صوم رمضان خير للإنسان في دنياه وآخرته؛ فللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه، وفي كلٍّ مكسب؛ فبجانب كسب رضا الله -سبحانه وتعالى- ما يناله من ثواب الآخرة، فهناك الكسب الصحي الذي يناله المسلم من صوم شهر كامل. فيخرج الإنسان الصائم من شهر رمضان سليم النفس، قوي الإرادة، عطوفًا؛ حيث تتربى داخل نفسه سمة العطف على البائس والمحروم، وفي تحكمه في نفسه الأمارة بالسوء والبعد بها عن الملذات والشهوات كل الكسب، فتتسامى النفس عن الرذائل والخبائث، ويشعر الإنسان بتغلبه على نفسه وقهره إياها، فتقوى شخصيته، ويصبح ذا نفع للمجتمع.
ويجب على المسلم القوي أن يحرص على دوام كسبه الصحي من صوم شهر رمضان؛ ففي حرصه خير برهان على إيمانه بأن كل ما فرضه الله تعالى علينا خير، وفي طاعته –سبحانه وتعالى- كل الخير؛ ففي صوم رمضان كسب لطاعة الله، وكسب لصحة الإنسان فما من فرض فرضه الله علينا إلا وفي أدائه مكسبان: مكسب في الآخرة وفي هذا خير الثواب، ومكسب الدنيا. وإني لأرى أن كل فرض من فروض الله علينا لا يخلو من مكسب يعم علينا في دنيانا، ومن هذه الفروض صوم شهر رمضان، وذلك الصوم الذي ينعم على كل فرد منا -المريض قبل السليم- بالكسب الصحي، الذي لو حرص عليه الإنسان لازداد تمتعه بدنياه قبل آخرته، وازداد تقربه له تعالى.
فالمؤمن القوي البنية والصحة هو المؤمن القادر على أداء فرائض الله (تعالى) من صلاة وصيام، وبذلك نرى أن في الصوم كل الخير؛ ففي صيام المؤمن لشهر رمضان طاعة لله (سبحانه وتعالى)، وكسب لبدنه وصحته، وكسب للمريض والسليم.
ففي رمضان يخف الإفراط في الطعام فيرتاح القلب؛ لأن الصيام يعمل على تخفيض ضغط الدم المرتفع، وتخليص الجسم من الشحوم المتراكمة، وتقليل كولسترول الدم. وفي كل هذا كسب للقلب المريض؛ فما بالك من تأثير ذلك على القلب السليم؟ ولو التزمنا جميعًا، ومريض القلب خاصة، بروح شهر رمضان، وتجنبنا عدم الإفراط في الطعام، كما التزمنا في شهر رمضان؛ لتحسنت صحة مريض القلب، واستغنى تمامًا عن الدواء، وجنبنا القلب السليم عناء التخمة والإفراط في الطعام، وما لها من أثر سيئ على القلب السليم قبل المريض.
فمع الصيام يُنقص الوزن فيتحسن مريض الروماتيزم، خصوصًا مرضى الروماتيزم المفصلي العظمي؛ حيث تلعب زيادة وزن الجسم دروًا رئيسيًّا في حدوثه، وما يحدث في شهر رمضان من نقص في الوزن يكفي لإحداث تحسن في حالة المفصل؛ حيث يقل الاحتكاك بين الغضاريف فيقل الالتهاب؛ ولذلك نلاحظ أن حالة مريض الأمراض الروماتيزمية التي تصاحب مريض السكر تتحسن كثيرًا في رمضان بفضل الالتزام في تنظيم الأكل في هذا الشهر، ولو التزم هؤلاء المرضى بروح شهر رمضان طيلة شهور السنة لقلَّت شكواهم، وقلت حاجتهم للدواء، بجانب أن حالة مفاصلهم تتحسن فعلاً.
والصوم يُحدِث تحسنًا ملاحظًا في مرضى الصدر، خاصة مريض ربو الصدر، ولو التزم بروح شهر رمضان وتجنب الإفراط في طعامه وامتلاء معدته لحال ذلك دون ارتفاع الحجاب الحاجز الذي يُحدِث ضيقًا في الحيز الصدري.
صحة الصائم بعد رمضان
· إن الالتزام بروح شهر رمضان بعد رمضان وتنظيم الوجبات الغذائية وعدم الإفراط في ملح الطعام والدهون والشحوم يلعب دروًا في تقليل نسبة الأملاح في البول وما لأثرها على نسيج الكلى، والالتزام بروح شهر رمضان وتنظيم الوجبات الغذائية وعدم الإفراط في ملح الطعان والدهون والشحوم يخفف من ضغط الدم المرتفع، وبذلك نحمي نسيج الكلى من الأثر السيئ لضغط الدم المرتفع.
· إن تجنب الإفراط في الطعام من دسم وملح بعد شهر رمضان يحول دون حدوث إكزيما الجلد والتهابات الجلد الحادة وحساسية الجدل وانتشار حَبِّ الشباب بالجسم، ونجد أن في شهر رمضان تتحسن إصابات الجلد هذه، فلو التزمنا بروح شهر رمضان طيلة السنة لانعدمت نسبة الإصابة بالأمراض الجلدية.
· إن تجنب الإكثار في الطعام والإفراط فيه -كمًّا ونوعًا- يحول دون حدوث مرض السكر؛ لِمَا ينجم من الإفراط من إلحاق الإجهاد بخلايا البنكرياس التي تفرز هرمون الأنسولين، والذي يلعب دورًا في تنظيم الوجبات الغذائية.
· إن الإفراط في الطعام يسرع بك إلى الشيخوخة؛ فهو يحدث إجهادًا في غدد الجسم الصماء؛ حيث تتأثر وظيفتها، وتحدث بالجسم تغييرات كيمائية تسرع بالجسم إلى الشيخوخة، ولو التزمنا بروح رمضان وتجنبنا الإفراط في الطعام لتأخَّر وصول يد الشيخوخة لنا، ونعمنا بصحة تمكننا من الاستمرار في أداء فروض الله وطاعته فنسعد بصحتنا بعيدًا عن الهرم.
· يجب أن نتفادى الإفراط في تناول كحك العيد؛ فهو عبء على الجهاز الهضمي، ويتحول القدر الزائد منه إلى دهن يُختزن بالجسم، ويصبح ذلك خطرًا على الجسم والصحة؛ لِمَا ينجم عنه من اضطراب في سكر الدم، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وإلقاء العبء على القلب والكبد. إن شهر رمضان الذي يحقق التقرب إلى الله بتنفيذ ما يلزمنا به تحقق الالتزام بروحه في تنظيم الغذاء وقاية الجسم شر العديد من الأمراض، وتحفظ للإنسان صحته، وتمكنه من أداء باقي فروض الله؛ فيقترب من الله (سبحانه وتعالى) أكثر، وتتحقق أكبر الفائدة في الدنيا والآخرة.
سنة رسول الله خير علاج
هناك من الأحاديث النبوية الشريفة ما يوضح أن الرسول الكريم كان يدعو إلى الصيام بعد رمضان؛ ليؤكد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يتعامل مع الصوم على أنه نعمة دائماً يحاول المحافظة عليها. عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة الفريضة وصلاة الليل".
وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "لم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) يصوم من شهر أكثر من شعبان". وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"؛ يعني الأيام العشرة من ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري.
وهناك صوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء، عن أبي قتادة (رضي الله عنه) قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن صوم يوم عرفة، فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" رواه مسلم.
وهناك صوم ستة أيام من شوال، عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم.
وهناك صوم الإثنين والخميس، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تُعرض الأعمال يومي الإثنين والخميس؛ فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم" رواه الترمذي.
وهنا صوم ثلاثة أيام من كل شهر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" متفق عليه. وما حبب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلينا صيام هذه الأيام إلا برهانًا وتأكيدا على ما في صوم شهر رمضان من خير لدين وخلق وصحة الإنسان المسلم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "للصائم فرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه" صدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)