الاثنين، أغسطس 24، 2009

ظاهرة رمضان الفنى

تحول رمضان بفعل التغيرات التقنية والاجتماعية التي سادت العالم العربي إلى مناسبة إنتاج فني . التحليل الاجتماعي يعتبر ما يحدث في رمضان قضية طبيعية، حيث يمارس التسويق الإعلامي دوره الطبيعي في استثمار موسم هو في أصله موسم ديني ولكنه في عالم الإعلام يمكن أن يكون كل المناسبات. من الطبيعي أن تتضاعف الجهود الدينية والدعوة والتذكير بأهمية شهر رمضان واستثماره في ترسيخ العمل الديني، وهذه الظاهرة ليست جديدة على المجتمع الإسلامي، فعلى مر التاريخ مارس المسلمون مناسباتهم الدينية على اختلاف أنماطها. إذن ما الجديد في مناسبة رمضان الدينية الذي يستحق التوقف من المجتمع: الجديد مرتبط بالقضية الإعلامية والقنوات الفضائية وتطور منهجياتها لتسويق أعمالها في كل المناسبات الاجتماعية والثقافية على اختلاف أنماطها. رمضان يدخل كمناسبة عالمية لكل القنوات الإعلامية، حيث المنافسة في تقديم مادة إعلامية تسوق لقنوات بعينها، وهنا يجب أن نقبل أن الإعلام الفضائي لن يتراجع عن موقفه هذا أبدا؛ لان ظاهرة المواسم في الإعلام لن تستثني رمضان من مواسمها المهمة لمجرد انه مناسبة دينية فحتى المطاعم لديها ليال رمضانية. ظاهرة رمضان الفني سوف تستمر وتتسع بشكل اكبر كما اعتقد، ولكن يجب أن يصاحب ذلك تنظيم للقيم الإعلامية المتعارف عليها عالميا؛ لان إعلامنا الفضائي العربي قليل الاهتمام بل إن كثيرا منه بلا قوانين حماية المتلقين، ولا تقدير للقيم الاجتماعية والثقافية، أو للأعمار، أو النوعيات بالنسبة إلى المشاهدين؛ لان أحدا لن يتعرض للمساءلة من تلك القنوات فيما لو تضرر فرد أو عائلته أو أطفاله من نشر مادة إعلامية لها آثار سلوكية أو فكرية. في سنوات مضت عانت كثير من المجتمعات من استغلال مناسبة شهر رمضان لترويج الأفكار، وزرع الأيديولوجيات، وجمع الأموال، وتجنيد الأتباع، وكانت النتائج مؤلمة وقاسية، فكانت الآثار ظاهرة وحية وذهب كثير من الأفكار والأيديولوجيات والتبرعات متسللة إلى المجتمع الذي تفاعل في معظمه مع كثير من تلك الأفكار. لقد اتضح مؤخرا أن المجتمع كان صادقا في استثمار هذه المناسبة دينيا، فكان سخيا في عطائه وتفاعله، ولكنه في الوقت نفسه لم يكن مدركا للنتائج، لقد كان هناك كثير ممن يحذرون من تلك الظواهر المؤلمة، وكان من الصعب الاستماع إليهم اجتماعيا في تلك الأزمان. لقد كان البكاء والنشيج ظاهرة رمضانية يحاول الجميع البحث عنها وتمثلها، فالمجتمع كما أسلفت صادق، ولكن كان هناك من يريد أن يذهب في المجتمع بعيدا، وتحديدا إلى منطقة يصعب العودة منها، ولولا أحداث سبتمبر لكان كثير من مجتمعاتنا ضحية سهلة لزراعة استمرت عقودا وهي تغرس غرسا خطيرا في ارض اجتماعية طيعة. لقد كان المجتمع بحاجة مؤكدة إلى حماية من تلك الأفكار ولكن الصعوبة ظلت في تلك الشعرة الرفيعة بين ما هو ديني حقيقي، وبين ما هو أيديولوجيا وأفكار تخريبية ضد المجتمع، هذا الخيط بين ما هو ديني وما هو غير ذلك مازال مستمرا، ومازال هناك من يستطيع أن يلغي كل جهود للاعتدال والتوازن تحت مظلة ودلائل تصعب مواجهتها. الأزمة الحقيقة التي عانت منها مجتمعاتنا هي عدم قدرتنا على تقنين ثقافة التدين في المجتمع، ومعرفة حدودها، فهناك علاقة طردية دائمة تقول إنه كلما زادت جرعات التوعية في قضية من القضايا، ذهبت هذه القضية إلى تفاصيل دقيقة أكثر، ما يجعلها تصبح انعكاسا سلبيا وليس ايجابيا على المجتمع، حيث تتحول التوعية إلى نقد، والنقد إلى أفعال لإزالة الخطأ وتصحيحه، وهذا ما حدث في ظاهرة الإرهاب. نحن اليوم وبفعل التغيرات الاجتماعية نشهد ظاهرة رمضان الفني، وهي ظاهرة إعلامية يمارس فيها الجميع جريا وتنافسا لجذب اكبر عدد من المشاهدين، وهذا في حقيقته نتيجة طبيعية للتطور الإعلامي العالمي. إننا لن نستطيع بكل الأحوال حجب السماء أو حجب الانترنت في هذا الزمن، لكننا نستطيع حماية مجتمعنا بثقافة قوية متينة لا تمارس التصحيح بالمنع إنما بالتوعية والفهم والتغير الثقافي، ومجاراة العالم وفق ثقافتنا التي يجب ان تخضع لعمليات تعديل كبيرة. في مجتمعاتنا وفي إعلامنا الفضائي تحديدا وانعكاسا لثقافتنا تظل الإثارة بجميع أشكالها السلبية هي محور ذلك الإعلام بغض النظر عن نوعه، لدينا في عالمنا العربي والإسلامي فضاء فوضوي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك في جميع ما نستقبله سواء قنوات ثقافية أو فنية أو اجتماعية، وليس ذلك تعميما ولكن قليل جدا من يحترم المشاهد وغالبا هي من القنوات الإخبارية التي تركز في التحليل والأخبار فقط. في السنوات الماضية ومع تطور ظاهرة الإعلام الفضائي شهدنا شكلا من الصراع بين الأرض والفضاء على شكل فتاوى، أو حوارات فكرية.. أما الأرض فتمثلها المجتمعات، وخصوصا التقليدية التي تريد غالبا أن ترفض الحديث فقط، ومنها التي لم تعتد على سماع صوت سوى صوتها. أما الفضاء فيمثله تلك القنوات المنتشرة التي تبث ما لديها وتنفث ما تريد في فضاء مجتمعاتنا من دون مسؤولية فكرية بشكل واضح. السؤال الذي يبحث عن إجابة من يحمينا من رمضان الفني..؟ الذي أصبح الفضاء فيه مسرحا للإثارة وعدم مراعاة الحدود العمرية، أو الجنسية، أو الفكرية فيما ينشره الإعلام القادم من الفضاء. مجتمعاتنا أمام قضية تاريخية: إما الاستمرار في الرفض من دون إيجاد حلول وإعادة السيناريو كل عام، وإما العمل على تحديث الثقافة وتطوير عناصرها.. المجتمع مطالب بفرض قوانين حماية، وقواعد للعرض ونوعيات الفكر المعروض. أطفالنا وعقولنا لم تعد قادرة على استيعاب ذلك الكم الهائل من التناقضات الفكرية، التي يسمح بها الفضاء وترسلها لنا قنواته، حيث تستمع في احدى القنوات من يحرم أو يكذب أو ينفي ما يقال لنا في قناة ثانية، لا تبعد عن هذه القناة سوى بضع همزات على جهاز (الريموت كنترول) الخاص بمستقبل تلك القنوات. إن هذه الحالة تتطلب منا انفتاحا اكبر في ثقافتنا على التعددية في الأفكار والمنهجيات، وإلا كانت النتيجة مزيدا من التشدد لمصلحة ثقافة تقليدية لن تقاوم فعليا، حتى وان بدا أنها تحاول مقاومة العولمة الثقافية لفظيا، النتيجة المتوقعة اكبر من أن ننتظر تأثيرها في ثقافتنا التي قد نصحو يوما فلا نجد لها أثرا في عقل المجتمع وفكره. العنف في الخطاب الفكري الذي تبثه هذه القنوات، والعنف في الممارسات والتشكيك في المنهجيات والمبادئ، كلها قضايا خطيرة سوف نجني ثمارها مستقبلا، وسوف نتذكر ذلك جميعا. إن المجتمع بحاجة فعلية إلى إعادة رسم ثقافته بشكل أكثر عمقا من السابق، حيث كنا في السابق نستمع بعضنا إلى بعض فقط، اليوم نحن أمام أصوات وتغيرات، وأصبح هناك من يستمع إلينا ونستمع إليه عبر الفضاء، ولذلك يجب علينا البحث عن وسائل حقيقية لبناء ثقافتنا الجديدة، ثقافة القرن الحادي والعشرين، التي ستغير كل شيء في حياتنا. إن الصراخ في وجه كل جديد لم يعد مجديا، كما أن عدم تقنين الجديد وإدراك آثاره مشكلة اكبر. إن صمتنا عن تطوير ثقافتنا وتحديثها بحجة أن لدينا القدرة على المقاومة من خلال ثقافتنا فهذه قضية مؤلمة، فلم يعد لدينا الوقت، وليس أمامنا سوى حماية أنفسنا بالحداثة والتجديد في ثقافتنا، وعدم ترك أبواب مجتمعنا مفتوحة للمتنافسين بين الفضاء والأرض.