من كتاب طبقات الأولياء
قال علي بن حرب: أردت أن أسافر من بلدي الموصل إلى بلد " سر من رأى " لشراء بعض البضاعة ، وكانت هناك سفن تسير في نهر دجلة من الموصل إلى " سر من رأى " تنقل الركاب والبضاعة بالأجرة ، فركبت إحدى هذه السفن ، وسرنا في نهر دجلة متجهين إلى " سر من رأى " . وكان في السفينة بعض البضاعة ونفر من الرجال لا يتجاوز الخمسة ، وكان النهار صحواً ، والجو جميلاً ، والنهر هادئاً ، والربان يحدو ويغني غناء جميلاً ، والسفينة تسير على صفحة الماء سيراً هادئاً ، حتى أخذت أكثرنا غفوة من النوم ، أما أنا فكنت أمتع نظري بمناظر الشطآن الجميلة على جانبي النهر ، وفجأة رأيت سمكة كبيرة تقفز من النهر إلى داخل السفينة فهجمت عليها وأمسكت بها قبل أن تعود إلى النهر مرة أخرى . وانتبه الرجال من غفوتهم بسبب الضجة التي حصلت ، وعندما رأو السمكة قال أحدهم : هذه السمكة أرسلها الله تعالى إلينا ، لما لا ننزل بها إلى الشاطئ ، فنشويها ونأكلها ؟ ، وهي كبيرة تكفينا جميعاً فأعجبنا رأيه ، ووافق الربان على ذلك ، فمال بنا الشاطئ ونزلنا واتجهنا إلى دغل( دغل : الشجر الكبير ) . من الشجر لنجمع الحطب ونشوي السمكة . وما أن دخلنا الدغل حتى فوجئنا بمنظر اقشعرت منه جلودنا ، فوجئنا برجل مذبوح وإلى جانبه سكين حادة على الأرض ، وبرجل آخر مكتوف بحبل قوي وحول فمه منديل يمنعه من الكلام والصراخ ، فاندهشنا من هذا المنظر ، فمن قتل القتيل ما دام الرجل مكتوفاً ؟ أسرعنا أولاً فحللنا رباط الحبل ورفعنا المنديل من فمه ، وكان في أقصى درجات الخوف واليأس . وعندما تكلم قال : أرجوكم أن تعطوني قليلاً من الماء أشربه أولاً ، فسقيناه وبعد أن هدأ قليلاً ، قال : كنت أنا وهذا الرجل القتيل في القافلة التي تسير من الموصل إلى بغداد ، والظاهر أن هذا القتيل لاحظ أن معي مالاً كثيراً ، فصار يتودد إلي ويتقرب مني ولا يفارقني إلا قليلاً ، حتى نزلت القافلة في هذا المكان لتستريح قليلاً ، وفي آخر الليل استأنفت القافلة السير ، وكنت نائماً فلم أشعر بها ، وبعد أن سارت القافلة استغل هذا الرجل نومي وربطني بالحبل كما رأيتم ، ووضع حول فمي منديلاً لكي لا أصرخ ، وسلب مالي الذي كان معي ، ثم رماني إلى الأرض وجلس فوقي يريد أن يذبحني وهو يقول : إن تركتك حياً فإنك ستلاحقني وتفضحني لذلك لابد من ذبحك . وكان معه سكين حادة يضعها في وسطه ، وهي هذه السكين التي ترونها على الأرض ، وأراد سحب السكين من وسطه ليذبحني ، لكنها علقت بحزامه ، فصار يعالجها ثم نترها بقوة ، وكان حدها إلى أعلى فخرجت بقوة واصطدمت بعنقه وقطعت الجلد واللحم والشريان فتدفق الدم منه ، وخارت قواه ثم سقط ميتاً . وحتى بعد موته كنت موقناً بالموت لأن هذا المكان منقطع لا يأتيه أحد إلا قليلاً ، فمن يفكني ؟ من ينقذني ؟ وصرت أدعو الله سبحانه وتعالى أن يرسل من ينقذني مما أنا فيه ، فأنا مظلوم ودعاء المظلوم لا يرد ، وإذا بكم تأتون وتنقذونني مما أنا فيه ، فما الذي جاء بكم في هذه الساعة إلى هذا المكان المنقطع ؟. فقالوا له : الذي جاء بنا هو هذه السمكة ، وحكوا له كيف قفزت من الماء إلى السفينة ، فأتوا بها إلى هذا المكان لكي يشووها ويأكلوها ، فتعجب من ذلك وقال : إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل هذه السمكة إليكم لكي يجعلكم تأتون إلى هذا المكان وتخلصونني مما أنا فيه ، والآن إنني تعب جداً ، أرجوكم أن تأخذونني إلى أقرب بلدة . فصرفوا النظر عن شي السمكة وأكلها ، وأخذوا الرجل بعدما حمل معه المال الذي سلبه الرجل الآخر منه ، وعادوا به إلى السفينة ، وما أن وصلوا السفينة حتى قفزت السمكة إلى الماء وعادت إلى النهر مرة أخرى ، فكأنما قد أرسلها الله سبحانه وتعالى حقاً لكي تكون سبباً لإنقاذ الرجل المظلوم ، وهكذا إذا أراد الله تعالى شيئاً هيأ أسبابه : قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم :" اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ، رواه البخاري ومسلم .
قال علي بن حرب: أردت أن أسافر من بلدي الموصل إلى بلد " سر من رأى " لشراء بعض البضاعة ، وكانت هناك سفن تسير في نهر دجلة من الموصل إلى " سر من رأى " تنقل الركاب والبضاعة بالأجرة ، فركبت إحدى هذه السفن ، وسرنا في نهر دجلة متجهين إلى " سر من رأى " . وكان في السفينة بعض البضاعة ونفر من الرجال لا يتجاوز الخمسة ، وكان النهار صحواً ، والجو جميلاً ، والنهر هادئاً ، والربان يحدو ويغني غناء جميلاً ، والسفينة تسير على صفحة الماء سيراً هادئاً ، حتى أخذت أكثرنا غفوة من النوم ، أما أنا فكنت أمتع نظري بمناظر الشطآن الجميلة على جانبي النهر ، وفجأة رأيت سمكة كبيرة تقفز من النهر إلى داخل السفينة فهجمت عليها وأمسكت بها قبل أن تعود إلى النهر مرة أخرى . وانتبه الرجال من غفوتهم بسبب الضجة التي حصلت ، وعندما رأو السمكة قال أحدهم : هذه السمكة أرسلها الله تعالى إلينا ، لما لا ننزل بها إلى الشاطئ ، فنشويها ونأكلها ؟ ، وهي كبيرة تكفينا جميعاً فأعجبنا رأيه ، ووافق الربان على ذلك ، فمال بنا الشاطئ ونزلنا واتجهنا إلى دغل( دغل : الشجر الكبير ) . من الشجر لنجمع الحطب ونشوي السمكة . وما أن دخلنا الدغل حتى فوجئنا بمنظر اقشعرت منه جلودنا ، فوجئنا برجل مذبوح وإلى جانبه سكين حادة على الأرض ، وبرجل آخر مكتوف بحبل قوي وحول فمه منديل يمنعه من الكلام والصراخ ، فاندهشنا من هذا المنظر ، فمن قتل القتيل ما دام الرجل مكتوفاً ؟ أسرعنا أولاً فحللنا رباط الحبل ورفعنا المنديل من فمه ، وكان في أقصى درجات الخوف واليأس . وعندما تكلم قال : أرجوكم أن تعطوني قليلاً من الماء أشربه أولاً ، فسقيناه وبعد أن هدأ قليلاً ، قال : كنت أنا وهذا الرجل القتيل في القافلة التي تسير من الموصل إلى بغداد ، والظاهر أن هذا القتيل لاحظ أن معي مالاً كثيراً ، فصار يتودد إلي ويتقرب مني ولا يفارقني إلا قليلاً ، حتى نزلت القافلة في هذا المكان لتستريح قليلاً ، وفي آخر الليل استأنفت القافلة السير ، وكنت نائماً فلم أشعر بها ، وبعد أن سارت القافلة استغل هذا الرجل نومي وربطني بالحبل كما رأيتم ، ووضع حول فمي منديلاً لكي لا أصرخ ، وسلب مالي الذي كان معي ، ثم رماني إلى الأرض وجلس فوقي يريد أن يذبحني وهو يقول : إن تركتك حياً فإنك ستلاحقني وتفضحني لذلك لابد من ذبحك . وكان معه سكين حادة يضعها في وسطه ، وهي هذه السكين التي ترونها على الأرض ، وأراد سحب السكين من وسطه ليذبحني ، لكنها علقت بحزامه ، فصار يعالجها ثم نترها بقوة ، وكان حدها إلى أعلى فخرجت بقوة واصطدمت بعنقه وقطعت الجلد واللحم والشريان فتدفق الدم منه ، وخارت قواه ثم سقط ميتاً . وحتى بعد موته كنت موقناً بالموت لأن هذا المكان منقطع لا يأتيه أحد إلا قليلاً ، فمن يفكني ؟ من ينقذني ؟ وصرت أدعو الله سبحانه وتعالى أن يرسل من ينقذني مما أنا فيه ، فأنا مظلوم ودعاء المظلوم لا يرد ، وإذا بكم تأتون وتنقذونني مما أنا فيه ، فما الذي جاء بكم في هذه الساعة إلى هذا المكان المنقطع ؟. فقالوا له : الذي جاء بنا هو هذه السمكة ، وحكوا له كيف قفزت من الماء إلى السفينة ، فأتوا بها إلى هذا المكان لكي يشووها ويأكلوها ، فتعجب من ذلك وقال : إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل هذه السمكة إليكم لكي يجعلكم تأتون إلى هذا المكان وتخلصونني مما أنا فيه ، والآن إنني تعب جداً ، أرجوكم أن تأخذونني إلى أقرب بلدة . فصرفوا النظر عن شي السمكة وأكلها ، وأخذوا الرجل بعدما حمل معه المال الذي سلبه الرجل الآخر منه ، وعادوا به إلى السفينة ، وما أن وصلوا السفينة حتى قفزت السمكة إلى الماء وعادت إلى النهر مرة أخرى ، فكأنما قد أرسلها الله سبحانه وتعالى حقاً لكي تكون سبباً لإنقاذ الرجل المظلوم ، وهكذا إذا أراد الله تعالى شيئاً هيأ أسبابه : قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم :" اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ، رواه البخاري ومسلم .