الخميس، أبريل 07، 2011

إيمان العبيدى

إنها فتاة ليبية في الثلاثين من عمرها، وهي من مواليد مدينة طبرق في شرق ليبيا، تعمل محامية. ووفقاً للرواية التي ذكرتها، فقد جاءت من بنغازي في زيارة لشقيقتها الموجودة في مدينة طرابلس، ولمّا أوقفها رجال الأمن عند نقطة تفتيش في مدخل المدينة، عرفوا اسمها وجهة قدومها، فاقتادوها إلى منطقة أخرى تعرّضت فيها للاعتداء الجنسي لمدة يومين قبل أن يُطلق صراحها.
وفي يوم 26 مارس الماضي، اتّجهت إلى فندق "ريكسوس" في طرابلس لمقابلة الصحافيين هناك. وعرضت عليهم مأساتها في التعذيب والاعتداء الذي لقيته من قوّات القذافي. وحسب الفيديو الذي عُرض عن هذه الحادثة، فقد قامت سيدتان أو أكثر من موظفات الفندق وبعض الرجال بمحاولة إسكاتها بالقوّة، ثم تمكّنوا من اقتيادها رغم محاولة بعض الصحافيين الدفاع عنها. وقد أعلنت السلطات الليبية أن تلك الفتاة مختلة عقلياً، وكانت سكرانة، ثم تراجعوا عن القول باختلالها العقلي، وقاموا بترحيل الصحافيين الذين حاولوا مساندتها. وكذّب قولهم بسكرها توازنها الجسدي وتماسكها وقدرتها على التفريق بين من حولها. ونقلت الأخبار بعد ذلك، أن زوج أختها قد قتل، وأن هناك محاولات لإقناعها وإقناع عائلتها بتعويض مالي مقابل قيامها بتكذيب ادّعاءاتها. وفي الجهة الأخرى من ليبيا، قامت مظاهرات في بنغازي تطالب بالثأر لشرف إيمان العبيدي، وأعلن عن حفل زواج لها مع أحد أبناء قبيلتها.
وقد برزت نقاشات حول هذا الموضوع من أطراف متعددة، فهناك من يُصدّق رواية السلطات الليبية بأن تلك الفتاة كانت مخمورة، أو أنها مدفوعة لتشويه سمعة عناصر القذافي؛ وبناء على ذلك، فإنهم يُكذّبون القصة التي رويت ويعتقدون بأنها مختلقة لتحقيق أهداف إعلامية. وقد ورد في الإعلام الليبي تكذيب لها مع اتهامها بالعهر، وسرّبت صور لراقصة لاتشبهها قيل إنها لها. وفي المقابل، هناك من يصدّق هذه القصة ويتعاطف مع الضحيّة بمثل ما فعل عدد من أهالي بنغازي. وتحاول الأسطر التالية تسليط الضوء على طريقة فهم هذه القصة وعلاقة ذلك برؤية العالم.
فالفريق الذي يميل إلى تكذيب القصّة، ربط رأيه باعتبارات ثقافية منها أن المرأة التي ينتُهك عرضها تسعى إلى الكتمان والستر على نفسها، وليس مُتوقعًا منها أن تفضح أمرها أمام الملأ وخاصة أنها غير متزوجة، لأنها في النهاية ستحصل على عذاب اجتماعي أشدّ وأعنف مما تعيشه الآن وأطول مدى لأن العار سيلاحقها حتى الممات. يضاف إلى ذلك، اعتماد هذا الفريق على فكرة أن الحروب تُنتج معلومات غير دقيقة، ومن هنا، فليس هناك مايمنع أن تكون قصة تلك الفتاة ضمن أدوات الحرب الإعلامية.
أما الذين يصدّقون القصة فإنهم يجدون فيها عناصر المصداقية التي تتمثل في أن هذه الفتاة كشفت عن آثار التعذيب على جسدها، وصرّحت باسمها وانتمائها، ومن الواضح عليها أنّ الأسى بلغ فيها مبلغًا جعلها لا تعبأ بعد ذلك بما ينالها من أذى بعد انتهاك شرفها. ولايجد هذا الفريق أنها مستخدمة إعلاميًا لأن قوات القذافي ليست بحاجة إلى مزيد من الحقائق التي تثبت فسادها؛ فقد بدأت الحرب، وهاهم الثوار في طريقهم إلى تحرير ليبيا بأكملها.
على أن المكذّبين ينطلقون كذلك من اعتبارات ثقافية أخرى متعلقة برؤيتهم للمرأة بشكل عام، فتجدهم في الغالب يرون أنّ النساء حبائل الشيطان وأن كيدهنّ في الشرّ عظيم، وليس مستغربًا - عندهم - قيام امرأة بالافتراء على نفسها بعمل وحشيّ كهذا. وحتى لو لم تُوجد أسباب منطقية لتصرّفها، فيكفي أنها امرأة لكي تفعل ذلك. وتجدهم يسردون قصصًا قديمة وأخرى حديثة تثبت رؤيتهم حول مكر المرأة وفسادها. ومن غير المتوقع أنهم ينظرون لها خارج النمط التقليدي للمرأة التي ترضى بالهوان والاعتداء، ويفترض فيها أن تُداري جراحها بالصمت والكتمان.
وإذا تأملنا شخصية هذه الفتاة من المعلومات المذكورة عنها، فهي خريجة كلية الحقوق وتعمل محامية تُدافع عن حقوق الناس، وتُسافر وحدها، ممّا يُشير إلى أنها ذات شخصية حرّة وقويّة. وقد تكون ردود أفعالها قاسية حينما تعامل معها رجال الأمن في نقطة التفتيش، ممّا أثار حنق بعضهم فسعى إلى الانتقام منها في ظل وجود غريزة حيوانية ووحشية، وفي بيئة يسود فيها الانفلات الأمني الذي تضيع فيه الحقوق ويهلك فيه كل صاحب حق.
على أن الألم الفظيع الذي مرّت به، والعذاب النفسي والعقلي والجسدي الذي نالته خلال يومين جعلها تصل إلى درجة من اليأس، وهي درجة توازي الشجاعة التي تُخوّل المرء للبوح بقصّته دون وجل. ومع أنها تعرف مستوى ضعفها الجسدي والسياسي في مدينة لاتزال تحت سيطرة قوات القذافي، إلا أنها فعلت ذلك لعلّها تثير أهل الغيرة وتدعو أصحاب الإنسانية لكي ينصروا قضيتها. ومن هنا نلمس جانب الشجاعة في شخصيتها.
ولا يغيب عن البال التخمين بأنه لم يكن في بالها الحفاظ على الحياة لكي تعيش بقدر ماكانت راغبة في الكشف عن بشاعة هؤلاء الرجال، ويكون هدفها منطلقا من شخصيتها ومن دورها في الحياة وهو حماية غيرها من السيدات المغلوبات على أمرهن، ممّن ترمي بهن الأقدار دون رحمة ضمن وقود الحروب.