إن الإنترنت هي من أهم منجزات القرن العشرين بهذا التعبير بدأ جون نورتون، أستاذ الاستيعاب العام للتقنية في الجامعة البريطانية المفتوحة، حديثه بمناسبة مرور أربعين عاماً على ظهور تقنيات الإنترنت. وليس في هذا القول في الحقيقة أي مبالغة خصوصاً مع تزايد أثر الإنترنت في حياة الإنسان، ليس فقط بسبب تطور إمكاناتها الذاتية، بل لأنها وفرت قاعدة عامة للتفاعل المعرفي، يستطيع أصحاب المجالات كافة استخدامها لأغراضهم المختلفة والاستفادة منها. وبالطبع لم تأت إمكانات الإنترنت وخدماتها في الماضي، ولن تتوفر في المستقبل أيضاً، دون تحديات ينبغي التغلب عليها للمحافظة على دور إيجابي فعّال ومتطور للإنترنت في حياة الإنسان. ولتقنيات الإنترنت جذور أبعد من الأربعين عاماً الماضية ترتبط بالكهرباء والإلكترونيات، وبنظم الاتصالات، وأجهزة الحاسب. لكن مقدمات بداية الإنترنت برزت في الستينيات من القرن الماضي للميلاد، وفي فترة الحرب الباردة. في تلك الفترة كانت وزارة الدفاع الأمريكية تدعم البحوث الجامعية التي تسعى إلى ربط أجهزة الحاسب في شبكات مرنة عبر نظم الاتصالات لتسمح للمستخدمين في إطار الشبكة باستخدام أي حاسب ضمن الشبكة، مهما كان بعيداً أو قريباً حتى لو انقطعت بعض خطوط الاتصال لأهداف تخريبية. وغاية ذلك هي تحقيق تفوق في معالجة البيانات وتبادلها والشراكة فيها، وتأمين وثوقية عالية للبيانات من خلال وجودها في مواقع مُتعددة. ونتيجة لهذا الدعم ظهرت أول شبكة حاسوبية عام 1969م قبل أربعين عاماً، بين عدد من الجامعات الأمريكية، وكانت تعمل لأغراض بحثية تطويرية وتستخدم برتوكول موحد للتواصل فيما بينها كلغة مشتركة. وقد مثلت هذه الشبكة الخطوة الأولى نحو الإنترنت. بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، كانت قد ظهرت شبكات حاسوبية أخرى في بعض الدول المتقدمة. وبدأ التفكير في إقامة شبكة تربط الشبكات، بمعنى شبكة للشبكات. وفي سبيل تحويل هذا التفكير إلى واقع ممكن ومقبول من أصحاب الشبكات المختلفة وقابل للتطوير، تم وضع هدفين رئيسين لشبكة الشبكات. أولهما ألا يكون هناك مالك محدد لشبكة الشبكات، بمعنى أن تتمكن جميع الشبكات من الترابط والتواصل، دون أن تكون هناك جهة مُحددة تتحكم بذلك. أما الهدف الثاني الذي تم وضعه لشبكة الشبكات، فهو أن يبقى الربط بين الشبكات عاماً لا يتدخل في خصوصيات المعلومات المنقولة. والمعنى الفني هنا أن خصوصيات التطبيقات تبقى محصورة عند أطراف الاستخدام، أي مرسل البيانات ومستقبلها. ويكون دور الشبكة هو النقل فقط بين هذه الأطراف. وهذا ما سمح بوجود تطبيقات كثيرة على الإنترنت منها ما يستخدم بيانات عادية أو مشفرة أو أصوات أو صور متحركة أو ثابتة أو أي مزيج بينها. وبالفعل تم تحقيق الهدفين وأصبحا من أبرز خصائص الإنترنت. وفي مسيرة الإنترنت لتحقيق هدفيها، كانت هناك أحداث سارة وأخرى غير ذلك. فمن بين الأحداث السارة تطور الإلكترونيات وظهور الحاسب الشخصي كطرف ذكي لمستخدمي الإنترنت، وكذلك ظهور قنوات الاتصال السريعة لنقل المعلومات بسرعة وفاعلية أكبر، وبروز مواقع الويب وصفحاتها وتطبيقات الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية التي فعّلت استخدام الشبكة، ثم إجراء المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت وتحدي أسعار شبكات الهاتف، إضافة إلى زيادة كبيرة في مواقع الشبكات الاجتماعية وغيرها من التطبيقات الأخرى التي تزيد من استخدام الإنترنت وتوظيفها. أما الأحداث غير السارة، فكان بين أبرزها موثوقية المعلومات والأخبار وكثرة الإشاعات وظهور برامج الاختراقات والتلصص والفيروسات التي استغلت خصائص الإنترنت السالفة الذكر. وبين مثل هذه الأحداث أيضاً ما تعانيه الشبكة في بعض الحالات الطارئة من انقطاعات فضائية أو بحرية لقنوات الاتصال القارية أو ما تتعرض له من أحمال كبيرة موجهة إلى مواقع معينة بشكل عفوي أو آخر تخريبي لا تستطيع الشبكة الاستجابة لمتطلباتها، مما يؤدي إلى اختناقات في حركة المعلومات عبرها. وخلاصة القول بأن هذه الإنترنت ذات الأربعين خريفا أحدثت نقلة نوعية وتاريخية بما تعنيه الكلمة من معنى ليس فقط في التواصل فيما بين المجتمع الواحد بل في التواصل الفاعل والكثيف بين المجتمعات والثقافات المختلفة.