الاثنين، سبتمبر 27، 2010

الرؤيا الصالحه

الرؤيا هي ما يراه الشخص في منامه وهي تختلف عن كلمة الرؤيه "بالهاء" لأن الرؤيه "بالهاء" هي إدراك الإنسان بحاسة البصر وقد تطلق أيضاً علي الرأي أو التفكير فنقول إني أرى ما لا ترون. أما الرؤيا "بالألف" فهي ما يراه الإنسان في منامه . ويطلق علي تفسير الرؤيا كلمة تأويل أو تعبير وهي كلمات متقاربة ,فالتفسير: هو الإيضاح والكشف والبيان , والتأويل:هو صرف المعنى عن ظاهره , والتعبير :هو العبور بالمعنى من الظاهر إلى الباطن .
و الرؤيا ثابتة في القرآن في آيات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول المولى عز وجل في سورة يوسف آية 21 {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث .} وهي أيضاً ثابتة بالسنة النبوية الصحيحة في أحاديث كثيرة نذكر منها الحديث المتفق عليه من البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم { رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة .} وحديث سمره بن جندب رضي الله عنه (متفق عليه) قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه "هل رأى احد منكم من رؤيا ؟ "
و قد شاع في الناس القول بتفسير الأحلام على سبيل العادة وأيضاً نجد بعض كتب التأويل القديمة بعنوان تفسير الأحلام , والصحيح والأفضل أن نقول كلمة رؤيا ولا نستخدم كلمة حلم أو أحلام , وذلك لأن القرآن الكريم قد نسب كلمة " رؤيا " إلى الرؤيا الصالحةَ التي تبشر الناس والتي نحتاج إلى تأويلها ونسب كلمة أحلام إلى الأضغاث التي لا معنى لها ولا تحتاج إلى تأويل . فعن الرؤيا جاءت آيات كثيرة بذلك منها في سورة يوسف آية 100 { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً }. وقال تعالى عن الأحلام في سورة يوسف الآية 44 {قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين }. وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً كلمة رؤيا إلى الله تعالى وكلمة حلم إلى الشيطان كما جاء في الحديث المتفق عليه قال أبو قتادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث , حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها , فإنها لا تضره }
و يختلف حكم الرؤيا فهي بالنسبة إلى الأنبياء غير الناس العادية , لأنها بالنسبة إلى الأنبياء تأتي بوحي من الله تعالى فهي رؤيا حق صادقة . كما حدث مع سيدنا إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل كما قال تعالى في سورة الصافات آية 102 { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين }. أما بالنسبة للأشخاص العادية فهي لا تدخل في العقائد أو الشرائع أو الأحكام أو العبادات أو ما إلى ذلك . ولكنها تأتي على سبيل البشرى كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لم يبق من النبوة إلا المبشرات , قالوا وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة ."
و الرؤيا ليس لها زمن محدد لتتحقق فيه ولا يعلمها إلا الله تعالى , فقد يرى المؤمن الرؤيا وقد تتحقق في نفس اليوم أو بعد أسبوع أو شهر أو سنة . كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء , فقد تحققت بعد عام كامل كما قال تعالى في سورة الفتح آية 27 {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون .}
وقد تأخذ سنيناً طويلة كما حدث مع سيدنا يوسف فقد رأى الرؤيا وهو طفل صغير كما قال تعالى في سورة يوسف الآية 4 {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .} فقد تحققت ووقعت بعد سنين عديدة . كما قال تعالى في نفس السورة الآية 100 {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً.}
وقد يقول قائل وهل الرؤيا الصادقة مقصورة على الأنبياء فقط والإجابة لا حيث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن قد تكون صادقة بل وإنها جزء من ستة وأربعون جزءاً من النبوة , كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ."
ولنا مع هذا الحديث الشريف وقفتان واستفسار :
فالوقفة الأولى : مع قوله صلى الله عليه وسلم "إذا اقترب الزمان" قال عنها بعض العلماء إذا اعتدل الليل والنهار , وقال عنها ابن بطال (أحد شراح البخاري) أن المراد بها هو إذا دنا قيام الساعة أي في آخر الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن . وذلك لأن رؤية المؤمن الصادقة نوع من المبشرات التي يرسلها الله تعالى إلى عباده الصالحين وما أحوج الناس لهذه المبشرات في آخر الزمان حيث يقل الإيمان وتكثر الفتن ويعود الدين غريباً كما كان فهي نوع من الرحمة الإلهية للمؤمنين ونوع من التبشير والتثبيت على الهداية في آخر الزمان .
والوقفة الثانية : هل الرؤيا الصالحة حقيقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ؟ قال عنها العلماء إن هذا القول على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة لأن جزئية النبوة هنا جاءت على سبيل التشابه في الإطلاع على جزء من أجزاء النبوة في إطلاعها على الغيب بإذن الله تعالى. و قد بين الإمام الغزالي الفارق الأساسي بين رؤيا الأنبياء ورؤيا المؤمنين و هو أن رؤيا الأنبياء ترجع إلى الوحي ورؤيا المؤمن ترجع إلى الظن والتخمين في ذلك التأويل .
أما الاستفسار : هل رؤيا الكافر تقع وتصح أم لا ؟
رؤيا الكافر يغلب عليها الأضغاث ولكن قد يحدث فيها الصدق مع الندرة والقلة . فهي أحياناً تقع كما حدث مع ملك مصر الذي كان كافراً في عهد سيدنا يوسف كما قال تعالى في سورة يوسف في الآية 43 { وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي أن كنتم للرؤيا تعبرون }
و أركان الرؤيا الصالحة أربعة ( المصدر , الرائي , المعبر, مادة الرؤيا نفسها )
ا – المصدر :
المصدرالحقيقي المعتمد للرؤيا الصالحة هو الله سبحانه وتعالى , لأن ما يراه الإنسان في منامه يأتي من : - الله تعالى أو الشيطان أو النفس . فإذا كان من الله تعالى فهذه هي الرؤيا الصالحة الصادقة , وإذا كان من الشيطان فهذه ليست رؤيا وإنما حلم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الرؤيا من الله والحلم من الشيطان , وإذا كانت من النفس فهي حديث النفس أو أضغاث أحلام .
ب – الرائي :
كلما كان الرائي مفضلاً عند الله تعالى كلما كانت رؤيته أكثر صدقاً . والخلق في هذه ينقسمون إلى ثلاث أقسام ( الأنبياء , المؤمنون الصالحون , باقي الخلق ).
فالأنبياء رؤاهم صادقة دائماً , أما المؤمنون فيغلب على رؤاهم الصدق وتقل الأضغاث . أما باقي الخلق فيغلب على رؤاهم الأضغاث وتقل الرؤيا الصادقة مع احتمال وقوعها كما حدث مع ملك مصر وصاحبي السجن مع سيدنا يوسف .
ج – المعبر أو المفسر :
وهذه مؤكدة من الأنبياء فتفسيرهم للرؤيا حق وصدق لأنهم يعتمدون على الوحي , أما غير ذلك حتى ولو كان صديقاً فقد يصيب و قد يخطئ لأنه يعتمد على الظن والتخمين . وقد حدث هذا مع سيدنا أبي بكر الصديق عندما قص النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه إحدى رؤياه كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عباس فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت , والله لتدعني فأعبرها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اعبْر" فعبرها سيدنا أبو بكر حتى انتهى , ثم قال بأبي أنت أصبت أم أخطأت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً . قال فوالله لتحدثني بالذي أخطأت , قال : لا تقسم .
ولذلك فهناك شروط قاسية للمفسر نذكر منها :
أن يكون مؤمناً حقيقياً , أن يكون ذو شفافية وإلهام , أن يكون عالماً بكتاب الله عز وجل حفظاً وفهماً وعملاً , أن يكون عالماً بمدلولات اللغة العربية أو باللغة التي يرى بها الرؤيا , أن يكون عالما بعلم تأويل الأحاديث وأن يكون عالماً بحال الرائي , ألا يقصد بذلك التأويل شيئاً من أمور الدنيا ولا يبتغي به إلا وجه الله عز وجل فلا يبتغي به شهرة أو مالاً , أن يكون لديه ملاحظة قوية وذكاء شديد حتى يستطيع أن يميز أحوال الرائي , أن يكون ذا موهبة في ربط المعاني والكشف عن الرموز , أن يكون معترفاً بأنه مجتهد وأنه قد يصيب ويخطئ وأن الذي يعلم التأويل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى , أن يكون عالما حقيقياً بعلم الدين حتى يورثه الله تعالى علم ما لم يعلم , وأخيراً وبعد كل هذه الشروط لا بد و إن حالفه التوفيق أن يعلم أن التوفيق من الله تعالى و أنه قد يصيب و قد يخطى كما رأينا أن الصديق رغم أنه الصديق قد أصاب وأخطأ .
د – مادة الرؤيا نفسها :
إذا كانت مادة الرؤيا من الأمور أو الرموز التي تستحق التأويل دخلت في مادة الرؤيا الصالحة , أما إذا كانت من الأمور التي لا تأويل لها أو أضغاث الأحلام فهذه ليست رؤيا صالحة وقد جآء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت كأن رأسي قطع وأنا أحملها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هذه ليست رؤيا ولا تأويل لها . و أفضل ما يراه الإنسان في منامه هو أن يرى النبي محمد صلى الله عليه و سلم لأن من يراه في المنام فقد رآه حقا فهو صلى الله عليه و سلم لا يتمثل به الشيطان و لن من يراه في المنام سيراه في اليقظة أي في الآخرة و هذه تعنى رؤية مودة و رحمة و حب و شفاعة كما جاء في الحديث المتفق عليه في حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من رآني في المنام فسيراني في اليقظة و لا يتمثل الشيطان بي" نسأل الله سبحانه و تعالى أن يرزقنا رؤية حبيبه و نبيه صلى الله عليه و سلم .
و قد أثارت الرؤى و الأحلام قضايا واستفسارات عديدة :
هل في زماننا من يستطيع أن يحكم على صحة التأويل الآن ؟
الآن في زماننا لا نستطيع أن نجزم بصحة التأويل وخصوصاً بعد رحيل النبي صلى الله عليه و سلم إلى الرفيق الأعلى , لأن الجزم بصحة التأويل يأتي إما من النبي صلى الله عليه وسلم أو من كشف الزمان عن صحة هذا التأويل . فلا يوجد الآن من يجزم بصحة التأويل قبل وقوعه . ولكنها محاولات اجتهادية على سبيل التبشير لا مانع منها مع التزام المفسر بكل الشروط السابقة التي تحدثنا عنها .
هل تسابق الناس على تأويل رؤاهم في القنوات الفضائية مقبول شرعا و ما تفسير هذا السلوك ؟؟
نقول في ذلك سؤال أهل التأويل لا حرج فيه خصوصاً إذا كانوا من أهل التأويل وتحققت فيهم الشروط السابقة للمفسر. والنبي صلى الله عليه وسلم كان أهلاً للتأويل , وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهر بعض الصالحين في هذا العلم مثل محمد بن سيرين و النابلسي وغيرهما فكان الناس يذهبون إليهم لتأويل رؤاهم وكانت شروط المفسر متحققة فيهم . وكان ابن سيرين رحمه الله يهتم بأحوال الرائي فقد جاء إليه رجل فقال رأيت كأني أؤذن فقال له ابن سيرين تحج وأتاه آخر فقال رأيت كأني أؤذن فقال له ابن سيرين تقطع يدك . قيل له كيف فرقت بينهما؟ قال رأيت للأول سيماً حسناً فأولت { وأذن في الناس بالحج } ورأيت في الثاني سيماً غير صالحاً فأولت {ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون }. فهذا شرط هام من شروط المفسر لا تستطيع الفضائيات الكشف عنه وبالتالي تزداد مهمة المفسر صعوبة حيث أنه لا يستطيع أن يلم بأحوال الرائي كاملة . كما أن كثرة الأسئلة وتكرارها في برنامج محدد الوقت لا تجعل المفسر يستطيع أن يعيش حالة الإلهام للرؤيا التي يستنبط منها التأويل مما قد يجعله يكتفي بالأقوال التي نقلت عن القدماء فقط . ففي الحقيقة أنا أشفق على من يتصدى لهذا العلم مباشرة على الهواء .
والذي دفع الناس إلى ذلك يرجع إلى كثرة الأخبار السيئة وخصوصاً في زماننا فالناس تبحث الآن عن السعادة فلا تجدها إلا نادراً, فهم يتسابقون في ذلك بحثاً عن أخبار سارة وهروباً مما يصابون به في حياتهم من إحباط أو إكتئاب .
ما حكم الإعلان عن الرؤيا و الحديث عنها ؟
الرؤيا الصالحة والتي هي من الله عز وجل يجب على الرائي ألا يحدث بها أحداً إلا من يثق فيه ويثق في أنه يحب له الخير , وإذا علم أنه لا يحب له الخير حقيقة فلا يحدثه بها . كما قال تعالى على لسان يعقوب في سورة يوسف آية 5 {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين } .
وما يرى الإنسان مما يكره وهو الحلم فلا يحدث به أحداً أيضاً ولا يذكره لنفسه كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره ."
وفي هذا الحديث الشريف نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع قواعد أساسية لعلاقة الإنسان بربه وبغيره وبنفسه .
فإذا كانت الرؤيا من الله عز وجل وهي الرؤيا المحبوبة وجب على الإنسان الحمد والشكر. وأردت أن أنبه هنا على ذلك الحمد لأن كثيراً منا عندما يستيقظ ويكون قد رأى رؤيا صالحة أحياناً قد يغفل عن ذكر الله عز وجل ويفكر فقط في الرؤيا . ووضع النبي أيضاً قاعدة هامة وهي معرفة الأحباب والأصدقاء والأعداء . وأيضاً وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة علاقة الإنسان مع نفسه وعدم الاكتراث بما يكره في المنام وذلك لسلامة العبد من الأفكار السيئة وإزالة المخاوف وتأكيد التوكل على الله عز وجل , وأن ضرر الشيطان يكون ضعيفاً للإنسان المتوكل على الله عزو جل.