أبو عبد الله المحاسبي؛ هو الحارث بن أسد المحاسبي عديم النظير في زمانه علماً وورعاً ومعاملة وحالاً. بصرىُّ الأصل، مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين. قيل: إنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم فلم يأخذ منها شيئاً. قيل لأن أباه كان يقول بالقدر، فرأى من الورع أن لا يأخذ من ميراثه شيئاً. وقال: صحَّت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يتوارث أهل ملَّتين شيئاً). وقال أبو عبد الله بن خفيف: اقتدوا بخمسة من شيوخنا والباقون سلِّموا لهم حالهم: الحارث بن أسد المحاسبي والجنيد بن محمد وأبو محمد رُويم وأبو العباس ابن عطاء وعمرو بن عثمان المكيِّ، لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق. ومن أقواله: من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره بالمجاهدة واتِّباع السنَّة. ويحكى عن الجنيد أنه قال: مرَّ بي يوماً الحارث المحاسبي، فرأيت فيه أثر الجوع فقلت: يا عم تدخل الدار وتتناول شيئاً، فقال: نعم. فدخلت الدار وطلبت شيئاً أقدِّمه إليه، فكان في البيت شيء من طعام حمل إليَّ من عرس قوم، فقدَّمته إليه فأخذ لقمة وأدارها في فمه مرات .. ثم إنه قام وألقاها في الدهليز ومرَّ. فلما رأيته بعد ذلك بأيام .. قلت له في ذلك! فقال: إني كنت جائعاً وأردت أن أَسرَّك بأكلي وأحفظ قلبك، ولكن بيني وبين الله سبحانه علامة. فقلت: إنه حُمل إليَّ من دار قريب لي من العرس. ثم قلت: تدخل اليوم. فقال: نعم. فقدمت إليه كِسراً يابسة كانت لنا فأكل وقال: إذا قدمت إلى فقير شيئاً فقدِّم إليه مثل هذا.