الجمعة، أغسطس 13، 2010

سفيان الثوري

في مدينة الكوفة، ولد (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري) أحد الأئمة الأعلام سنة 97هـ، وتفتحت عينا سفيان على الحياة، فوجد كتب الحديث والفقه تحيط به من كل جانب، فقد كان والده من العلماء الكبار الذين يحفظون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشأ سفيان في أسرة فقيرة صالحة تعبد الله حق عبادته، وكانت أمه تنظر إليه وهو مازال طفلاً وتقول له: (اطلب العلم وأنا أعولك بمغزلي، وإذا كتبت عشرة أحرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في الخير، فإن لم تَرَ ذلك فلا تتعبن نفسك).. فيالها من أم صالحة!! لا تفكر في الجاه ولا الثراء، ولكن كل ما كانت ترجوه لولدها أن يتعلم علمًا نافعًا يبتغي به وجه الله، وبدأ (سفيان) يتعلم ويجعل من والده قدوة صالحة له، ويستجيب لرغبة والدته التي أحبها من قلبه.
ومرت الأيام، وأصبح سفيان شابًّا فتيًّا، وفي إحدى الليالي أخذ يفكر ويسأل نفسه: هل أترك أمي تنفق علي؟ لابد من الكسب والعمل .. لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليَّ من أن أحتاج إلى الناس؛ فالمال ضروري للإنسان حتى ولو كان عابدًا زاهدًا، ومن أجل ذلك عمل سفيان بالتجارة، ولم يكن المال هدفه في الحياة، بل وهب سفيان نفسه للعلم وأخذ يتعلم ويحفظ أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصبح في دنياه لا يطلب إلا العلم، فكان يقول: (الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الخبز واللحم).
واشتهر سفيان بين الناس بعلمه وزهده وخوفه من الله، وظل طالب علم، متواضعًا يتعلم ويستفيد من الآخرين، يستمع إليهم، ويحفظ ما يقولون، وينشر ما تعلمه على الناس، يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويملي عليهم أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان سفيان الثوري إذا لقي شيخًا سأله: هل سمعت من العلم شيئًا؟ ولقد منحه الله ذاكرة قوية فحفظ الآلاف من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي كان يحبها أكثر من نفسه.
كان ينصح العلماء ويقول لهم: (الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا فسد العلماء فمن يشفي الداء؟!) وكان يقول: (إذا فسد العلماء، فمن بقي في الدنيا يصلحهم) ثم ينشد:
يا معشرَ العلماءِ يا مِلْحَ البلدْ
ما يصلح الملحَ إذا الملح فَسَدْ
وبمرور الأيام، كانت شهرة سفيان الثوري تزداد في بلاد الإسلام، ويزداد معها احترام الناس له، لخلقه الطيب، وعلمه الغزير، وحبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، حتى إن أحد العلماء قال عنه: ما رأيت أحدًا أعلم من سفيان، ولا أورع من سفيان، ولا أفقه من سفيان، ولا أزهد من سفيان، وكان الناس يتسابقون إلى مجلسه ويقفون بباب داره في انتظار خروجه.. قال عنه شعبة وغيره: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري.
ولذلك كان ينصح الناس قائلاً: أكثروا من الأحاديث؛ فإنها سلاح، وكان يتجه إلى الشباب الذي كان ينتظر خروجه من منزله ويقول لهم: (يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم)
وكان سفيان لا يخشى أحدًا إلا الله، كثير القراءة للقرآن الكريم، فإذا تعب من القراءة وضعه على صدره، حريصًا على الصلاة في الثلث الأخير من الليل، وإذا نام قام ينتفض مرعوبًا ينادي: النار النار.. شغلتني النار عن النوم والشهوات، ثم يطلب ماء، فيتوضأ ثم يصلى فيبكي بكاء شديدًا.
عاش سفيان حياته كلها يدعو إلى الله، وكانت سعادته في هداية إنسان عاصٍ أحب إليه من الدنيا وما فيها، وعرض عليه أن يكون قاضيًا فهرب خوفًا من الحساب أمام الله، وأرسلت إليه هدايا الملوك والأمراء فرفضها، فعاش حياته لله، وفي سبيل
الله، وبعد هذه الحياة الكريمة في خدمة الإسلام والمسلمين، مات سفيان الثوري بالبصرة في شعبان سنة 161هـ.
من أقوال سفيان الثوري في الزهد والعلم * احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئا من الدنيا فلا تجده، أن تسخط على ربك.
* الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة.
فالفرض: أن تدع الفخر والكبر والعلو، والرياء والسمعة، والتزين للناس.
وأما زهد النافلة: فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال، فإذا تركت شيئا من ذلك، صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله.
*عن أبو هشام: حدثنا وكيع: سمعت سفيان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الامل، وارتقاب الموت.
*وعن يحيى بن يمان: سمعت سفيان يقول: المال داء هذه الامة، والعالم طبيب هذه الامة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس ؟
* ما نعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية
* زينوا العلم والحديث بأنفسكم، ولا تتزينوا به.
* ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له.
* لو لم يأتني أصحاب الحديث لاتيتهم.
*وقال عبد الرحمن رسته: سمعت ابن مهدي يقول: بات سفيان عندي، فجعل يبكي، فقيل له. فقال: لذنوبي عندي أهون من ذا - ورفع شيئا من الارض - اني أخاف أن أسلب الايمان قبل أن أموت.
*وعن يوسف بن أسباط: سمعت الثوري يقول: ليس شئ أقطع لظهر إبليس من قول: لا إله إلا الله.
*وعنه قال: إني لالقى الرجل أبغضه، فيقول: كيف أصبحت ؟ فيلين له قلبي.
فكيف بمن آكل طعامهم ؟
*وعن يوسف بن أسباط: سمعت سفيان يقول: ما رأيت الزهد في شئ أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإن نوزع الرئاسة، حامى عليها، وعادى
*وعنه قال : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية فان المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها
*وعنه قال : طلبت العلم ولم يكن لي نية ثم رزقني الله النية.
*وعنه قال : استوصوا بأهل السنة خيرا فانهم غرباء.
*وقال : الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل.
*وقال : الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض.