المرضى النفسيون وضعهم متفاوت بالنسبة لقدراتهم على الصيام، حيث أن بعضهم مرضى مزمنون يسقط عنهم الصوم تماماً لأن وضعهم العقلي والنفسي لا يسمح لهم بالصيام إطلاقاً، وهؤلاء المرضى من الذين سقط عنهم القلم. بالطبع هذا لا يشمل جميع المرضى النفسيين، فبعضهم يستطيع الصيام بشكل جيد ولا يؤثر الصيام عليهم أو على صحتهم النفسية والعقلية.
مرضى الفصام، خاصة الفصام المزمن، لا يستطيعون الصيام لأن قدراتهم العقلية والنفسية لا تؤهلهم لأن يصوموا، خاصة ان أي تغيير في تناولهم لأدويتهم قد يؤدي إلى انتكاسة المريض، بالإضافة إلى أن مريض الفصام ممن يعاني من الأعراض الايجابية أو السلبية يسقط عنه التكليف شرعاً. بالنسبة لبقية مرضى الفصام، فبعضهم حالته مستقرة ووضعه النفسي والعقلي جيد وقد يستطيع الصيام مع المحافظة على الأدوية إذا كان يتناول أدوية لعلاج الفصام.فيمكن تغيير مواعيد أخذ الأدوية؛ فالأدوية التي كان يأخذها المريض بعد الفطور صباحاً يمكن له أن يأخذها بعد الفطور بعد أذان المغرب، والأدوية التي يأخذها عند النوم يمكن له أن يأخذها بعد السحور أو أثناء تناول وجبة السحور.
ثمة مشكلة ربما تواجه بعض مرضى الفصام، حيث أن بعضهم يتناول أدوية قد تقود إلى التخدير بشكل كبير؛ حيث يصعب عليهم القيام خلال النهار مثلاً، فبعضهم يعالج بحقن طويلة المفعول تؤخذ كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو كل شهر. هذه الحقن قد تكون مخدرة في بداية أخذها فينام المريض لوقت طويل، وهذا ربما يجعله لا يستطيع الصيام، لذلك يجب أن يؤخذ هذا الجانب بعين الاعتبار بشكل واقعي. هناك بعض الأهل لا يعرفون ما هو مرض الفصام، ويعتقد الأهل بأن ابنهم المريض بالفصام يستطيع المحافظة على الصلاة والقيام بالصيام ولكن عندما يكون المريض متأثراً بالمرض ويعاني من الأعراض الإيجابية مثل الهلاوس (الهلاوس أو الضلالات هي من الأعراض الايجابية لمرض الفصام) فإنه لا يستطيع الصيام وكذلك ربما لا يستطيع الصلاة ويجب على الأهل عدم الضغط على مريضهم الفصامي بإجباره على الصيام أو الصلاة لأن مرضى الفصام ممن رفع عنهم القلم ولا يؤاخذون على سلوكياتهم وتصرفاتهم غير الطبيعية لأن هذا المرض يؤثر على أهم جهاز في الجسد البشري وهو العقل الذي لا يستطيع القيام بوظائفه المعتادة ويضطرب عند المريض التفكير فلا يعود يفكّر بشكل طبيعي، وإنما يتخبط المريض الفصامي بأفكار غريبة وضلالات وهلاوس تجعله بعيداً عن الواقع، فلا يعود يعرف ماهي الواجبات الدينية علية أو الاجتماعية أو الوظيفية (إذا كان موظفاً).
مريض الفصام هو أكثر المرضى النفسيين والعقليين الذين لا يستطيعون الصيام نتيجة لطبيعة المرض وكذلك طبيعة الأدوية التي تتميز بأعراضها الجانبية الكثيرة والتي من أهمها الخدر الذي يعاني منه المرضى، والذي يجعلهم يقضون معظم اوقاتهم في الفراش أو في المقاعد لا يستطيعون القيام بأي عمل أياً كان نوعه. بالإضافة إلى الخدر فإن الأعراض الجانبية قد تشمل التخشّب في الجسد، خاصة المفاصل والأطراف وهذا قد يجعل حركة المريض صعبة. بعض المرضى يعانون من جفاف في الحلق، وهو عرض مزعج ويحتاج المريض لشرب الماء بشكل مستمر، لذا فإن من الصعب على المريض المصاب بالفصام والذي يتناول هذه الأدوية وأعراضها الجانبية الكثيرة والمزعجة أن يصوم خلال ايام رمضان.
الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
مرضى الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، خاصة الذين يعانون من نوبات هوس شديد أو اكتئاب شديد ربما لا يستطيعون الصيام أثناء تناولهم الأدوية التي تعالج الأعراض الذهانية، سواء كانت أعراض هوس أو أعراض كآبة. كثير من مرضى الاضطراب الوجداني ثنائي القطب يتناولون ملح الليثيوم، وهذا العلاج يؤثر بشكل كبير على الكلى، وإذا كان المريض يتعاطى هذا العلاج الفاعل كمثبت للمزاج فإنه لا يستطيع الصيام، لأن الجفاف يجعل الكلى تتأثر بقلة شرب الماء خلال النهار، خاصة المرضى كبار السن. هذا الجفاف نتيجة عدم شرب الماء بشكل كاف قد يؤدي إلى فشل كلوي حاد ويحتاج المريض إلى الدخول إلى المستشفى كحالة اسعافية. لذلك ينصح المرضى الذين يعانون من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب ويستخدمون علاج الليثيوم بألا يرهقوا أنفسهم بالصيام ويعرّضوا صحتهم للخطر. أيضاً بالإضافة إلى مثبتات المزاج، عادة يتناول المرضى أدوية مضادة للذهان، خاصة مرضى الهوس، وهذه الأدوية هي نفس الأدوية التي يستخدمها مرضى الفصام لعلاجهم، فيفضّل على المرضى الذين أيضاً يتعاطون الأدوية المضادة للذهان بألا يصوموا نظراً لأن الأعراض الجانبية للأدوية المضادة للذهان والتي ذكرناها في معرض حديثنا عن مرض الفصام. المرضى بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، إذا كانوا في نوبة مرضية سواء نوبة اكتئاب أو هوس فعليهم عدم الصوم، نظراً لأنهم يكونون في حالة نفسية غير طبيعية ولا يستطيعون تحمّل الصيام وأيضاً قد يكونون في وضع خطير على حياتهم وعلى حياة من يعيش معهم، ويحتاجون لجرعات علاج قوية لإخراجهم من النوبات الحادة وبذلك لا يكون الصيام خياراً جيداً بالنسبة لهؤلاء المرضى الذين في حالة حادة من الإصابة بالمرض.
مرضى الاكتئاب
مرضى الاكتئاب والذين يكونون في حالة كآبة شديدة أيضاً لا ينصح بصيامهم، لأنهم قد يكونون في حالة نفسية سيئة، ويحتاجون لعلاجات بشكل مكثف وربما للدخول إلى المستشفى أو لقسم طب نفسي في مستشفى عام ليتعالجوا من الاكتئاب الشديد ولذلك يعتبر مرضى الاكتئاب الشديد من المرضى الذين لا يستطيعون الصوم، وإذا تحسنت حالتهم الصحية في وقت لاحق فإنهم يقضون ما أفطروا من أيام رمضان.
يجب أن يعلم المرضى والأطباء بأن الدين يسر، والصيام في شهر رمضان واجب على كل مسلم بالغ عاقل معافى، وإذا كان المسلم مريضاً فإنه يستطيع الإفطار والقضاء إذا كان المرض النفسي أو العقلي الذي يعاني منه مرضاً قابلاً للشفاء.
بعض الاضطرابات النفسية الاخرى مثل اضطرابات القلق المختلفة، مثل الوسواس القهري؛ وهو مرض عضال، وأحد الأمراض النفسية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية من ضمن الأمراض النفسية والعقلية الخمسة التي تسبب إعاقة نفسية عند الشباب بين سن الخامسة عشرة وسن الخامسة والأربعين. اضطراب الوسواس القهري مرض يأتي في صور متعددة، كالوساوس والأفعال القهرية، وتؤثر بشكل كبير على المريض وعلى المحيطين بالمريض من الأهل والأصدقاء. مريض الوسواس القهري قد يحتاج إلى أن يتناول أدوية كثيرة وجرعات عالية من الأدوية المضادة للوسواس القهري والتي غالباً ما تكون من الأدوية المضادة للاكتئاب، سواء من الأدوية ثلاثية الحلقات مثل الكلوميبرامين، وهو أول دواء تم اكتشافه بأنه فاعل في علاج اضطراب الوسواس القهري، ولايزال يستخدم حتى الآن في علاج الوسواس القهري. هذا العلاج من الأدوية التي تسبب أعراضا جانبية كثيرة، خاصة أنه في حالة علاج اضطراب الوسواس القهري يعطى بجرعات عالية، أكثر من الجرعة التي يتناولها مرضى الاكتئاب. أخذ هذا العلاج بجرعات عالية قد يسبب جفاف الحلق بشكل مزعج للمريض ويحتاج لشرب الماء، لذلك ليس مستحباً أن يصوم مريض الوسواس القهري، بل ان في الصوم لمريض الوسواس القهري ضررا إذا كان يتناول علاج الكلوميبرامين، ويسبب له جفافا في الحلق ويحتاج إلى أن يشرب ماء بشكل مستمر، لذلك يمكن لمريض الوسواس القهري أن يفطر في رمضان إذا كان في حالة حادة من المرض، ويقضي الأيام التي أفطرها بعد تحسّنه، وتحوّله إلى اضطراب أقل حدة. كذلك يمكن أن يعالج الوسواس القهري بالأدوية المعروفة بمثبطات السيروتونين، وهذه الأدوية قد يكون لبعضها أعراض جانبية أيضاً لا تساعد المريض على القدرة على الصيام، لذا قد يكون من مصلحة المريض ألا يصوم إذا كان يتناول هذه الأدوية وخاصة إذا كان بجرعات عالية،
بوجه عام هناك مرضى عقليون ونفسيون قد لا يستطيعون الصيام أبداً مثل مرضى الفصام المزمن، الذين يسقط عنهم هذا الركن من أركان الاسلام، لأنهم من المرفوع عنهم القلم. بعض مرضى الفصام الذين تتحسن حالتهم فيستطيعون أن يصوموا إذا كانت حالتهم العقلية تسمح بذلك، وربما يستطيعون أن يفطروا في رمضان إذا كانوا في نوبة انتكاس ويقضون بعد ذلك إذا حدث تحسّن في حالتهم العقلية وكذلك لا يؤثر على صحتهم من جراّء تناول الأدوية المضادة للذهان التي يتعالجون بها. مرضى الاضطراب الوجداني ثنائي القطب إذا كانوا يعانون من نوبة هوس أو اكتئاب حادة فإنهم يستطيعون الإفطار في أيام رمضان ويقضون الأيام التي أفطروها بعد أن تتحسن حالتهم. بقية المرضى النفسيين يعتمد الوضع على حالتهم العقلية والنفسية والأدوية النفسية التي يستخدمونها، فإذا كان الصيام يسبب ضرراً فإنه بإمكان المريض أن يفطر ويقضي عندما تتحسن حالته. في جميع الحالات المرضية في الصحة النفسية، يجب أخذ رأي طبيب مسلم متخصص وعلى علم بأمر الصيام وأهميته بالنسبة للإنسان المسلم.