرعه القيء فلا يفطر، وأن متعمد القيء عند الجمهور يفطر، والله تبارك وتعالى أعلم.
اختلاف مطالع الهلال
السؤال: إذا رؤي الهلال في دولة من الدول، وأهل بلادنا لم يروا الهلال عندنا، فماذا نصنع؟
الجواب: هذه المسألة خاضعة لمسألة اختلاف المطالع، أو خاضعةٌ لمسألة: رؤية قطر للهلال هل تلزم به سائر الأقطار، أم أن لكل قطر هلاله الخاص به ورؤيته الخاصة به؟ جمهور أهل العلم على أن رؤية بلدة ملزمة لسائر البلدان، فإذا رؤي الهلال في بلدة لزم بقية الأمصار أن يصوموا كما صام أهل تلك البلدة، ودليل الجمهور على ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). بينما ذهب فريق آخر من أهل العلم: إلى أن كل بلدةٍ لها هلالها الخاص بها، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال كريب : فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: وأنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففهم البعض من قول عبد الله بن عباس : (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصوموا استقلالاً إذا رأوا رؤية خاصة بهم، بينما وجه الجمهور هذا وقالوا: الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نصوم لرؤيته وأن نفطر لرؤيته، والعبرة بما روى الراوي لا بما فهم. فعلى كلٍ: رأي الجمهور أن رؤية بلدة تلزم سائر البلاد، فإذا اخترت هذا الرأي فالحمد لله، ولكن لا يستحب لك أن تجهر بالخلاف في وسط الناس، فمثلاً: إذا كنت هاهنا في مصر وترى أن رؤية قطر آخر -كالسعودية مثلاً- تلزمك، وأردت أن تصوم أو أن تفطر فلك سلف في ذلك، لكن لا تجهر بخلافك بين الناس؛ لأن الخلاف شر، إنما تسر برأيك ولا تجهر به حتى لا تضعف كلمة المسلمين، ولا تشككهم في أمر دينهم، هذا وبالله تعالى التوفيق.
الزمن الذي يقضي فيه المفطر صيامه
السؤال: هل لقضاء الصوم أمدٌ محددٌ يجب على الشخص أن لا يتجاوزه، بمعنى: شخصٌ أفطر أياماً من رمضان، هل هناك زمنٌ معين يلزم فيه بإعادة تلك الأيام؟
الجواب: لا أعلم في ذلك خبراً يحدد زمناً للقضاء، بل الله قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ