هذا الإسم ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم المتعلّقة بأسماء الله الحسنى .وبعد فهذا الاسم مشتق من مادة الحمد ، أما كلمة مادة ، هذه كلمة معجمية .. أي المعجم مؤلَّف من مواد ، فالحمد : حاءٌ ، وميمٌ ، ودالٌ هذه مادة الحمد ، فيها حمد ، ويحمد ، وحامد ، ومحمود ، الحمد ، الحميد ، هذه كلها مشتقات .. فكلمة الحميد مشتقةٌ من مادة الحمد ، والحمدُ نقيض الذم ، تحمده أو تذمُّه ، الحمد متعلق بالكمال ، والذم متعلق بالنقص ، أنت بفطرتك تحمد الكامل وتذم الناقص، فموطن الحمد الكمال وموطن الذم النقص فلأن الله سبحانه وتعالى كامل كمالاً مطلقاً فهو يحمد ولأن الإنسان المنحرف منحرف وناقص فهو يذم ، فالحمد نقيض الذم ، وعلينا أن لا ننسى أن القرآن الكريم كلّه مجموع في الفاتحة ، وأن مطلع الفاتحة : (سورة الفاتحة)إلا أن الحمد لله ربَ العالمين .. الحمد في هذه الأية مفروغٌ منه ولكن بعض الناس ضلّت بهم السّبل فجعلوا الحمد لغير الله تعالى ، وهذا بيان ذلك :إن الإنسان يشرب كأس الماء ، ويأكل الطعام ، ويأوي إلى بيت ، ويلتقي مع أهل بيته ، هذه نعم لا يختلف فيها اثنان على وجه الأرض فالجائع يأكل فيشعر أن الطعام نعمة ، والعطشان يشرب الماء القراح البارد فيرتوي ويشعر أن الماء نعمة ، والمشرد إذا أوى إلى بيته يشعر أن المأوى نعمة ، فهذه النعم لايختلف عليها اثنان على وجه الأرض ولكن أناسًا عزو هذه النعم إلى البقر فعبدوها من دون الله ، وأناسًا عزوها إلى الشمس ، لكن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الحمد : وإن الحمدُ هو الشيء الثابت ، والقاسم المشترك ، والشيء الذي لايختلف عليه اثنان .. " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .المنعم هو الله ، فالحمد نقيض الذم ، وقيل الحمد والشكر لافرق بينهما ، والأصح كما يقول علماء اللغة : أنَّ الإختلاف في المبنى ، دليل الإختلاف في المعنى .. الشكر غير الحمد .قيل : الفرق بين المعنيين ، أن الحمد يكون عن يد وعن غير يد، أما الشكر فلا يكون إلا عن يد .. ما معنى ذلك ؟ أي إذا إنسان أسدى إليك معروفاً ، أنت تشكره ، أما إذا أسدى إنسان إلى إنسانٍ معروفاً فأنت بفطرتك العالية تقدِّرُ هذا المعروف ، فأنت تحمده ، مع أن معروفه لم يصل إليك .فنحن نحمد صاحب اليد ، صاحب الإحسان ، نحمد الكامل ، أصابنا كماله أو لم يصبنا ، ونشكر الذي أكرمنا ، فالشكر متعلق بنعمةٍ وصلت إليك ، أما الحمد متعلق بالإنسان الكامل وصلت إليك نِعمه أو لم تصل . والمعنى الثالث .. قيل : الحمد أعم من الشكر .. الحمد الشعور المتغلغل في أعماق النفس بالإمتنان . حدثني رجل مُحسن ، قال: طفل صغير أصيب بحادث وهو فقير وهذا المحسن أجرى له سبع عشرة عمليةً جراحيَّة إلى أن إستطاع أن يقف على قدميه ، فهذا الطفل الصغير عرف أن هذا الإنسان هو المحسن، فعبَّر عن شكره بشكل لا يوصف لهذا المحسن وهو طفل صغير ، فالأجدر بك أيها الإنسان أن تعرف قدر الله الذي أحسن إليك كل الإحسان .وإني أرجو أن أكون صادقًا فيما أقول : أحياناً تشعر أن كل خلية في جسمك تحمد اللّه عز وجل ، بل أن كل قطرة في دمك تحمدُ اللّه عز وجل ، تحمده على أن أوجدك ، لو لم يوجدك هل لك عنده شيء ؟ أوجدك ، وأمدك ، وهداك إليه ، وأراد أن يسعدك في جنةٍ إلى أبدِ الآبدين لذلك آخرُ دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين .. كما قال تعالى :(سورة يونس)إن لم يكن الحمد متغلغلاً في أعماقِ أعماقِ نفسك ، وإن لم يلهج لسانك بالثناء على اللّه عز وجل فأنت لست مؤمناً ، لأنَّك تقرأُ الفاتحة في اليوم أعتقد زهاء مئة مرة ، وفي كل مرة تقول الحمد للّه رب العالمين ، الحمد للّه ربّ العالمين ، فعندما يقرأ الإنسان الفاتحة ويستشعر هذه النعم ، إذ أوجدك ، وهداك إليه .أي عندما أنت تقرأ أنَّ أُناساً في بعض البلاد في شرق آسيا يعبدون الجرذان ، وأنت تعبد اللّه الذي خلق الكون ، وزودك بمنهج ، واضح ، والطريق تعرف نهايته ، تعرف ماذا بعد الموت ، اللّه جلَّ جلاله خلقك ليسعدك ، فالحمد من ألزم لوازم المؤمن .. لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ ضَحِكَ فَقَالَ أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِمَّ تَضْحَكُ قَالَ عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ إِنْ أَصَابَهُ مَا يُحِبُّ حَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ لَهُ خَيْرٌ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ فَصَبَرَ كَانَ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَمْرُهُ كُلُّهُ لَهُ خَيْرٌ إِلا الْمُؤْمِنُ * أحياناً الإنسان يشرب كأس ماء بارد .. كان عليه الصلاة والسلام تعظمُ عنده النعمة مهما دقَّت .. ولا بد من قول الحمد للّه ، طريق سالك ، والكليتان تعملان بانتظام ، والماء موجود فاعتبروا يا أولي الأبصار .أقام إنسان بإحدى دول الخليج لفترة طويلة ، وهي قصة قديمة ، أراد أن يعود إلى بلده أي إلى سوريا لم يكن الطريق كما هو الآن معبد فضل الطريق في الصحراء ، ووجدوه على بعد خمسة كيلو مترات ، وقد مزق بأظافره جلد وجهه من شدة العطش ، ووجدوا زوجته وأولاده في المركبة ميتين .قطرة من الماء تعدل الحياة فأنت تشرب الماء القراح ، فإذا الإنسان شرب كأس من الماء وقال : ولا بد من قول الحمد للّه رب العالمين هذا إيمان .. كان سيدنا عمر مهما أكل حمد الله.. مرةً جاءه رسول من أذربيجان فأراد الرسول أن يتنعَّم بتناول طعام الغداء عند سيدنا عمر - وقد كان خيره - أتأكل مع فقراء المسلمين أم تأكل في بيتي ؟ قال له : في بيتك . فليست هناك نسبة في نظر الضيف بين طعام عمر وطعام فقراء المسلمين ! فإذا في بيته الملح والخبز فقط ، فقراء المسلمين يأكلون اللحم الطيب ، قال : يا أمَّ كلثوم ماذا عندكِ من طعام ؟ قالت : واللّه ما عندنا إلا خبزٌ وملح ، قال : فأكل عمر وضيفه هذا الطعام وقال : الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا .أحياناً إنسان يشكو لي همه ، أقول له : هل لك مأوى تأوي إليه ؟ فيجيب : طبعاً ، هل عندك قوت يومك ؟ فقال : طبعاً فأقول له : أنت إذاً ملك ، لست مضطراً أن تغسل كليتيك ، فيقول : هذا صحيح لست مضطراً أن تغير دسامات قلبك في بريطانيا وتدفع أجرة عملية مليون ليرة، فالسعادة عندما يكون الإنسان في صحة جيدة وعنده قوت يومه .لذلك ذات مرة سأل ملك وزيره وكان ملكًا جبارًا قال له : من الملك ؟ فقال الوزير أنت . فقال له الملك : لا .. الملك هو رجلٌ لا يعرفنا ولا نعرفه له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ودخل يكفيه . هذا هو الملك .النبيّ قال : عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا * استيقظت فوجدت أن أجهزة جسمك سليمة ، قمت من فراشك ، سرت إلى الوضوء توضأت وصليت إذاً أنت ملك ، اللّه عز وجل سمح لك ان تعيش يوماً جديداً ، عافاك في بدنك ، أذن لك أن تذكره وتشكره .أحياناً تجد أثناء آذان الفجر إنسان يغسل سيارته في الساحات العامة ، فهل هذا الوقت وقت غسيل السيارات !! أم وقت ذكر للّه عز وجل ؟ فإنه لا يعرف اللّه ، سيارته وغسيلها أهم عنده من أداء الصلاة .لذلك قيل : ليس الولي الذي يطير في الهواء ولا الذي يمشي على وجه الماء ، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام .. أن يجدكَ حيثُ أمرك ، وأن يفقدك حيثُ نهاك .فالحمد أعم من الشكر .. فالحمد يعني أنّ كيانك ، ذرات جسمك ، خلاياك، قطرات دمائك كلُّها عليها أن تشكر الله سبحانه وتعالى : الحمد ... يجب أن يدخل في كيانك كله ، يجب أن يتغلغل في ذرات جسمك ، في خلاياك ، في قطرات دمك ، لأن وجودك نعمة ، وإمدادك نعمة ، وهدايتك نعمة ، وأنت نعمة من نعم الله عز وجل ، وقد قال الله تعالى : (سورة الرحمن) حتى عندما يصلي الإنسان أيّة فريضة من الصلاة فليحمد الله أن وفّقه لطاعته ، فهذه نعمة .يقول الله عز وجل :(سورة النساء) أي حينما تؤمن وتشكر ، أنت تحقق الهدف من وجودك ، لأن هذا الكون مسخر لكَ تسخيرين ، تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، إنك إن آمنت حققت المعرفة ، وإنك إن شكرت حققت الشكران .الحمد أن ترضى عن الله عز وجل ، وقد قال الله تعالى : (سورة المائدة) يارب هل أنت راض عني . قال له رجل يمشي خلفه : هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : من أنت يرحمك الله ؟ قال: أنا محمد بن إدريس الشافعي . قال : كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .فالإنسان يجب ألا يتألم من المصيبة ، لعل المصيبة هي الباعث الحثيث إلى الله عز وجل . فإنك لاتكون مؤمناً إلا إذا رأيت أفعال الله كلُّها تستحق أن يحمد عليها ، أحياناً يكون الموسم مطيراً ، والفواكه رخيصة ، والجو لطيف ، أحياناً غلاء ، أو حر شديد ، أو زلزال ، أو فيضان ، أو براكين ، أو يذيق الله بعض الناس بأس بعض ، أفعاله كلها يحمد عليها .وبعد : فالحمد .. هو الرضى ، والحمد هو الجزاء ، والحمد هو قضاء الحق ، أن ترضى وأن تجازي وتكافىء وأن تقضي الحق ، هذا من معاني الحمد .والمحمدة .. الخصلة التي يحمد عليها الإنسان ، وجمع محمدة محامد ، والتحميد .. هو حمد الله عز وجل ، أو كثرة الحمد ، حمد ، يحمد ، تحميداً ، محمد ، محمد صلى الله عليه وسلم ، حمد فعل ثلاثي ، أما حمد فعل رباعي ، مزيد بالتضعيف لقصد المبالغة .هناك إنسان قد يحمد الله على إحدى النعم ، أما إذا حمده .. يحمده على كل النعم ، فحمد تفيد المبالغة ، حمد ، يحمد ، تحميداً ، محمد إسم فاعل ، أما محمد النبي عليه الصلاة والسلام فهو النبي المحمود .والتحميد .. هو حمد الله أو كثرة الحمد ، والحمدلة ، فلان حمدل أي قال : الحمد لله ، سبحل أي قال : سبحان الله ، حوقل أي قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، دَمْعَزَ أي قال : آدام الله عزك ، حيهل أي قال : حي على الفلاح ، هلل أي قال : لا إله إلا الله ، كبر أي قال: الله أكبر ، هذه صيغة النحت في اللغة العربية ، الحمدلَة هي أن تقول الحمد لله رب العالمين .وليعلم كل مؤمن أنّه ... لا بد من الإبتلاء ، فإن ساق الله لهذا الإنسان مصيبةً ، وتلقاها بصبرٍ جميل ، وقال : الحمد لله رب العالمين ، نجح مئة على مئة ، والصبر عند الصدمة الأولى ، لذلك المؤمن لا سمح الله ولا قدر لو أنه ساق الله له مصيبة ، لمجرد أن الله ساقها له يقول : الحمد لله رب العالمين .. نجح .الإمام الرازي يرى أن معنى الحميد وهو اسم الله وهو اسم من اسماء الله الحسنى ، أن الحميد بمعنى حامد ، أي لم يزل سبحانه بثنائهِ على نفسه ، أي يحمد نفسه ، لماذا يحمد نفسه ؟ طبعاً الإنسان لا يحق له أن يحمد نفسه ، لأنه ليس له هذه المرتبة ، والمؤمن لا يتحدث عن نفسهِ أبداً لمادا ؟ سيدنا الصديق مرةً أثنى عليه بعض الأشخاص ، فدعا دعاء رائعاً، قال : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون ، واغفر لي مالا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون .والإنسان المؤمن الصادق لا يمدح نفسه أبداً ، أي إذا كان فيه كمال ، الناس يمدحونه ، أما أنت فلتتهم نفسك دائماً كلما بالغت في اتهامها كنت موفقاً أكثر ، لكن الله يمدح نفسه ليعرفنا بذاته ، ولكي نصل إليه ، ولكي نقبل عليه ، ولكي نطمع في مغفرته ، ولكي نطمع في عطائه ، ويمدح نفسه كي نطمع في جنته ، فهناك فرق بين الإنسان الضعيف الحادث الفاني الفقير الجاهل لا ينبغي أن يمدح نفسهُ ، ولكن الله حميد بمعنى حامد ، يحمدُ نفسه لخلقهِ ، لكي يعرفوه يحمد نفسه لخلقه ليقبلوا عليه فيسعدوا بإقبالهم ، ويحمد نفسه لخلقه ليتجهوا إليه ، ويحمد نفسه لخلقه لينالوا من عطائه .. قال الله تعالى :(سورة النحل) فمثلا إذا كنت إنسانًا كريمًا جداً ، وكنت بمظهر لا يشير إلى غناك ، وإنسان فقير يتلوى جوعاً ، تجد نفسك مضطراً أن تقول له : أنا معي أطلب ما تشاء فأنا معي . أنت الآن تقول له : أنا معي مال ، فهل هدفك أن تفتخر ؟ لا .. بل أنت تقدم نفسك ليستعين بك ، فهذه حالات نادرة .الإنسان أحياناً يلبس ثيابًا لا تدل على غناه يرى شخصًا يتلوى جوعاً يقول له : أنا معي أطلب ما تشاء معي مبلغ كبير أطلب وسأعطيك فهل هو يفتخر بهذا القول ؟! لا .. بل يعرف هذا الفقير بأنه قادر على عطائه ، فالله عز وجل .. حميد ، أي حامد ، يحمد نفسه لخلقه كي يعرفوه ، وحميد بمعنى محمود ، أي محمودٌ بحمد نفسه وبحمد عباده له ، فالله عز وجل محمود ، يحمده الخلق كله .وقال الإمام الغزالي : " الحميد هو المحمود ، والله تعالى هو الحميد بحمده بنفسه أزلاً وبحمد عباده له أبداً ، من قبل أن يخلق الخلق حمد ذاته، فلما خلق الخلق حمده خلقه ".إذاً هو محمود ، فالحميد بمعنى حامد يحمد نفسه لخلقه ، والحميد بمعنى محمود .قال : " الحميد يرجع هذا الإسم إلى صفات الجلالِ والعلو والكمال منسوباً إلى الله عز وجل " ، الله عز وجل له أسماء جلال ، وأسماء كمال ، وأسماء جمال ، وأسماء قهر ، فالله عز وجل جبار ، قال تعالى:(سورة الأنعام) ومن أسمائه الجميل واللطيف والرحيم ، وهناك أسماء جمال ، وأسماء جلال ، وأسماء قهر .. المتعالي والعزيز والمتكبر ، فهذا الإسم اسم الحميد منسوب إلى أسماء صفات الجلال والعلو والكمال .قالوا الحميد له معنى آخر : " الحميد هو مستوجب الحمد ومستحقه " .إذا دعيت إلى وليمة غداء ، والطعام نفيس جداً ، وعلى المائدة عشرون شخصاً ، بعد أن تنتهي من الطعام تشكر من ؟ تقول للشخص الذي يجلس بجوارك - دايمة - ؟ لا فهذا مدعو مثلك ، أم تبحث عن صاحب الوليمة الذي دعاك وتكلف وجاء بهذا الطعام النفيس ودعاك إليه . فمن حمق الإنسان أن يشكر إنسانا مدعوًا مثله ، من هو المستوجب الحمد في هذه الوليمة ؟ صاحب الدعوة لذلك الإنسان يسأل من الداعي ؟ وعندما ينتهي يقول له : أكل طعامكم الأبرار ، فهذا فيما بين الناس بعضهم بعضا .. فمن الذي يستوجب الحمد وحده ؟ الله جلَّ جلاله لأن كل النعم من عنده .قال العلماء : " هو مستوجب الحمد ومستحقّه ، وهو أهل الثناء بما أثنى على نفسه الذي يحمد على كل حال " .هناك عبارة شهيرة : الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه يحمد على كل حال ، يحمد على العطاء وعلى المنع ، وعلى الرفعة ، وعلى الخفض ، وعلى الإعزاز ، وعلى الإزلال يحمد على كلِّ شيء ، وأُذكر أن الله يذل ليعز ، ويضرّ لينفع.وقيل الحميد : " الذي يوفقك لفعل الخيرات ويحمدك عليها ".. هذا معنى دقيق جداً .. يعينك على فعل الخير ويحمدك عليه .إذا أراد ربك إظهار فضله عليك ، خلق الفضل ونسبه إليك . أعطاك مالاً وأعطيت من هذا المال ، وبعد هذا يحمدُك الله على إنفاقك والمال منه . لذلك إذا أراد ربك إظهار فضله عليك ، خلق الفضل ونسبه إليك ، أنت لك الطلب ، يا رب أضرع إليك أن توفقني أن أدعوَ إليك ، فالله تعالى يلهمك ويطلق لسانك ، ويؤلِّف الناس حولك ، يجعل بعض الأفئدة تهوي إليك ، فهذا فضل من الله عز وجل ، فقال الله تعالى :(سورة آل عمران)قال : " الحميد هو الذي يوفقك للخيرات ويحمدك عليها ، ويمحو عنك السيئات ولا يخجلك بذكرها " ، أي ينسيك إياها .. فهل أحدمبرأ من موقف ارتكب فيه غلط في زمانه؟ لو لم ينسه لاحترق كلما ذكره ، ولكنه بعد أيّام ينساه ، فالله عز وجل يُنسيك ويمحو عنك السيئة ، ويغفرها لك ، ثم ينيسك إياها ، من أجل أن تقبل عليه ، هذا هو الحميد ، وقيل " الحميد .. هو الحامد بنفسه ، المحمود بحمده لنفسه ، وبحمد عباده له " .هذا الاسم العظيم ورد في آيات كثيرة .. ورد في سورة البقرة .. قال الله تعالى : (سورة البقرة) قد يقدم إنسان شيئًا يكرهه أو تعافه نفسه لفقير ، فثوابه معدوم ، طعام لم يعد محبب له ، يقدمه إلى فقير ، أما إذا لو قدمت طعامًا نفيسًا أو أكلة محببة عندك لإنسان فقير فالله تعالى يقبل عطاءك ويُثيبك عليه ، قال تعالى : " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " لا ينسى لك هذا المعروف . يا داوود مرضت فلم تعذني ؟ قال : يا رب ، كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟! قال: مرض عبدي فلان فلم تعده ، أما علمت لو أنك عودَّتَه لوجدتني عنده .أنت عندما تقدم شيئًا نفيسًا لإنسان مؤمن ، فقير ، جائع ، الله عز وجل " غَنِيٌّ حَمِيدٌ " .. يغنيك ، ويحمدك على هذا العمل ، لذلك قال الله تعالى : "وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ".وفي سورة هود : (سورة هود) إنّ أيّ إنسان دعا إلى الله ، وبذل وقته ، وماله ، وصحته ، وطاقاته ، لنشر الحقّ ، فهل الله عزَّ وجلَّ يضيِّعه وينساه من فضله ، يسلمه لأعدائه ، يخزيه ؟ قالت خديجة لرسول الله عليه الصلاة والسلام : ما يُخْزِيك الله أبداً .السيدة خديجة أقوى دليل على الفطرة ، أن هذه المرأة التي كانت زوجة النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما رأت من النبي الصدق ، والأمانة ، والعفاف ، والطهر ، وخدمة الخلق ، كان عليه الصلاة والسلام يقري الضيف ، يعين الضعيف ، يتصدق ، يعين على نوائب الدهر ، قالت له السيدة خديجة : والله ما يخزيك الله أبداً .تفاءلوا أيها المؤمنون ، النبي كان يحب التفاؤل ، لا يحب التشاؤم ، الله جل جلاله لا يتخلى عن المؤمنين ، لكن يؤدبهم ، يبتليهم ، أما في النهاية يكرمهم ، ويعطيهم ، الآية الكريمة التي يقشعر منها الجل .. قال الله تعالى : (سورة الضحى) معنى ذلك أنك الآن في طور المعالجة ، انتظر " وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ".قال الله تعالى : " قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " الله حميد ، ويحمدكم على عملكم ، هو يحمد ، ومحمود كما قلنا حامد ومحمود ، حميد بمعنى حامد أي يحمد ذاته ويحمد خلقه ، إذا خلقه وإذا عباده المؤمنون أعطوا ، بذلوا ، ونصحوا ، وآسروا ، ضحوا ، وإلتزموا ، وصبروا فإن الله يحمدهم ، يحمد نفسه ليعرفوه ، ويحمدهم ليذكروه ، وهو محمود في أفعاله كلها .في سورة إبراهيم قال تعالى :(سورة إبراهيم) هذا الصراط صراط الله عز وجل ، الصراط المستقيم هذا يوصلك إلى العزيز الحميد ، العزيز هو الذي لا ينال جانبه ، العزيز القوي ، العزيز الفرد الواحد الصمد ، العزيز الذي لا إله غيره ، وتشتد الحاجة إليه وتصعب الإحاطة به من معاني العزيز ، عزيز حميد .. دقيق المعنى .. هو عليٌ عظيم وفي الوقت نفسه يكافئ على كل معروف.قد يكون شخص عالي المقام ولعلو مقامه ، ليس لديه وقت ليعرف ماذا حدث معه ، ماذا قدم له ؟... أما ربنا عز وجل على علو مقامه ، وعلى عظمة ذاته ، مع عباده إذا فعلوا معروفاً حمدهم عليه ، عزيز حميد .