يمثل عمار الشريعي(1948-2012) مثقفاً في إنتاجه الثقافي المتنوع -وهو ناقد وإعلامي ومتخصص في برمجيات المكفوفين- جيل الخروج من النكسة بالمقاومة الاجتماعية والثقافية والسياسية. ولد هذا المبدع في قرية سمالوط(محافظة المنيا)، وهو ينتمي لعائلة تجمع جذوراً مصرية – تركية من طبقة ثرية، وعاش بين بيئة صعيدية وساحلية ( في منطقة سيدي بشر بمدينة اسكندرية ). وهذه البيئة المتباينة أغنت المخزون الثقافي عنده ما بين الغناء الشعبي ومصادره الريفية والساحلية، وفنون الأداء المدنية سواء ذات الطابع الروحي كالتجويد والتلاوة القرآنيين، والإنشاد الصوفي، والمديح النبوي، والغناء العربي في مدارسه التقليدية والتعبيرية والشعبية.
وقد تلقى تعليمه النظامي في المركز النموذجي لرعاية المكفوفين ثم تلقى في المرحلة الثانوية برنامجاً مكثفاً بإشراف وزارة التربية والتعليم في العزف والعلوم الموسيقية، وحين انتقل إلى القاهرة حظي قبل توجهه إلى دراسة الموسيقى اختبار الملحن كمال الطويل الذي رأى فيه طالباً متمكناً حينها وهو فتى، وكان قد شارك عزفاً احترافياً في أغنية"يا أهل بلدي في كل مكان"(1966) الأغنية التي كان موضوعها "محو الأمية".
والتحق بجامعة عين شمس متحصلاً على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية الآداب(1970)، وأكمل علومه الموسيقية بالمراسلة عن طريق مدرسة هادلي سكول الأمريكية لتعليم المكفوفين، وتابع أيضاً دراسته بالمراسلة عبر الأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى. وما حكم مسيرة الشريعي الثقافية هو سعيه الدائب نحو المعرفة المستمرة، والروح النقدية، والتفاعل مع التجارب السابقة واللاحقة، وهذا ما اتضح عليه منذ محاولته إلى دخول عالم الآلات الموسيقية وتطويعها للمكفوفين عبر تجربته في العزف على البيانو بشكل مبكر في بيت جدته ولاحقاً في المدرسة أتقن العزف على الأكورديون والأورغ-الذي أهداه إياه بليغ حمدي 1973- غير أن براعته المطلقة وضحت في تمكنه من العزف على آلة العود بفضل أستاذه سيد حسنين في المرحلة الثانوية فيما أفادته حصيلة التعلم والتدرب على الآلات الأخرى لاختبار إمكانيات الآلة في التوزيع والتنفيذ لاحقاً.
وهو بهذه التجارب التقنية لتسخير التكنولوجيا أتاح فرصة لظهور "الأغنية الشبابية" –إحدى محاولات غرس أو تمصير فن الراي- عند رائدها حميد الشاعري الذي فرد ظله على كتيبة من الشعراء والمغنين والملحنين كأحد تجليات تجربة الشريعي وإن خالفته في النمط لا المستوى.