الثلاثاء، يناير 17، 2012

البوليثيثيميا فيرا


يبدأ تكوين خلايا الدم الحمراء من الأسبوع الرابع من عمر الجنين. والدم بحد ذاته عبارة عن نسيج سائل أحمر اللون من ضمن أشكال النسيج الضام يجري داخل الجسم من خلال الأوعية الدموية.
وإن إنتاج خلايا الدم الحمراء في المراحل المتقدمة يحدث في نخاع العظم من خلال سلسلة معقدة من الخطوات في تنظيم ودقة إلهية محكمة تدل على عظمة الخالق سبحانه.
والمنظم الرئيسي لإنتاج خلايا الدم الحمراء هو هرمون الاثروبويتين((Erythropoietin والذي يفرز إلى حد كبير عن طريق الكلى وكمية أخرى عن طريق الكبد ، ولهذا فان كثرة الخلايا الحمراء الثانوية أو ما يسمى بالارتفاع الثانوي لكريات الدم الحمراء (Secondary polycythemia) يحدث كرد فعل لعوامل أو ظروف كامنة تشجع على إنتاج خلايا الدم الحمراء ، وتحدث الزيادة في إفراز هرمون الاثروبويتين نتيجة نقص الأكسجين في الدم.
وهنالك أسباب عديدة تؤدي لنقص الأوكسجين في الدم نذكر منها:
* العيش في المناطق المرتفعة: وإن زيادة عدد كريات الدم الحمراء في الأشخاص الذين يعيشون في الجبال عن عددها في أولئك الذين يعيشون قريباً من سطح البحر إنما يحدث نتيجة لنقص الأكسجين في المرتفعات العالية مما يدفع الجسم لتكوين المزيد من تلك الكريات وذلك للمحافظة على كفاءة نقل الأكسجين لأنسجة الجسم المختلفة.
* أمراض القلب المزمنة.
* أمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل أمراض التنفس الرئوي الانسدادي المزمن.
* التدخين
* تكيسات الكلى المتعددة .
* أمراض القلب الخلقية المؤدية لظهور اللون الأزرق على شفتي وأصابع المصاب.
* توقف التنفس أثناء النوم.
* السمنة المفرطة.
* والجدير ذكره أن بعض أنواع الأورام الخبيثة قد تسبب كثرة الحمر الثانوية نتيجة إفرازها لهرمون تكوين كريات الدم الحمر مثل سرطانات الكلى وأورام الغدة الكظرية.
الأعراض السريرية:
قد يتم اكتشاف المرض من دون شكوى مسبقة وذلك من خلال صورة فحص الدم الكاملة أو قد تكون الأعراض الأولى لكثرة الخلايا الحمراء الثانوية هي الإرهاق ، الضعف العام والصداع في بعض الحالات ، بالإضافة إلى الاضطرابات البصرية مثل تشوش الرؤية والبقع العمياء. وقد يشتكي بعض المرضى من حكه واسعة غالباً ما تحدث بعد الاستحمام بالماء الدافئ.
الوقاية والعلاج:
* عادة مايوصي الأطباء في معظم الحالات بتناول جرعه بسيطة من الأسبرين مالم تكن هنالك أسباب تمنع تناول الأسبرين.
* تناول عقار الهايدروكسي يوريا.
* سحب الدم أو ما يعرف بالفصد: وهو إزالة كميات من الدم تتراوح مابين ٣٠٠إلى ٥٠٠ مليليتر حسب الحاجة وضمن جدول زمني وبإشراف ومتابعة الطبيب المختص وبنوك الدم. وذلك بهدف الحفاظ على مستوى الهيموجلوبين ضمن نطاق المستوى المنخفض إلى المستوى العادي. وقد شاع استخدام الفصد بين قدماء الأطباء المسلمين فيما عرف بالحجامة الرطبة في علاج أمراض مثل الصباغ الدموي (Hemochromatosis) واحمرار الدم (Polycythemia). ودليل ذلك ما قاله صاحب القانون(ابن سيناء) وما ذكره ابن القيم الجوزية في كتابه «الطب النبوي» وكما أن للحجامة فوائدها فقد أدرك الأطباء القدماء أيضاً مخاطرها الصحية التي قد تهدد حياة المريض كما ذكر ذلك موفق الدين البغدادي في كتابة «الطب في الكتاب والسنة». فقد أثبت الطب الحديث أن استخدام محاجم ملوثة في عملية الحجامة مع التشريط يؤدي إلى انتقال أمراض خطيرة عن طريق الدم منها التهابات الكبد الوبائي والايدز كما تتحول الجروح في الجلد بفعل مشرط الحجام إلى بؤر إنتانية جرثومية في مرضى داء السكري.
* قسم أمراض الدم وزراعة الخلايا الجذعية للبالغين
فمرض زيادة عدد خلايا الدم الحمراء الأولي (البوليسيثيميا فيرا) هو اضطراب تكاثري في نخاع العظم ينتج عنه تزايد مفرط في إنتاج خلايا الدم الحمراء بدون سبب ثانوي واضح وبدون تأثير هرمون الإريثروبويتين المحفز لإنتاج خلايا الدم الحمراء.
هذا الخلل ينتج عن طفرة جينية في الحمض النووي(DNA) الموجود في نويات خلايا النخاع العظمي/أمهات خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، مما ينتج عنه فرط في إنتاج خلايا الدم الحمراء. وقد تم اكتشاف إحدى الطفرات الجينية المرتبطة بهذا المرض وسميت ب (JAK2-V617F) عام ٢٠٠٥م ، حيث تزامن حدوثها في أكثر من ٩٥٪ مرضى البوليسيثيميا فيرا.
بل وصنفته منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٠٨م بأنه أحد الأورام السرطانية التكاثرية التي تصيب نخاع العظم وأكثرها شيوعاً، وإذا ما أهمل علاجه يؤدي لمضاعفات مرضية جسيمة ثم الوفاة. فعلى سبيل المثال أكدت دراسة عام ٢٠٠٥م تضاعف معدل الوفاة عند مرضى البوليسيثيميا فيرا مما يعني زيادة الاحتمال للضعف مقارنة بالوفيات الطبيعية.
وقد لوحظ إصابة أحد أفراد الأسرة بنفس المرض في عُشر الحالات ١٠٪ مما يؤكد العامل الوراثي لهذا المرض.
نسبة حدوث المرض:
عالمياً يصيب هذا المرض ثلاثة أشخاص من كل مائة ألف من السكان ولوحظ زيادته في اليابان عشرة أضعاف هذه النسبة . ويصيب الرجال أكثر بقليل من النساء ومتوسط عمر الشخص عند الإصابة ستون عاماً ولكنه قد يصيب جميع الأعمار غالباً فوق سن الثلاثين.
الأعراض:
لا يشتكي بعض المرضى من أعراض واضحة, ولكن يصاحب هذا المرض أعراض عديدة منها:
* احمرار الوجه أو الوجنتين.
* الصداع
* الإحساس بالدوران والإجهاد العام
* تضخم الطحال وما ينتج عنه من آلام في الجزء الأيسر العلوي من البطن
* ارتفاع حمض البوليك وبالتالي الإصابة بداء النقرس .
* احمرار وحكة في الجلد خاصة بعد الاستحمام الساخن.
* تخثر الدم في الأوردة العميقة ويحدث في حوالي ٤٠٪ من الحالات.
* نزيف متكرر بدون سبب واضح ويحدث في حوالي ٢٠٪ من الحالات.
وعلى عكس المتوقع فإن نسبة الحديد في الدم تكون طبيعية أو منخفضة مما يؤدي في بعض الحالات لنقص الحديد.
التشخيص:
يلزم على الطبيب أخذ التاريخ المرضي بشكل مفصل وإجراء الفحص الإكلينيكي لاستبعاد وجود الأمراض والعوامل الثانوية والمؤقتة لزيادة كريات الدم الحمراء مثل: التدخين، أمراض الرئة، أمراض القلب، أمراض الكلى، بعض الأورام السرطانية، اضطرابات النوم والعيش بالأماكن المرتفعة والتي تؤدي لنقص الأكسجين المزمن في الدم (ما يعرف بالبوليسيثيميا الثانوية) وهي تزول بزوال مسببها.
وضعت منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٠٨م شروطاً رئيسية وثانوية لتشخيص المرض ومنها:
* أن يزيد هيموجلوبين الدم عن ١٩.٥جرام
ديسيليتر للرجال وعن ١٦.٥جرام
ديسيليتر للنساء.
* أن تزيد كتلة الخلايا الحمراء أكثر من ٢٥٪ عن متوسط القيمة العمرية المتوقعة.
* العثور على طفرة ( (JAK2 –V617F بواسطة المختبر الجزيئي أو مثيلاتها.
* أخذ خزعة من نخاع العظم تؤكد وجود تكاثر مفرط في أمهات الخلايا الحمراء أو البيضاء أو الصفائح الدموية.
* انخفاض هرمون الإيثروبويتن (EPO) في الدم عن معدله الطبيعي. ومن هنا يتضح لنا صعوبة تشخيص هذا المرض خاصةً عند عدم الاشتباه به لتنوع الأعراض والمضاعفات من مريض لآخر..
في الختام أسأل الله العلي العظيم أن يشفي جميع مرضى المسلمين وأن يوفق جميع الأطباء لما فيه خير العباد.
* قسم أمراض الدم وزراعة الخلايا الجذعية للبالغين
من منطلق أنه لايمكن الشفاء التام من مرض البوليسايثيميا ولكن إمكانية تقليل المضاعفات الجانبية له أو تأخير حدوثها، ننصح باتباع الإرشادات التالية:
* المتابعة الدورية: لابد من الحرص على حضور المواعيد وعمل الفحوصات اللازمة سواء كانت تحاليل دم أو أشعات وذلك حسب وجهة نظر الطبيب المعالج، بالإضافة لعدم إهمال أي أعراض مرضية تجنباً لحدوث مضاعفات جانبية. كما يفضل وضع قائمة بالأسئلة التي تدور في بال المريض أثناء زيارة الطبيب نظراً لضيق الوقت كاستفسارات عن الحالة المرضية أو طرق العلاج أو السؤال عن أي تعليمات قبل الحضور للموعد القادم، ولا ننسى أهمية إبلاغ الطبيب في حال إصابة أحد أفراد الأسرة بهذا المرض.
* العناية بالجلد: ينصح باستخدام الماء البارد أثناء الاستحمام عوضاً عن الماء الدافئ لتجنب حدوث حكة واحمرار في الجسم، كما يفضل استخدام صابون لطيف على البشرة كصابون الأطفال مع التجفيف اللطيف للجسم وضرورة وضع الكريمات المرطبة بشكل يومي بعد الاستحمام. مع تجنب الهرش في حال الرغبة بذلك لمنع حدوث التهابات جلدية مما يستدعي صرف علاج مضاد للحكة.
* العناية بالأسنان: الحرص على نظافة كل من الأسنان واللسان وأهمية استشارة الطبيب المعالج قبل الإقدام على خلع السن في حال الحاجة لذلك تجنباً لحدوث النزيف.
* العناية بالقدمين: نظراً لضعف الدورة الدموية ترتفع نسبة حدوث التقرحات في القدمين أو بين الأصابع مما يستدعي الفحص اليومي لها ومراجعة استشاري الجلدية عند الحاجة لذلك، ولا ننسى أهمية ارتداء حذاء واق مناسب الحجم.
* ممارسة الرياضة: لا مانع من ممارسة رياضة المشي أو الرياضة الخفيفة كعمل تمارين الاستطالة للكاحلين والساقين مما يساعد على تحسين الدورة الدموية وتقليل خطر الإصابة بالجلطات، بالإضافة لتجنب الجلوس لفترات طويلة خصوصاً أثناء السفر ومحاولة تحريك القدمين قدر المستطاع وعدم وضع ساق فوق الأخرى. ويتم تجنب الرياضة في حال وجود تضخم في الطحال لخطر تمزقه.
* صحة الكليتين: إن شرب كمية كافية من السوائل بشكل يومي يساعد على منع تكون حصوات في الكليتين مع عدم إهمال مراجعة الطبيب في حال الشعور بأي آلام فيهما.
* الفيتامينات: ينصح بعدم تناول أي فيتامينات أو منشطات بدون الاستشارة الطبية كتناول حبوب الحديد في حال نزول مستوى الحديد في الدم حيث يؤدي تناولها إلى زيادة عدد كريات الدم الحمراء.
* الحمية الغذائية: ينصح بالتقليل من تناول اللحوم الحمراء والمقليات واستبدالها بالأكل المشوي مع الإكثار من تناول الفاكهة والخضراوات التي تعتبر مصدرا رئيسيا لمضادات الأكسدة.
* التدخين: الابتعاد قدر المستطاع عن التدخين أو استعمال الشيشة نظراً لتأثيرهما المثبت طبياً على الشرايين من حيث زيادة خطر الإصابة بالجلطة القلبية أو السكتة الدماغية. حيث إن دخان السجائر يحتوي على مواد سامة تعمل على تضييق الأوعية الدموية الموجودة في الطبقة العلوية من الجلد والتي بدورها تقلل من كمية الدم الوافد إلى الجلد مما يؤدي لنقص كمية الأكسجين اللازمة للخلايا الحية وتجديد الخلايا الميتة. كما تؤدي إلى تخثر الدم وغلظ قوامه وبالتالي قلة معدل الكولاجين في الجلد الناتج بإبطاء التئام الجروح عند حدوثها.
* المحافظة على الوزن: ينصح بإنقاص الوزن للمعدل الطبيعي حسب الفئة العمرية للمريض.
إن تشخيص البوليسيثيميا فيرا (ارتفاع نسبة كريات الدم الحمراء الأولي) يتطلب عمل تحاليل دم مخبرية وأشعة صوتية وذلك بهدف استبعاد الأنواع الأخرى من هذا المرض كالنوع الثانوي المصاحب لأمراض الكلى المختلفة.
فبعد عمل الفحوصات اللازمة وتأكيد الإصابة بمرض البوليسيثيميا فيرا (الأولي) تهدف الخطة العلاجية على السيطرة على المضاعفات الجانبية المتوقعة الحدوث، وإن أمكن الوقاية منها. حيث أثبتت بعض الدراسات أن احتمال الوفاة مرتفع في حالة عدم العلاج حيث سجلت وفيات بعد ١٨ شهراً من التشخيص.
* الوقاية:
تكون واجبة في حالة ارتفاع كريات الدم الحمراء الثانوي وذلك بالامتناع عن التدخين وشرب السوائل لمنع حدوث جفاف في الجسم بالإضافة للمبادرة بعلاج أمراض القلب والرئتين في حال الإصابة بأحدهما.
* مآل المرض: يعتبر هذا الارتفاع في الكريات الحمراء مرض مزمن وملازم للمريض المصاب به.
* المضاعفات الجانبية:
* تكون جلطات في الأوعية الدموية نظراً لزيادة لزوجة الدم وارتفاع عدد الصفائح الدموية مما قد يؤدي لحدوث ذبحات صدرية وإصابة بنوبات قلبية إذا أصابت الشرايين التاجية، أما في حال إصابة الشريان الرئوي فينتج عن ذلك حدوث جلطة في الرئتين، وقد تحدث تجلطات في الأوردة ومنها تخثر في الوريد البابي للكبد مما قد يؤدي متلازمة البدكياري (Buddchiari Syndrome) مع حدوث استسقاء وآلام في البطن.
* النقرس وحدوث حصوات في الكليتين نظراً لارتفاع نسبة حمض البوليك في الدم.
* الإصابة بسرطان الدم الحاد (اللوكيميا)، ولله الحمد لا تتجاوز نسبة الإصابة بهذا المرض 5٪ من إجمالي المصابين.
* الإصابة بتليف النخاع العظمي الأولي، وهو أحد الأورام التكاثرية في النخاع العظمي.
* حدوث قرحة في المعدة بشكل متكرر.
الخطة العلاجية:
حيث تتفاوت من شخص لآخر تبعاً لعمر المريض وحدة مرضه حيث أن الهدف من العلاج هو تجنب تكوين تجلطات في الأوعية الدموية مع مراعاة عدم حدوث نزيف عند المرضى الذين يعانون من خطر الإصابة بالنزف نتيجة لوجود خلل في عمل العوامل المسؤولة عن تجلط الدم. وتشمل التالي:
* سحب (فصد) الدم والتخلص منه للحفاظ على النسبة المئوية الحجمية لكريات الدم الحمراء القريبة من المستوى الطبيعي، ويكون هذا من خلال وصفة طبية يحدد فيها الطبيب المعالج كمية الدم المسحوبة، ويتم عمل ذلك في بنك الدم التابع للمستشفى ولا يستخدم هذا الدم للتبرع لمرضى آخرين بالرغم من عدم وجود دليل على حدوث أي ضرر من ذلك.
* تناول الأسبرين: حيث ينصح بأخذه يومياً بنسبة تتراوح مابين 75 و 100 ملجم وذلك للتقليل من احتمال تجلط الدم وقد يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بقرحة المعدة حيث أنها من الأعراض الجانبية المعروفة للأسبرين ومن هذا المنطلق يتم صرف الأسبرين المغلف وأدوية مضادة لحموضة المعدة.
* عقار الهايدروكسي يوريا Hydroxyurea): حيث يستخدم في حال النشاط المفرط والغير فعال في النخاع العظمي وذلك بعد تصنيف المرضى من حيث ارتفاع نسبة تعرضهم للتجلطات، مع مراعاة عدم تناول هذا العقار في حال الحمل.
* عقار الإنترفيرون (Interferon): ويستخدم عن طريق الحقن تحت الجلد للمرضى الذين تتراوح أعمارهم مابين 30 إلى 50 عاماً خاصة النساء والحوامل.
* خفض معدل حمض اليوريك في الدم الناتج عن كثرة تكسير الخلايا وذلك عن طريق استخدام عقار الألوبيرينول (Allopurinol) للوقاية من تكون حصوات في الكليتين مع أهمية شرب السوائل يومياً.