كاميرا صغيرة ملحقة بجوال ، بيد مصور غير محترف ، تكفي لصنع فيلم قصير ، تتناقله الجوالات محليا بتقنية البلوتوث ، ثم يأتي من يقذف به في موقع اليوتيوب ، لينتشر في كل اصقاع الدنيا دون فلترة ولارقيب ولا حسيب !! ..
فإن سألت عن محتوى الفيلم ، فلا حدود ولا قيود ، وكلما كان المحتوى من نوع كشف المستور، او اذاعة الممنوع ، او تتبع العورات ، او السخرية بالاخرين ، اوتصيد زلات العباد تعززت مكانة المحتوى، وكثر طلابه ، وزاد عدد الزوار والمشاهدين !!..
فإن سألت عن المصور والمنتج والمخرج فكلهم شخص واحد بيده كميرة ، شخص ربما كان راشدا حكيما وربما كان من سفهاء القوم الذين يحبون ان تشيع الفاحشة ، وان تنتشر السخافات ، وان تعمم الاخطاء ، وان يجاهر بالمعاصي والطغيان ، وربما كان حاقدا يشجع على الارهاب والافساد والقتل والتدمير!! ..
وإن سألت عن مدى صدق المحتوى ؟ فلا مصداقية ولا واقعية .. بعد ان سهل الحاسوب التزوير بالمونتاج والتعديل بالفوتوشوب ، لزيادة البهرجة والتشويق والتدليس على المشاهدين فتكون هي الكذبة يكذبها الرجل حتى تبلغ الافق كما في الحديث الشريف ..
في الغرب هب علماء التربية والنفس والاجتماع ، لدراسة وفهم هذه الثورة الاعلامية والمعروفة ( بالفديوهات الشخصية ) ومدى خطرها على القيم والمباديء والاخلاق والاعراف الانسانية ، وعقدوا لذلك المؤتمرات والندوات والمحاضرات والابحاث ، خصوصا بعد ان احتدم التنافس بين شركات كبرى كشركتيْ ( ياهو) و( قوقل ) في استقطاب كل ماهب ودب من مقاطع الفيديو الشخصية دون اي رسوم او تبعات ، ويبدو ان شركة قوقل قد فهمت الرسالة الاعلامية القوية لهذا النوع الجديد من الاعلام فلم تستخسر شراء موقع اليوتيوب مقابل مبلغ خمسة مليارات ريال !! ومن بعدها التفت العالم الى ان هناك ثورة اعلامية واعلانية في سبيلها لتغيير العالم ، وقلب مفاهيمه ونسف قيمه !!..
والمشكلة ان الشريحة الاكبر التي تستقطبها مثل هذه الفيديوهات الشخصية هم من الاطفال المراهقين الذين يحبون ثقافة الصور المرئية السريعة ، خصوصا وان الاجيال الجديدة تحرص على المحتوى السريع ، والذي يمكن نقله وحفظه بسهولة على الحاسوب الشخصي او الجوال او الاي بود اوالذاكرات الالكترونية الاخرى ...
لقد حرص الدين الاسلامي على نفسية الاطفال ، وعدم خدشها بوقائع طبيعية لم يحن لهم معرفتها او رؤيتها ، فأمرنا ان نعلمهم آداب الاستئذان والدخول في ثلاث عورات محددات في سورة النور ( ثلاث عورات لكم ، ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ) والعورة هنا تشمل كل ما يسوء الانسان انكشافه او نيله سواء كان من بدنه أو من أسرار حياته الخاصة أو علاقته بزوجه ..
وسبب الاهتمام بالاطفال هنا لانهم لايحتملون بعض المناظر التي تبعثر عليهم مفاهيمهم ، وتلخبط عليهم تناسق نضجهم النفسي والتربوي ، وتشتت لديهم الافكار التي تتناسب وطبيعة اعمارهم ونضجهم ، وتجعلهم في صراعات ذهنية لصور تلاحقهم فلا يستطيعون نسيانها فيقعون ضحية لامراض عصابية اثبتتها اخيرا الدراسات الغربية ، لا سيما وانهم في هذه السن كالعجينة اللينة التي يسهل على اي مغرض او حاسد تشكيلها والتأثير فيها وأدلجتها لتعود كالسهام المسمومة في صدر مجتمعها ..
هذه المستجدات والتقنيات والوسائل الإعلامية التي فتحت علينا ابواب البيوت وغرف النوم ، هي واقع لا بد من التعامل معه ، وفهمه ومعرفة تأثيره وابعاده ، ومحاولة ايجاد الحلول والعلاجات والبدائل التي تساعد على المحافظة على صحة المجتمع وسلامة دينه وقيمه واخلاقه ، وهذه مهمة ليست هينة وليست كذلك بالاختيارية .. وهي مهمة علماء الدين والتربية والاجتماع والنفس والاعلام