الاثنين، أبريل 04، 2011

ما بين الثورات الوطنيه و الشعبيه فى الوطن العربى

عشية الحرب العالمية الأولى، سعت الامبراطورية البريطانية لإشراك العرب في الحرب عبر صناعة ودعم ثورتهم على الدولة العثمانية لاستنقاذ حقوقهم وبناء دولتهم!!. قام المندوب السامي البريطاني بالقاهرة السير "هنري مكماهون" بدور كبير في صناعة هذه الثورة وتمويلها، كما لعب ضابط انجليزي يدعى "لورنس ادوارد" دورا كبيرا فيما عرف فيما بعد بالثورة العربية الكبرى.
كشفت الثورة البلشفية مؤامرة سايكس - بيكو، وتقسيم الدول العربية تحت طائلة الانتداب البريطاني والفرنسي، وانحسرت الثورة لتبقى جذوتها حية في نخب قومية تركزت في بلاد الشام تحديدا. ظلت الادبيات تتحدث عن الثورة العربية الكبرى، رغم انها صناعة انجليزية استخدم فيها العرب للإجهاز على الامبراطورية المريضة. لم يجن العرب من تضحياتهم في تلك الحرب سوى تقسيم بلدانهم ومصادرة حقوقهم وأحلامهم، وغرس الكيان الصهيوني في خاصرتهم.
لم يشفع للدولة العربية الفاشلة داخلياً، لا علاقتها الخارجية، ولا حضور أجهزتها الامنية التي استقرت على نحو يجعل اختراقها صعباً بل يبدو مستحيلا. انفجرت الكتلة الحرجة، وكان ثمة موعد أصبحت فيه الشعوب رقما صعبا ومؤرقا ومقلقا
واجه العرب في بلاد الشام والعراق ومصر الاستعمار/ الانتداب البريطاني والفرنسي، وانفجرت حركات وثورات شعبية واسعة لمقاومته، وبرزت في تلك المرحلة قيادات واحزاب وتكتلات توجت فيما بعد بحكومات وطنية لم تعمر طويلا.
الموجة الثانية من الثورات العربية في العصر الحديث، جاءت بُعيد الحرب العالمية الثانية، التي انهكت القوى الاستعمارية التقليدية (الانجليزية والفرنسية) لتحل محلها الولايات المتحدة الامريكية ليست كقوة استعمارية من طراز قديم، ولكن عبر وراثة ناعمة للنفوذ في منطقة بدأت اهميتها تتزايد بعد اكتشاف النفط في المنطقة وتعاظم دوره وتأثيره.
ما سمي تجاوزا بالثورات العربية في هذه المرحلة لم يكن سوى انقلابات ضباط طامحين للسلطة، وقارئين في مشهد التحولات السياسية، وضمن علاقات نشأت تحت يافطات أحزاب قومية او حركات ضباط أحرار صعدت على وقائع النكبة والهزيمة أمام الكيان الاسرائيلي ..
ولعل الانقلاب الذي قاده الضباط الاحرار في مصر في يوليو 1952 هو الاكثر تأثيرا فيما بين تلك الانقلابات، ولم يكن أولها إذ سبقه انقلاب حسني الزعيم في سورية عام 1949، إلا ان ما يميز حركة الضباط الاحرار في مصر انها تحولت الى ثورة شعبية عبر ادبيات استلهمت قضايا وطنية وقومية مازالت بعض آثارها عالقة حتى اليوم.
الانقلابات والانقلابات المضادة ظلت تتحرك في منطقة بدأت تستيقظ على البيان رقم واحد، ومجلس قيادة الثورة، والثورة التصحيحية وتصحيح الثورة وهكذا... حتى استقرت الاوضاع للنظم الاكثر قدرة على حماية نفسها عبر ترسيخ جذور الدولة الامنية ونمو أذرعتها وتغولها لتحيط الدولة نفسها بأحزمة من الصعب اختراقها او معاودة الانقلاب عليها. الانقلابات العسكرية التي أصحبت ظاهرة في الخمسينيات من القرن الماضي في المنطقة العربية وحتى مطلع السبعينيات تلبست برداء الثورات، وانتهت الى حالة استقرار نظم الامر الواقع، ولم يتبق من ثوراتها سوى مناسبة استذكار سنوية باهتة.
لم تحقق نظم الثورات والانقلابات العسكرية أهدافها المعلنة، استعادة الحقوق الوطنية والقومية والحرية والعدالة الاجتماعية تحولت الى أحلام او سراب في ظل نظم أنجزت مشروعها عبر الاستيلاء على مفاصل الدولة والمجتمع. ولم تكن بحال ضمن تركيبة قادرة على الخروج من مأزق الدولة السلطوية. ولم تنتج داخليا سوى دول رثة أخذت تسابق الزمن في تراجعها، وتعاني من أمراض الاستبداد والفساد في مقابل تعظيم دور الاجهزة الامنية لاستمرار احكام قبضة النظام على الشارع والنخب التي إما انها توارت في عزلتها او تلقفتها السجون والمعتقلات لفترات طويلة أو احتوتها تلك النظم ضمن معادلة صناعة النظام لمعارضته بمقاسات خاصة ومحددة.
عقود مرت على هذه النظم، توارثت فيها الحكم عبر آلية جعلت من مشروعية الانقلاب - الثورة معبراً لتصعيد القيادات التي لم تبدع في شيء سوى في حماية نفسها عبر تكثيف اجهزة الامن السياسي والقبضة الحديدية، وبناء التحالفات واللعب على التناقضات الداخلية، والحرمان من العمل السياسي لتبقي ساحة التأثير والتحكم للنظام لا سواه، وفي وقت بدأت ايضا تبرز تحالفات جديدة ذات طبيعة استحواذية من خلال صناعة تحالفات بين النظام وجيل جديد من رجال اعمال طامحين، أصبح فيه ابناء رأس النظام وأقاربه وعشيرته جزءا من هذا التحالف الذي فتح أمامها الطريق لبناء امبراطوريات مالية تتكئ على منظومة فساد يتعاظم، وقانون منتهك، وأجهزة امنية متورطة في تلك الحلقات ومستفيدة منها.
لم تنتج هذه النظم سوى أبنية متصدعة من الداخل، ودول فاشلة، وإن بدت قوية ومتماسكة من الخارج. لم تنتج سوى مزيد من تآكل المواطنية وحقوقها لصالح الابقاء على معالجات ظرفية لا تقوى على مواجهة اسئلة المستقبل، ناهيك عن قدرتها على اجراء جراحات حقيقية تحول دون تراكم الازمات التي تعاني منها الكتل الاجتماعية العظمى في دولة النظام الامني.
مالم تفهمه هذه النظم او تدرك خطورته، ان الاحتباسات التي صنعتها دولها الفاشلة سوى قبضتها الامنية التي راهنت عليها طويلا، أنها قتلت في الشارع العربي أي امكانية للتأثير في سياق تحولات ناهيك عن امكانية التغيير بالوسائل المشروعة.
أما خارجيا فتلك النظم اعتمدت على علاقاتها بالقوى النافذة اقليميا ودوليا لصياغة سياسية تبقيها رقما مهما ومؤثرا.
ومهما اختلفت ملامح تلك السياسة بين نظم ما سميت بالثورية، أو الممانعة فهي لم تخل من سياسة انتهازية تقدم خدماتها لتحيط نظامها بمزيد من عوامل الحماية والتمكين حتى أصبح التوريث في الجمهوريات العربية العتيدة سمة مرحلة شديدة العتمة والتعقيد.
وظلت القضية الفلسطينية مجالا حيويا لنظم تقاربها من خلال مصلحة النظام واستقراره، سواء تلك التي دخلت في مشروع السلام او التي اخذت جانب الممانعة، وتلك الممانعة اشد التباسا حيث استخدمت المنظمات والفصائل الفلسطينية وقوى المقاومة ضمن دائرة التحريك والتأثير في مسار الصراع، وهو صراع يستهدف تأمين النظام بالدرجة الاولى، وضمان استمرار تأثيره الاقليمي دون ان يشكل تهديدا حقيقيا للكيان الاسرائيلي.
جاءت الحرب الامريكية على الارهاب في مطلع هذا القرن، لتجد فيها تلك النظم الفرصة السانحة لمزيد من الاستقواء في وجه الاستحقاقات الوطنية، وكأنها وجدت في هذه الفزاعة التي تروع الغرب وسيلة فعالة لمزيد من الاستئثار والشعور بالثقة بالبقاء ابد الدهر.
لم يتوقع النظام العربي على أي حراك شعبي وسط هذه الثقة الكبرى بالقدرة على التحكم في مسار الدولة وتقرير مستقبلها وسط تلك التأثيرات الاقليمية والدولية والقدرة على ضبط إيقاع الحياة الداخلية عبر سيطرة ونفوذ الاجهزة بكل انواعها واشكالها وعلاقاتها.. لم يكن هناك هاجس يراود تلك النظم بإمكانية حدوث انفجار شعبي كبير يودى بهذه النظم خلال اسابيع.
جاءت الثورة الشعبية على موعد غير منتظر وسط اجواء كانت توحي بأن أي تحول او تغيير على هذه الطريقة هو خيال متجاوز لم يكن من الممكن تصوره ناهيك عن حدوثه.
لم يشفع للدولة العربية الفاشلة داخليا، لا علاقتها الخارجية ولا حضور اجهزتها الامنية التي استقرت على نحو يجعل اختراقها صعبا بل يبدو مستحيلا. انفجرت الكتلة الحرجة، وكان ثمة موعد أصبحت فيه الشعوب رقما صعبا ومؤرقا ومقلقا.
إلا أن ما يجب ان يقرأ اليوم بعناية، أن الثورات ليست في مهمة ناجزة بكل الاحوال، وأن العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين التي دشنت عصر ثورات الشعوب العربية، تقف اليوم أمام تحديات كبرى تتعلق بطبيعة التعاطي مع الدولة وشكلها وماهيتها وطبيعة دورها تأسيسا على المعنى الكبير للتغيير.