الثلاثاء، مارس 09، 2010

التغيير مؤلم جدا ولكن!

لا يمكن التغير دون إرادة و هو عمل لن يكون ممتعا في أغلب الأحيان بل محفوفا بالمكاره. يقول أحد المديرين في إحدى الشركات المرموقة في أمريكا، ذهلت من الحقيقة التي فاجأتني بها سكرتيرتي يوم استقالتها.
بعد أن وجدت مكانا آخر للعمل، أحضرت استقالتها إلى المكتب وعندما سألتها عن سبب استقالتها أخبرتني وبوجه عبوس، وبنزعة عدوانية، عن كرهها للعمل تحت إمرتي.
يقول، كنت أعتقد أنني لطيف ودود معها ومع أسرتها، وكنت أرغب أن أعرض عليها مزيدا من الحوافز المالية حتى أستبقيها، ولكن نزعتها وعنفوان العدائي الصاخب ساعة إعلامي باستقالتها جعلني أعيد التفكير في كل حياتي؛ قالت كلاما كثير، ولكن ما أثر فني قولها إنني جامد، لا أعير أي اهتمام لمشاعر من حولي.
بدأت أترقب العاملين معي، وأحاول أن أتسقط أحاديثهم وأمازحهم لأعرف ماذا يجري، ولدهشتي، أو لغبائي، وصلت إلى نتيجة مؤلمة مفادها بأن الجميع يتحاشى العمل معي، بل ويتحاشى إخباري بأي أخبار سيئة حتى لا يسمع كلامي ويرى ردة أفعالي.
ذهلت، يقول، ولكن الصاعقة كانت في البيت. في عطلة الأسبوع، تحدثت مع زوجتي وابنتي، عن مفاجئاتي في العمل وعن خسارتي للسكرتيرة، فإذا بالحقيقة الصاخبة تظهر لأول مرة كالصاعقة وهي أنه حتى أفراد عائلتي يشاطرون الموظفين في العمل رأيهم في أنني جاف ولا أعير اهتماما أو تعاطفا معهم ومع ما يقولون أو يمرون به من ظروف. حتى عائلتي تعتقد هذا؟ لم أطق كل هذا. كيف يمكن أن يحدث كل هذا مع أنني أقوم بكل ما أعتقد أنه لطف وأدب مع الجميع...ولكن هل يعقل أنهم جميعا يكذبون.
استشعرت خطورة الموقف وقبلت بوجود المشكلة. ولكن كيف معالجتها وأنا في قرارة ذاتي أعتقد جازما إنني لطيف؟ بعد لحظات تفكير مضنية، قررت أن أعالج نفسي. فاستقطعت وقتا من العمل ومن كل مشاغلي، وأخذت إجازة وذهبت إلى دولة لا أعرف لغتها، عن قصد. كان هدفي أن أتعامل مع تعابير الوجه والانفعالات والإشارات، أي أن أحاول تلمس المشاعر وأطوع نفسي على قراءة تعابير الأوجه التي تتعامل معي. كان هدفي أن أبتعد عن خداع الأحرف وسماع الأصوات. لا أريد وسيطا بيني وبين فهم من يتعامل معي.
يقول، طوعت نفسي لمدة أسبوعين على التعامل مع البشر ككتلة من المشاعر والتعابير والانفعالات لا مجرد عبارات متبادلة. حدث ما كنت أتمناه: بوادر شفاء. فمددت الإجازة لأنني بدـت أشعر بشيء مختلف يغزو طريقة تعاملي مع الباعة والمارة ومع كل أحد. بعد فترة، أحسست إنني أسير في الطريق الصحيح وأن مَلكَة التعامل مع الناس أصبحت لدي مختلفة، أو بمعنى آخر، بدأت في الظهور. عدت بعدها لحياتي بجلد وقلب مختلف. رجعت إلى المكتب وتعاقدت مع مدرب يتابع انفعالاتي وردة فعلي يوما إثر يوم. مع مرور الوقت، وموقفا إثر موقف، بدأت أشعر بالدفء من الجميع، ولم تصبح المسألة فقط كلمات...تغير الجميع وبدأت ألحظ محبتهم في حركاتهم وكلماتهم وتعابيرهم. كان لدى هذا الرجل هدف واضح فبذل كل ما يستطيع لتحقيقه حتى لو كانت التكلفة معاناة نفسية صعبة الاحتمال.
قصة معبرة أستذكرها كل مرة نتحدث عن التنمية وعن التطور وبقية المفردات الجميلة التي نتوق لتحقيقها على أرض الواقع ولكن مشكلتنا بأننا نريد أن يتقولب الجميع وفق ما نشاء ونشتهي. لا نريد أن نعترف أننا مقصرون أو أننا جهلة ونحتاج إلى تعليم أو مثابرة أو جهد؛ بل نريد أن تأتي الحلول تطرق أبوابنا بكل ليونة.
يبدو لي أن الحجر الأول للتعلم في أي مجال ألا تكون مغرورا تأنف من أن تكون تلميذا مهما كان مركزك أو عمرك، سواء كنت شخصاً أو مؤسسة أو دولة. ويفترض أيضا أنك لا تتشبث بما تعرفه في الماضي. فلو أنك كنت مهووسا بلعبة ''الدنانة'' أو ''عظيم ساري'' وهي ألعاب شعبية قديمة، فلا يعني أن قواعد تلك الألعاب يجب أن تستحضرها معك في تعلم ''البلاي ستيشن''، فمجرد محاولة رمي ''عظم'' على الجهاز لن يضيف لك نقاطا إضافية في اللعبة.
يبدو لي أننا - أشخاص ومؤسسات - لا نزال ننازع الحجر الأول ونحاول إثبات خطئه، ونحاول بأنظمة بالية مضى عليها أكثر من 30 عاماً أن نحقق تنافسية دولية مع دول تتحدث لغة النانو والهبوط على سطح المريخ... محاولة أجزم أنها مضيعة للوقت. التغيرات الجوهرية مؤلمة ولكن نتائجها باهرة. والشواهد لا تعد ولا تحصى. ولنكن على يقين بأن المتألمين لن يرحلوا بصمت. ولكن هي مسألة ترتيب أولويات؛ أيهما أهم: مستقبل بلد أو صراخ بضعة ديناصورات تنقرض؟