الفصام
يمكن تعريف الفصام بأنه مرض عقلي يتميز بأعراض متنوعة ناتجة من تفكك الشخصية ومحاولات تماسكها بدفاعات مرضية مختلفة ويجنح في النهاية إلى تدهور الشخصية والانسحاب من الواقع وتظهر فيه أعراض الاضطراب في كافة وظائف الشخصية، ففي مجال العاطفة تظهر ثنائية الوجدان والتذبذب واللامبالاة واللاتوافق وفي مجال السلوك العملي والإرادة تظهر علامات فقد الإرادة والتصلب وأحياناً الذهول التام وفي مجالات الإدراك والتفكير تظهر علامات تغير الذات والعجز عن التجريد وتفكك الأفكار وتكاثفها وقد توجد هلاوس وضلالات غير منتظمة في العادة.
الأسباب:
1- الوراثة: لوحظ أن حوالي 60% إلى 70% من عائلات الفصامين لها تاريخ إيجابي للمرض العقلي, كما أن التوائم المتماثلة يبلغ إصابتهما معاً 70% من الحالات.. وهذا دليل أهمية عامل الوراثة في الاستعداد للفصام وليس في حدوثه مع العلم أنه متنحى و يأتى من زواج شخصين حاملين لنفس المرض و ظاهريا أسوياء أى أنهم أقرباء بالمرض و يا حبذا لو كانت هناك قرابه بالنسب.
2- السن: يبدأ في سن المراهقة عادة ولكنه يحدث بتواتر متوسط حتى الثلاثين ويقل بعد ذلك.
3- التكوين الجسمي: يحدث أكثر عند الأشخاص ذوى التكوين النحيف والعضلي.
4- التغييرات الجسمية: لوحظت عدة تغيرات كيميائية وهرمونية مختلفة إلا أنها غير ثابتة ولا دائمة ولا يمكن معرفة إن كانت سببا أو نتيجة.
5- الجهاز العصبي المركزي: يظهر فيه تغيرات تشريحية في الحالات المتدهورة المزمنة تماما وقد يكون هذا نتيجة لاختلال عمل مستويات المخ معاً.
6- الأسباب النفسية:
- أرجع البعض ظهور مرض الفصام إلى تراكم عادات الانزواء والعجز عن التعامل مع الواقع.
- وأرجعه المؤلفان إلى عجز اللغة عن أداء وظيفتها الاجتماعية.
- وعزاه فريق ثالث إلى تجمد النضج عند مرحلة بذاتها ثم الرجوع إليه نكوصاً تحت ضغط الواقع.
- وذهب فريق رابع إلى أنه نتيجة لاختفاء المنطق وحلول منطق أثري خاص محله.
7- الأسباب المرسبة: مثل إصابات الرأس والحمى والإرهاق والحرمان والإحباط، وعادة يكون السبب ذو طابع يتعلق بقيمه الذات وكيانها.
الأعراض: الأعراض في مختلف الوظائف العصبية تشمل :
اضطراب العاطفةو اضطراب السلوك الحركي و اضطراب الإرادة و اضطراب الإدراك اضطراب التفكير
تبلد الشعور
اللامبالاة
تذبذب العاطفة,تناقض العواطف ,
تباين العواطف,ظهور العواطف، البدائية والفجة سلوك غير متناسق وشاذ الطاعة الآلية -
الانثنائية الشمعية، صدى الحركة التكرارية والأسلوبية، والتثابر فقد أبعاد الذات - إقحام الأفكار وانتزاعها
وإذاعتها، أفعال مفروضة، عواطف
مقحمة، تردد وعجز عن اتخاذ أي رأي ,انثنائية شمعية، طاعة آلية، خلف، مقاومة
عجز عن العمل والإنتاج خبرة تغير الذات -خبرة تغير الكون
هلوسات بصرية وصور خيالية - صدى الفكر
أصوات منافسة -أصوات معقبة-اضطراب أبعاد الذات
الغموض - اختفاء حروف العطف والجر -اللاترابط- سلطة الكلام- ترابط الرنين - التكثيف - المزاح اللاترابطي - التفكير العياني -العرقلة -ضغط الأفكار - فقر الأفكار - تفكير ذاتى - تفكير أثرى - محتويات خيالية - ضلالات غير منتظمة - وساوس شاذة - ضلالات أولية - انتزاع الأفكار - إقحام الأفكار - إذاعة
أنواع الفصام:
1- الفصام المبتدئ: (الرمز صفر 7 / 1). يتميز ببداية مفاجئة يصاحبها عادة شعور بتغير الذات والكون، ويختل بعدها السلوك عن ذي قبل حيث كان منتظما مستقراً ثابتاً، ولا يرجع المريض إلى سابق عهده وتزداد حساسية وسوء تأويله، وتتذبذب عواطفه وقد تتطور الحالة بعد زمن إلى فصام صريح.
2- الفصام الانفعالي: (الرمز صفر 7 / 2). ويتميز هذا النوع بوجود مزيج من أعراض الفصام وأعراض الهوس أو الاكتئاب الصريحة والمستمرة إلى درجة ما، كجزء لا يتجزأ من زملة الأعراض وينقسم إلى:
(1) الفصام الانفعالي الاكتئابي.
(2) الفصام الانفعالي الهوسي.
(3) الفصام الانفعالي المختلط.
3- الفصام البارانوي (الرمز: صفر 7 / 3):ويتميز هذا النوع بوجود ضلالات وهلاوس مع أعراض الفصام التفكيكية وانسحاب العواطف جزئياً، على أن مجرد وجود الضلالات أو الهلاوس ليست كافية لتشخيص هذا النوع يتميز عن حالات الضلال بوجود اضطراب في عملية التفكير (شكل التفكير) يمثل اضطراباً واضحاً نسبياً.
4- الفصام المزمن غير المتميز (الرمز: صفر 7 / 7): وهو نوع يشمل كافة أعراض الأنواع الأخرى تقريباً بلا ترجيح إحداها على الأخرى فهو وسط بين الفصام البارنوي والهيبفريني إذ هو أكثر في الأعراض السلبية (التفكك والتشوش والانسحاب) من البارانوي وأقل في الأعراض الإيجابية من الهيبفريني (الضلالات والهلاوس والشك).
5- الفصام الهيبفريني (الرمز: صفر 7 / 5): ويتصف هذا النوع بسطحية العواطف ولا توافقها ثم اضطراب عملية التفكير بكل مظاهر التفكك والتناثر، ووجود ضلالات عابرة وغير منظمة وقد يبتسم المريض ابتسامة بلهاء لا معنى لها، أو يقوم بنشاط زائد (دائري) غير مثمر.
6- الفصام الكاتاتونى (الرمز: صفر 7 / 4): وهو يتصف بأنه يحدث في نوبات هياجية أو انسحابية ولذلك فهو إما:
(ا) الفصام الكاتاتوني الهياجي: الذي يتصف بزيادة النشاط الحركي لدرجة الغضب والتحطيم، ويبدو سلوك المريض مندفعاً محدداً من داخل صراعاته وليس موجهاً أو محوراً بالبيئة من حوله.
(ب) الفصام الكاتاتوني الانسحابي: ويتصف هذا النوع بالهبوط الحركي الذي يصل إلى الذهول كما يصاحبه البكم والخلف والانثنائية الشمعية.
7- نوبة الفصام الحاد غير المتميز (الرمز: صفر 7 /صفر): يتصف هذا النوع ببداية حادة تظهر فيها أعراض الفصام الصريحة مباشرة (التفكك بكل درجاته) ويصاحب ذلك درجة من الخلط، والربكة، وفورة انفعالية، ويبدو المريض وكأنه في حالة حلم.. وتتذبذب عواطفه، وقد تزول هذه النوبة لتترك بعدها ندب في الشخصية واضمحلال في التفاعل العاطفي, أو قد تتطور الحالة إلى نوع صريح مزمن، أو قد تزول تماما وفي الحالة الأخيرة فإنه ينبغي مراجعة التشخيص بعناية لأن البعض يصر -بحق- أنه لتشخيص الفصام لابد ألا يعود المريض لحالته الأولى.
8- الفصام البسيط (الرمز: صفر 7 / 6): وهو نوع خطير برغم الاسم، وهو ذو بداية تدريجية، وتقدم بطئ مستمر نحو التدهور، ويتميز بالانسحاب التدريجي من الواقع والتبلد العاطفي المتزايد، والأوهام المرضية وتبريرات العجز الخاوية وأحيانا تظهر ضلالات مؤقتة وهلاوس سطحية عابرة.
9- الفصام المتبقي: (الرمز: صفر 7 / 8): ويطلق هذا التعبير على طائفة من الفصامين مروا بنوبة فصامية حادة أو طور نشط، ثم استطاعوا أن يتكيفوا لمرضهم رغم بقاء بعض الأعراض التي تصبح حينذاك هامدة ومكررة وغير معوقة إذ يتعود المريض عليها ويشبه هذا النوع اضطراب الشخصية، إلا أنه يتميز عنه بوجود تاريخ سابق للنوبة الفصامية.
التنبؤ بسير المرض:كلما كانت بداية المرض في سن متأخرة، وحادة نوعاً ومع سبب مرسب واضح، وكلما كانت الشخصية قبل المرض متماسكة، وكان المريض محتفظاً باستجابته العاطفية لدرجة ما، وكان المرض غير نموذجي وكان للمريض أقارب مصابون بمرض الهوس والاكتئاب وكان العلاج مبكراً وحاسماً كلما كان ذلك التنبؤ حسناً بسير المرض - والعكس صحيح.
العلاج:
1- العلاج الكيميائي: بالعقاقير المهدئة العظيمة مثل فصيلة الفينوثيازين، هي أصلح ما تكون في الحالات النشطة والحالات المزمنة التي تتحرك أعراضها تحت ضغط العلاج بالعمل والتأهيل.
2- علاج الصدمات الكهربائية: وهي تصلح في الحالات الحادة -مع العقاقير- والحالات المصاحبة بالاكتئاب خاصة، وحالة الذهول الكاتاتوني ولا تصلح في الحالات المزمنة، كما أن لها استعمال انتقائي أثناء مخطط طويل للعلاج التأهيلي وبالعقاقير.
3- العلاج بالعمل: وهو إما لتحريك المريض وملء فراغه وجذبه بعيداً عن سلبياته وخيالاته، وإما أنه جزء لا يتجزأ من علاج الوسط والعلاج السلوكي... وعادة ما يؤدى الغرضين معاً.
4- العلاج النفسي: ولا نعنى به التحليل النفسي التقليدي الذي قد يضر ولكنا نعنى العلاج المكثف حيث يقوم المعالج بدور المترجم بين المريض وعالم الواقع وكذلك دور الجسر الذي يسير عليه المريض إلى الواقع، وهو يحتاج إلى جهد وصبر بلا حدود، وقد شجع عليه القدرة على استعمال العقاقير بمهارة.
5- علاج الوسط: ونعنى به تهيئة مجتمع صغير من المعالجين والمرضى يعطى فرصة للمريض للبعد عن الواقع وكأنه في أجازة موافق عليها.. ثم يعلمه العودة عليه أقدر وأصبر وهو ليس بديلاً عن كل العلاجات السابقة ولكنه الوعاء الذي يعطى معنى وفاعلية لكل العلاجات السابقة.
6- العلاج الجراحي: وهو العلاج الذي يهدف إلى قطع بعض دوائر الانفعال المرضية وهو لا يستعمل إلا إذا عجزت تماماً كل أنواع العلاجات الأخرى.
7- العلاج بالأنسولين: وهو علاج ناجح إلا أنه طويل وخطير نوعاً، وقد أغنت عنه العلاجات العضوية الحديثة.
أن تشخيص الفصام مازال مشكلا وما زالت هناك أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة وهي قيد البحث ومنها:
1- ما هو تأثير العلاجات الحديثة - الكيمائية خاصة في مسار المرض.. وتنوع أعراضه وتغيير مصيره لما هو معلوم عنها من فاعلية فاقت الوسائل التقليدية بشكل كبير مما يترك انعاكساً على المجالات المهيأة التي سبق ذكرها.
أنواع العلاج المختلفة.
1- العلاج الكيميائي: ويتمثل حالياً في إعطاء عقاقير خاصة تعمل أساساً على المستويات الأقدم من المخ (وربما كان في ذلك ما يفسر نجاحها إذ أن الفصام في رأينا -فسيولوجياً- هو نشاط مستقل للجزء الأقدم من المخ ينافس النشاط الأحدث) والعقاقير المستخدمة من أنواع مختلفة أهمها فصيلة الفينوثيازين، وتختلف في عمقها وفاعليتها من عقار لآخر، وقد لوحظ أن هذه العقاقير لها مفعول ناجح كلما كان الفصام نشطاً والأعراض إيجابية، ولذلك فهي أنجح ما تكون في الحالات الحادة والحالات المتخمة بالأعراض الإيجابية التي تدل على أن ديناميكية المرض لم تستقر بعد، أما في الحالات المزمنة التي وصلت إلى درجة من الاستقرار وأصبح السلوك الفصامي عادة أو جزءاً لا يتجزأ من الشخصية، فإن مفعولها يكون أقل ما لم يستثار النشاط الفصامي بخطة محكمة لجر المريض للاحتكاك بالواقع وتنظيم تأهيله بجرعات متزايدة من العمل والتفاعل مع الآخرين وهنا قد يبدأ في المقاومة أو تبدأ الأعراض في النشاط حيث تصلح هذه العقاقير ثانية وبشكل فعال تماماً.
وتختلف جرعات هذه العقاقير اختلافاً شديداً فقد يبدأ عقار مثل اللارجاكتيل (كلوربرومازين) من 75 مجم يومياً إلى1000 مجم وعقار مثل الستيلازين من 15 مجم (في تجربة أجراها أحدنا تحت النشر) ويظل المريض رغم تزايد الجرعة في كثير من الأحوال رائحاً غادياً على قدميه... بعد أن يتأقلم على العقاقير ولا ينتابه حتى نوبات هبوط الضغط الوضعي حين يقف من حالة الجلوس.
وقد ينتج عن هذه العقاقير اكتئاب حقيقي مما ينبغي الحذر معه، إلا أن هذا علامة طيبة في تقدم المريض نحو الشفاء (كما أظهرت النتائج في بحث أجراه المؤلفان عن عقار البرفينازين ابننثاث طويل المدى) فظهور الاكتئاب تطور إيجابي لا يدل على مضاعفات كيميائية (حسب تفسير المؤلفين في البحث المشار إليه) بقدر ما يدل على تحرك الطاقة من مستوى أقدم إلى مستوى أحدث وعلى الاقتراب من الواقع وإدراك صعوبته ومرارته ومن ثم يحدث الاكتئاب ويكون هذا أنسب الأوقات لإعطاء بضعه جلسات كهربية وخاصة إذا كان برنامج التأهيل مستمرا ومنتظما.
2- علاج الصدمات الكهربائية: ويستعمل هذا العلاج عادة مع العلاج الأول، ويستحسن أن يتأخر عنه قليلاً حتى في الحالات الحادة ونتائجه تكون أصلح ما تكون في هذه الحالة والمصحوبة باضطراب في العاطفة البارانوي المصحوب بفيض عاطفي حار مع الضلالات، وكذلك أثناء خطة العلاج الطويلة بالعقاقير والتأهيل معاً وذلك مع ظهور الاكتئاب وأثناء استعادة العلاقة بالواقع.
3- علاج غيبوبة الأنسولين: وهو علاج ناجح - أخذ سمعه طيبه إلا أن ما يستلزمه من وقت وجهد وما يصاحبه من مخاطر جعلت العلاجات الأخرى الأحدث تغنى عنه.
4- العلاج بالعمل: وهو صنفان في حالات الفصام فإما أن يكون الهدف منه هو استعادة المريض فاعليته وعدم تركه لخيالاته وسلبياته واستعادة ثقته بأنه قادر على شيء ذي فائدة وأن يرى نتاج عمله فيتحمس للرجوع للواقع.
وإما أن يكون جزءاً لا يتجزأ من علاج الوسط والعلاج السلوكي يتعرف فيه المريض على جسده، ويكسر خموله وعاداته السلبية واختفائه في قالب ثابت من الوجود.
5- العلاج النفسي: ولا بد أن نبدأ هنا بالقول أن الرعب من العلاج النفسي (وخاصة التحليلي) للفصامين، قد قل كثيراً نتيجة لوفرة استعمال العلاج الكيميائي حيث نشجع المعالج أن يتفاعل مع المريض وهو ضامن أن بيده أسلحة يتدخل بها وقتما يشاء ليتمكن من السيطرة على الموقف باستمرار.
والعلاج النفسي المكثف Intensive Psychotherapy قد ثبت فاعليته لو أتيحت له الفرصة كاملة إلا أنه يحتاج لوقت وجهد بلا حدود، وفيه يقوم الطبيب باختراق حاجز العزلة عند المريض ومحاولة فهم لغته الخاصة والقيام بدور المترجم له أو الجسر الذي يعبر عليه إلى دنيا الواقع، وهذا النوع -بداهة- ليس بديلاً عن العلاجات العضوية الأخرى ولكنه متمم لها.
وكما أن الفصام هو محور المرض النفسي والعقلي عامة فإن علاجه هو قضية من أهم القضايا في الأمراض النفسية كافة، وقد اختلفت الآراء حوله اختلافاً شديداً، ونجح أغلبها -بحق- إلى التركيز على العلاج العضوي أساساً: إما لترجيح السبب العضوي في إحداثه، وما لإدراك خطورته، ثم التعجل في محاولة إيقاف مساره قبل التفكك الكامل والتناثر والتدهور
ومن أنواع العلاج النفسي التي ساعدت كثيراً من المرضى الفصامين العلاج الجمعي وخاصة نوع الجلسات والتحليل التفاعلي دون الإغراق في التفسير والتأويل وهو يساعد على إعادة احتمال التواصل مع الآخرين والتقمص، واكتساب مهارات اجتماعية جديدة، وتجميع أجزاء الشخصية في جو علاجي خاص ومدروس وموجه.
وهذا النوع من العلاج يكون أنجح وأجدى في حالات الفصام المبتدئ حيث يعتبر العلاج المفضل الذي لا يكتفي بإزالة الأعراض بل إنه يحول هذه الأزمة المرضية إلى فرصة إيجابية لاستكمال نمو الشخصية.
6- علاج الوسط: ويقصد به تهيئة مجتمع صغير (مستشفي مثلاً) له فلسفة في الحياة وأهداف مشتركة وموقف محدد يشترك فيه المرضى وجميع الأفراد المعالجين، ويستعمل فيه سائر أنواع العلاج السابقة، بحيث يتيح للمريض فرصة المشاركة في جو خاص يتيح له إجازة مدروسة من عالم الواقع الذي لم يتحمله، ولكنه في نفس الوقت يحافظ فيه على درجة خاصة من العلاقات والنشاط يستعيد من خلالها قدرته على العودة إلى الواقع تدريجياً بطريقة أكثر قدرة وأوفر نشاطاً.
7- العلاج الجراحي: وهو العلاج الذي يهدف إلى قطع بعض الدوائر العصبية التي تساهم في توصيل وإثارة الانفعالات المرضية، ولا يستعمل إلا في الحالات المزمنة التي فشلت في الاستجابة لأي من العلاجات الأخرى.
2- إذا نجح العلاج في إيقاف سير المرض فصامي الشكل وربما في منع أغلب مضاعفاته أو كلها.. فهل يحق لنا أن نشخص مثل هذه الحالة تحت هذه الظروف بالفصام رغم عدم حدوث أي آثار تدهورية على الشخصية؟
3- إذا أعقب المرض بكل أعراضه الصريحة تغير في شخصيته المريض بشكل أكثر تكيفاً مع المجتمع، الأمر الذي يحدونا إلى تصور أن شخصية المريض قد تطورت إلى مزيد من النمو بعد المرض (وهذا ثابت علمياً في بعض الحالات) فهل يحق لنا أن نسمى المرض الذي أصاب هذا المريض مرضاً فصامياً؟
4- إذا استطاع فاحص مغامر ذو خبرة خاصة أن يوجد علاقة عميقة مع المريض ساعدت على اختفاء الأعراض وإعادة التماسك والتواصل لفترة الفحص. ثم تناثر المريض بعد ذلك، فهل يقلل هذا من احتمال تشخيص الفصام؟
5- إذا اختفت الأعراض تماماً أو كادت (حتى التلبد أو التفكك، وذلك بالسماح بالنكوص - أثناء العلاج مثلاً - والابتعاد عن المسئولية)، أو إذا أتيح للمريض النكوص نتيجة لظروف بيئية واقية من الناحية المادية والعاطفية الأمر الذي ساعد على اختفاء الأعراض،.. فهل يظل تشخيص الفصام محتملاً لمجرد أن الأعراض اختفت رغم وجود النكوص والاعتمادية.
كل هذه المشاكل وغيرها مازالت قيد البحث، وهي تدل على مدى تنوع هذا المرض وصعوبة تشخيصه كحدث مستعرض... خاصة وإنه عملية شبه مستمرة: تدهوراً وتماسكاً مرحلياً، ثم تحسناً ظاهرياً ثم تدهوراً وهكذا.
ولكننا نحب أن نشير أنه لا يمكن الجزم بصورة مطلقة بما يمكن أن يحدث لأي مريض مهما أظهر من علامات حسنة أو سيئة فإن هذه القواعد تصدق على أغلبية المرضى ولكنها لا تصدق عليهم كلهم في ذلك لأن الاختلافات الفردية قاعدة أصيلة.
يمكن تعريف الفصام بأنه مرض عقلي يتميز بأعراض متنوعة ناتجة من تفكك الشخصية ومحاولات تماسكها بدفاعات مرضية مختلفة ويجنح في النهاية إلى تدهور الشخصية والانسحاب من الواقع وتظهر فيه أعراض الاضطراب في كافة وظائف الشخصية، ففي مجال العاطفة تظهر ثنائية الوجدان والتذبذب واللامبالاة واللاتوافق وفي مجال السلوك العملي والإرادة تظهر علامات فقد الإرادة والتصلب وأحياناً الذهول التام وفي مجالات الإدراك والتفكير تظهر علامات تغير الذات والعجز عن التجريد وتفكك الأفكار وتكاثفها وقد توجد هلاوس وضلالات غير منتظمة في العادة.
الأسباب:
1- الوراثة: لوحظ أن حوالي 60% إلى 70% من عائلات الفصامين لها تاريخ إيجابي للمرض العقلي, كما أن التوائم المتماثلة يبلغ إصابتهما معاً 70% من الحالات.. وهذا دليل أهمية عامل الوراثة في الاستعداد للفصام وليس في حدوثه مع العلم أنه متنحى و يأتى من زواج شخصين حاملين لنفس المرض و ظاهريا أسوياء أى أنهم أقرباء بالمرض و يا حبذا لو كانت هناك قرابه بالنسب.
2- السن: يبدأ في سن المراهقة عادة ولكنه يحدث بتواتر متوسط حتى الثلاثين ويقل بعد ذلك.
3- التكوين الجسمي: يحدث أكثر عند الأشخاص ذوى التكوين النحيف والعضلي.
4- التغييرات الجسمية: لوحظت عدة تغيرات كيميائية وهرمونية مختلفة إلا أنها غير ثابتة ولا دائمة ولا يمكن معرفة إن كانت سببا أو نتيجة.
5- الجهاز العصبي المركزي: يظهر فيه تغيرات تشريحية في الحالات المتدهورة المزمنة تماما وقد يكون هذا نتيجة لاختلال عمل مستويات المخ معاً.
6- الأسباب النفسية:
- أرجع البعض ظهور مرض الفصام إلى تراكم عادات الانزواء والعجز عن التعامل مع الواقع.
- وأرجعه المؤلفان إلى عجز اللغة عن أداء وظيفتها الاجتماعية.
- وعزاه فريق ثالث إلى تجمد النضج عند مرحلة بذاتها ثم الرجوع إليه نكوصاً تحت ضغط الواقع.
- وذهب فريق رابع إلى أنه نتيجة لاختفاء المنطق وحلول منطق أثري خاص محله.
7- الأسباب المرسبة: مثل إصابات الرأس والحمى والإرهاق والحرمان والإحباط، وعادة يكون السبب ذو طابع يتعلق بقيمه الذات وكيانها.
الأعراض: الأعراض في مختلف الوظائف العصبية تشمل :
اضطراب العاطفةو اضطراب السلوك الحركي و اضطراب الإرادة و اضطراب الإدراك اضطراب التفكير
تبلد الشعور
اللامبالاة
تذبذب العاطفة,تناقض العواطف ,
تباين العواطف,ظهور العواطف، البدائية والفجة سلوك غير متناسق وشاذ الطاعة الآلية -
الانثنائية الشمعية، صدى الحركة التكرارية والأسلوبية، والتثابر فقد أبعاد الذات - إقحام الأفكار وانتزاعها
وإذاعتها، أفعال مفروضة، عواطف
مقحمة، تردد وعجز عن اتخاذ أي رأي ,انثنائية شمعية، طاعة آلية، خلف، مقاومة
عجز عن العمل والإنتاج خبرة تغير الذات -خبرة تغير الكون
هلوسات بصرية وصور خيالية - صدى الفكر
أصوات منافسة -أصوات معقبة-اضطراب أبعاد الذات
الغموض - اختفاء حروف العطف والجر -اللاترابط- سلطة الكلام- ترابط الرنين - التكثيف - المزاح اللاترابطي - التفكير العياني -العرقلة -ضغط الأفكار - فقر الأفكار - تفكير ذاتى - تفكير أثرى - محتويات خيالية - ضلالات غير منتظمة - وساوس شاذة - ضلالات أولية - انتزاع الأفكار - إقحام الأفكار - إذاعة
أنواع الفصام:
1- الفصام المبتدئ: (الرمز صفر 7 / 1). يتميز ببداية مفاجئة يصاحبها عادة شعور بتغير الذات والكون، ويختل بعدها السلوك عن ذي قبل حيث كان منتظما مستقراً ثابتاً، ولا يرجع المريض إلى سابق عهده وتزداد حساسية وسوء تأويله، وتتذبذب عواطفه وقد تتطور الحالة بعد زمن إلى فصام صريح.
2- الفصام الانفعالي: (الرمز صفر 7 / 2). ويتميز هذا النوع بوجود مزيج من أعراض الفصام وأعراض الهوس أو الاكتئاب الصريحة والمستمرة إلى درجة ما، كجزء لا يتجزأ من زملة الأعراض وينقسم إلى:
(1) الفصام الانفعالي الاكتئابي.
(2) الفصام الانفعالي الهوسي.
(3) الفصام الانفعالي المختلط.
3- الفصام البارانوي (الرمز: صفر 7 / 3):ويتميز هذا النوع بوجود ضلالات وهلاوس مع أعراض الفصام التفكيكية وانسحاب العواطف جزئياً، على أن مجرد وجود الضلالات أو الهلاوس ليست كافية لتشخيص هذا النوع يتميز عن حالات الضلال بوجود اضطراب في عملية التفكير (شكل التفكير) يمثل اضطراباً واضحاً نسبياً.
4- الفصام المزمن غير المتميز (الرمز: صفر 7 / 7): وهو نوع يشمل كافة أعراض الأنواع الأخرى تقريباً بلا ترجيح إحداها على الأخرى فهو وسط بين الفصام البارنوي والهيبفريني إذ هو أكثر في الأعراض السلبية (التفكك والتشوش والانسحاب) من البارانوي وأقل في الأعراض الإيجابية من الهيبفريني (الضلالات والهلاوس والشك).
5- الفصام الهيبفريني (الرمز: صفر 7 / 5): ويتصف هذا النوع بسطحية العواطف ولا توافقها ثم اضطراب عملية التفكير بكل مظاهر التفكك والتناثر، ووجود ضلالات عابرة وغير منظمة وقد يبتسم المريض ابتسامة بلهاء لا معنى لها، أو يقوم بنشاط زائد (دائري) غير مثمر.
6- الفصام الكاتاتونى (الرمز: صفر 7 / 4): وهو يتصف بأنه يحدث في نوبات هياجية أو انسحابية ولذلك فهو إما:
(ا) الفصام الكاتاتوني الهياجي: الذي يتصف بزيادة النشاط الحركي لدرجة الغضب والتحطيم، ويبدو سلوك المريض مندفعاً محدداً من داخل صراعاته وليس موجهاً أو محوراً بالبيئة من حوله.
(ب) الفصام الكاتاتوني الانسحابي: ويتصف هذا النوع بالهبوط الحركي الذي يصل إلى الذهول كما يصاحبه البكم والخلف والانثنائية الشمعية.
7- نوبة الفصام الحاد غير المتميز (الرمز: صفر 7 /صفر): يتصف هذا النوع ببداية حادة تظهر فيها أعراض الفصام الصريحة مباشرة (التفكك بكل درجاته) ويصاحب ذلك درجة من الخلط، والربكة، وفورة انفعالية، ويبدو المريض وكأنه في حالة حلم.. وتتذبذب عواطفه، وقد تزول هذه النوبة لتترك بعدها ندب في الشخصية واضمحلال في التفاعل العاطفي, أو قد تتطور الحالة إلى نوع صريح مزمن، أو قد تزول تماما وفي الحالة الأخيرة فإنه ينبغي مراجعة التشخيص بعناية لأن البعض يصر -بحق- أنه لتشخيص الفصام لابد ألا يعود المريض لحالته الأولى.
8- الفصام البسيط (الرمز: صفر 7 / 6): وهو نوع خطير برغم الاسم، وهو ذو بداية تدريجية، وتقدم بطئ مستمر نحو التدهور، ويتميز بالانسحاب التدريجي من الواقع والتبلد العاطفي المتزايد، والأوهام المرضية وتبريرات العجز الخاوية وأحيانا تظهر ضلالات مؤقتة وهلاوس سطحية عابرة.
9- الفصام المتبقي: (الرمز: صفر 7 / 8): ويطلق هذا التعبير على طائفة من الفصامين مروا بنوبة فصامية حادة أو طور نشط، ثم استطاعوا أن يتكيفوا لمرضهم رغم بقاء بعض الأعراض التي تصبح حينذاك هامدة ومكررة وغير معوقة إذ يتعود المريض عليها ويشبه هذا النوع اضطراب الشخصية، إلا أنه يتميز عنه بوجود تاريخ سابق للنوبة الفصامية.
التنبؤ بسير المرض:كلما كانت بداية المرض في سن متأخرة، وحادة نوعاً ومع سبب مرسب واضح، وكلما كانت الشخصية قبل المرض متماسكة، وكان المريض محتفظاً باستجابته العاطفية لدرجة ما، وكان المرض غير نموذجي وكان للمريض أقارب مصابون بمرض الهوس والاكتئاب وكان العلاج مبكراً وحاسماً كلما كان ذلك التنبؤ حسناً بسير المرض - والعكس صحيح.
العلاج:
1- العلاج الكيميائي: بالعقاقير المهدئة العظيمة مثل فصيلة الفينوثيازين، هي أصلح ما تكون في الحالات النشطة والحالات المزمنة التي تتحرك أعراضها تحت ضغط العلاج بالعمل والتأهيل.
2- علاج الصدمات الكهربائية: وهي تصلح في الحالات الحادة -مع العقاقير- والحالات المصاحبة بالاكتئاب خاصة، وحالة الذهول الكاتاتوني ولا تصلح في الحالات المزمنة، كما أن لها استعمال انتقائي أثناء مخطط طويل للعلاج التأهيلي وبالعقاقير.
3- العلاج بالعمل: وهو إما لتحريك المريض وملء فراغه وجذبه بعيداً عن سلبياته وخيالاته، وإما أنه جزء لا يتجزأ من علاج الوسط والعلاج السلوكي... وعادة ما يؤدى الغرضين معاً.
4- العلاج النفسي: ولا نعنى به التحليل النفسي التقليدي الذي قد يضر ولكنا نعنى العلاج المكثف حيث يقوم المعالج بدور المترجم بين المريض وعالم الواقع وكذلك دور الجسر الذي يسير عليه المريض إلى الواقع، وهو يحتاج إلى جهد وصبر بلا حدود، وقد شجع عليه القدرة على استعمال العقاقير بمهارة.
5- علاج الوسط: ونعنى به تهيئة مجتمع صغير من المعالجين والمرضى يعطى فرصة للمريض للبعد عن الواقع وكأنه في أجازة موافق عليها.. ثم يعلمه العودة عليه أقدر وأصبر وهو ليس بديلاً عن كل العلاجات السابقة ولكنه الوعاء الذي يعطى معنى وفاعلية لكل العلاجات السابقة.
6- العلاج الجراحي: وهو العلاج الذي يهدف إلى قطع بعض دوائر الانفعال المرضية وهو لا يستعمل إلا إذا عجزت تماماً كل أنواع العلاجات الأخرى.
7- العلاج بالأنسولين: وهو علاج ناجح إلا أنه طويل وخطير نوعاً، وقد أغنت عنه العلاجات العضوية الحديثة.
أن تشخيص الفصام مازال مشكلا وما زالت هناك أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة وهي قيد البحث ومنها:
1- ما هو تأثير العلاجات الحديثة - الكيمائية خاصة في مسار المرض.. وتنوع أعراضه وتغيير مصيره لما هو معلوم عنها من فاعلية فاقت الوسائل التقليدية بشكل كبير مما يترك انعاكساً على المجالات المهيأة التي سبق ذكرها.
أنواع العلاج المختلفة.
1- العلاج الكيميائي: ويتمثل حالياً في إعطاء عقاقير خاصة تعمل أساساً على المستويات الأقدم من المخ (وربما كان في ذلك ما يفسر نجاحها إذ أن الفصام في رأينا -فسيولوجياً- هو نشاط مستقل للجزء الأقدم من المخ ينافس النشاط الأحدث) والعقاقير المستخدمة من أنواع مختلفة أهمها فصيلة الفينوثيازين، وتختلف في عمقها وفاعليتها من عقار لآخر، وقد لوحظ أن هذه العقاقير لها مفعول ناجح كلما كان الفصام نشطاً والأعراض إيجابية، ولذلك فهي أنجح ما تكون في الحالات الحادة والحالات المتخمة بالأعراض الإيجابية التي تدل على أن ديناميكية المرض لم تستقر بعد، أما في الحالات المزمنة التي وصلت إلى درجة من الاستقرار وأصبح السلوك الفصامي عادة أو جزءاً لا يتجزأ من الشخصية، فإن مفعولها يكون أقل ما لم يستثار النشاط الفصامي بخطة محكمة لجر المريض للاحتكاك بالواقع وتنظيم تأهيله بجرعات متزايدة من العمل والتفاعل مع الآخرين وهنا قد يبدأ في المقاومة أو تبدأ الأعراض في النشاط حيث تصلح هذه العقاقير ثانية وبشكل فعال تماماً.
وتختلف جرعات هذه العقاقير اختلافاً شديداً فقد يبدأ عقار مثل اللارجاكتيل (كلوربرومازين) من 75 مجم يومياً إلى1000 مجم وعقار مثل الستيلازين من 15 مجم (في تجربة أجراها أحدنا تحت النشر) ويظل المريض رغم تزايد الجرعة في كثير من الأحوال رائحاً غادياً على قدميه... بعد أن يتأقلم على العقاقير ولا ينتابه حتى نوبات هبوط الضغط الوضعي حين يقف من حالة الجلوس.
وقد ينتج عن هذه العقاقير اكتئاب حقيقي مما ينبغي الحذر معه، إلا أن هذا علامة طيبة في تقدم المريض نحو الشفاء (كما أظهرت النتائج في بحث أجراه المؤلفان عن عقار البرفينازين ابننثاث طويل المدى) فظهور الاكتئاب تطور إيجابي لا يدل على مضاعفات كيميائية (حسب تفسير المؤلفين في البحث المشار إليه) بقدر ما يدل على تحرك الطاقة من مستوى أقدم إلى مستوى أحدث وعلى الاقتراب من الواقع وإدراك صعوبته ومرارته ومن ثم يحدث الاكتئاب ويكون هذا أنسب الأوقات لإعطاء بضعه جلسات كهربية وخاصة إذا كان برنامج التأهيل مستمرا ومنتظما.
2- علاج الصدمات الكهربائية: ويستعمل هذا العلاج عادة مع العلاج الأول، ويستحسن أن يتأخر عنه قليلاً حتى في الحالات الحادة ونتائجه تكون أصلح ما تكون في هذه الحالة والمصحوبة باضطراب في العاطفة البارانوي المصحوب بفيض عاطفي حار مع الضلالات، وكذلك أثناء خطة العلاج الطويلة بالعقاقير والتأهيل معاً وذلك مع ظهور الاكتئاب وأثناء استعادة العلاقة بالواقع.
3- علاج غيبوبة الأنسولين: وهو علاج ناجح - أخذ سمعه طيبه إلا أن ما يستلزمه من وقت وجهد وما يصاحبه من مخاطر جعلت العلاجات الأخرى الأحدث تغنى عنه.
4- العلاج بالعمل: وهو صنفان في حالات الفصام فإما أن يكون الهدف منه هو استعادة المريض فاعليته وعدم تركه لخيالاته وسلبياته واستعادة ثقته بأنه قادر على شيء ذي فائدة وأن يرى نتاج عمله فيتحمس للرجوع للواقع.
وإما أن يكون جزءاً لا يتجزأ من علاج الوسط والعلاج السلوكي يتعرف فيه المريض على جسده، ويكسر خموله وعاداته السلبية واختفائه في قالب ثابت من الوجود.
5- العلاج النفسي: ولا بد أن نبدأ هنا بالقول أن الرعب من العلاج النفسي (وخاصة التحليلي) للفصامين، قد قل كثيراً نتيجة لوفرة استعمال العلاج الكيميائي حيث نشجع المعالج أن يتفاعل مع المريض وهو ضامن أن بيده أسلحة يتدخل بها وقتما يشاء ليتمكن من السيطرة على الموقف باستمرار.
والعلاج النفسي المكثف Intensive Psychotherapy قد ثبت فاعليته لو أتيحت له الفرصة كاملة إلا أنه يحتاج لوقت وجهد بلا حدود، وفيه يقوم الطبيب باختراق حاجز العزلة عند المريض ومحاولة فهم لغته الخاصة والقيام بدور المترجم له أو الجسر الذي يعبر عليه إلى دنيا الواقع، وهذا النوع -بداهة- ليس بديلاً عن العلاجات العضوية الأخرى ولكنه متمم لها.
وكما أن الفصام هو محور المرض النفسي والعقلي عامة فإن علاجه هو قضية من أهم القضايا في الأمراض النفسية كافة، وقد اختلفت الآراء حوله اختلافاً شديداً، ونجح أغلبها -بحق- إلى التركيز على العلاج العضوي أساساً: إما لترجيح السبب العضوي في إحداثه، وما لإدراك خطورته، ثم التعجل في محاولة إيقاف مساره قبل التفكك الكامل والتناثر والتدهور
ومن أنواع العلاج النفسي التي ساعدت كثيراً من المرضى الفصامين العلاج الجمعي وخاصة نوع الجلسات والتحليل التفاعلي دون الإغراق في التفسير والتأويل وهو يساعد على إعادة احتمال التواصل مع الآخرين والتقمص، واكتساب مهارات اجتماعية جديدة، وتجميع أجزاء الشخصية في جو علاجي خاص ومدروس وموجه.
وهذا النوع من العلاج يكون أنجح وأجدى في حالات الفصام المبتدئ حيث يعتبر العلاج المفضل الذي لا يكتفي بإزالة الأعراض بل إنه يحول هذه الأزمة المرضية إلى فرصة إيجابية لاستكمال نمو الشخصية.
6- علاج الوسط: ويقصد به تهيئة مجتمع صغير (مستشفي مثلاً) له فلسفة في الحياة وأهداف مشتركة وموقف محدد يشترك فيه المرضى وجميع الأفراد المعالجين، ويستعمل فيه سائر أنواع العلاج السابقة، بحيث يتيح للمريض فرصة المشاركة في جو خاص يتيح له إجازة مدروسة من عالم الواقع الذي لم يتحمله، ولكنه في نفس الوقت يحافظ فيه على درجة خاصة من العلاقات والنشاط يستعيد من خلالها قدرته على العودة إلى الواقع تدريجياً بطريقة أكثر قدرة وأوفر نشاطاً.
7- العلاج الجراحي: وهو العلاج الذي يهدف إلى قطع بعض الدوائر العصبية التي تساهم في توصيل وإثارة الانفعالات المرضية، ولا يستعمل إلا في الحالات المزمنة التي فشلت في الاستجابة لأي من العلاجات الأخرى.
2- إذا نجح العلاج في إيقاف سير المرض فصامي الشكل وربما في منع أغلب مضاعفاته أو كلها.. فهل يحق لنا أن نشخص مثل هذه الحالة تحت هذه الظروف بالفصام رغم عدم حدوث أي آثار تدهورية على الشخصية؟
3- إذا أعقب المرض بكل أعراضه الصريحة تغير في شخصيته المريض بشكل أكثر تكيفاً مع المجتمع، الأمر الذي يحدونا إلى تصور أن شخصية المريض قد تطورت إلى مزيد من النمو بعد المرض (وهذا ثابت علمياً في بعض الحالات) فهل يحق لنا أن نسمى المرض الذي أصاب هذا المريض مرضاً فصامياً؟
4- إذا استطاع فاحص مغامر ذو خبرة خاصة أن يوجد علاقة عميقة مع المريض ساعدت على اختفاء الأعراض وإعادة التماسك والتواصل لفترة الفحص. ثم تناثر المريض بعد ذلك، فهل يقلل هذا من احتمال تشخيص الفصام؟
5- إذا اختفت الأعراض تماماً أو كادت (حتى التلبد أو التفكك، وذلك بالسماح بالنكوص - أثناء العلاج مثلاً - والابتعاد عن المسئولية)، أو إذا أتيح للمريض النكوص نتيجة لظروف بيئية واقية من الناحية المادية والعاطفية الأمر الذي ساعد على اختفاء الأعراض،.. فهل يظل تشخيص الفصام محتملاً لمجرد أن الأعراض اختفت رغم وجود النكوص والاعتمادية.
كل هذه المشاكل وغيرها مازالت قيد البحث، وهي تدل على مدى تنوع هذا المرض وصعوبة تشخيصه كحدث مستعرض... خاصة وإنه عملية شبه مستمرة: تدهوراً وتماسكاً مرحلياً، ثم تحسناً ظاهرياً ثم تدهوراً وهكذا.
ولكننا نحب أن نشير أنه لا يمكن الجزم بصورة مطلقة بما يمكن أن يحدث لأي مريض مهما أظهر من علامات حسنة أو سيئة فإن هذه القواعد تصدق على أغلبية المرضى ولكنها لا تصدق عليهم كلهم في ذلك لأن الاختلافات الفردية قاعدة أصيلة.