الثلاثاء، مارس 23، 2010

دور الأزمة المالية العالمية في تجفيف السيولة النقدية

الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أصبحت حديث العامة قبل الساسة وضربت باطنابها كل حدب وصوب. ومن المفارقات أن التبشير بهذه الأزمة المالية قد تم منذ أكثر من عامين ولكن ظل المعنيون بالأمر في كثير من دول العالم ينتظرون انفجار الفقاعة حتى يصدقونها.
وبما أن أغلب التحاليل المالية والاقتصادية التي نسمعها أو نقرأها أو نشاهدها عبارة عن ترديد ببغاء لما يقوله أصحاب الشأن في أمريكا فإنني لن ألجاء إلى التحليل أو استطراق وترديد لما يقولونه بل بدلاً من ذلك سوف اتحدث عن أساليب تجفيف السيولة من المنطقه وأهمية وجود إدارات طوارئ مالية واستراتيجية تضع بالحسبان كل الاحتمالات الجيدة وتركز على تلافي كل الاحتمالات السيئة. إن الاعتماد على سوء الظن في السياسة والاقتصاد يعتبر جزءاً من الجذور الذي ينبغي اتباعه ي كل الأوقات.
إن المعول عليه هو ما تم ويتم اتخاذه من إجراءات وسن لقوانين تصب في خانة حماية الاقتصاد الوطني من الرياح العاتية التي تهب على المنطقة بين الحين والآخر والتي بعضها أو أغلبها مصطنع ومفتعل وذلك للإعاقة باقتصاديات الدول المصدرة للبترول. كما أن بعضها حقيقي ناتج عن سوء الإدارة والفساد المالي والإداري الذي لا تخلو منه أية دولة في العالم ولكن العبرة في النسبة. فقد تكون في دولة 5% وفي دولة أخرى 90%. ناهيك عن سوء النية وتعمد التخريب أو الجهل عند البعض الآخر.
إن ما حدث ويحدث في الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يعطينا درساً غير قابل للنسيان يأتي في مقدمته أن لا نضع البيض بأي حال من الأحوال في سلة واحدة. وهذا يشمل الاستثمار والصداقة والتحالف وتبادل المصالح وعلى ذلك فإن أهم النقاط التي تصب في هذا الاتجاه ما يلي:
عند الاستثمار في الخارج يجب أن لا تتعدى نسبة المشاركة في المشروع الواحد أو المؤسسة الواحدة ال 10- 25% وذلك أن تلك النسبة المنخفضة لا تغري بإجهاض الشركة أو البنك من أجل الاستلاء عليها عن طريق خفض قيمتها ومن ثمَّ شرائها بأبخس الأثمان كما حدث في أحايين كثيرة ويحدث الآن على رؤوس الأشهاد.
على كل من ذاق مرارة الاستثمار في الخارج بعد أن حجَّر أمواله إلى هناك وبخل بها على وطنه أن يعود إلى رشده وأن يجعل لوطنه نصيب الأسد من استثماراته إن بقي منها شيء لأنه آمن وأنفع وآجر. ولا شك أن التسهيلات والضمانات مطلوبة وقد أصبحت موجودة ولكنها تحتاج إلى مزيد من الدعاية والإعلان والضبط والربط والشفافية.
إن مخاطر الاستثمار في الخارج كبيرة خصوصاً إذا انحصرت في دولة واحدة ولكن المخاطر تصبح أقل إذا تم توزيعها. ثم أن المخاطرة برأس المال من أجل تحقيق ربح عال وسريع هو عين الخسارة خصوصاً أن هناك سبلا ووسائل للاستثمار الآمن الأقل ربحية والأقل مخاطرة.
الاستعانة بالمستشارين الأجانب لا يمكن الاستغناء عنهم ولكن ترك الحبل على الغارب لهم هو ما يجب الحذر منه. فليس كل خبير أجنبي نزيه فهناك قلة منهم له مصالح وقد يعتريه التحيز وسوء النية فيكون ظاهر ما يشير به جيد لكن باطنه ملغم ومفخخ.
إننا اليوم مندوبون للاتجاه إلى اقتصاد المعرفة الذي يعرف بالاقتصاد الجديد والذي قوامه الاستثمار في العقول من خلال التعليم الجيد وهذا سوف يوفر لنا مصدر دخل متجدد ويوجد عقول استثمارية عالية المهارة والأداء وتدرك المخاطر وتحسب لها ألف حساب.
نعم إن الوقت قد حان لإنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية ليعمل كعين بصيرة للدولة والقطاع العام والخاص يدرس الظواهر قبل استفحالها ويصنع الدراسات المستقبلية ويأخذ من الماضي عبرة ومن الحاضر تجربة وللمستقبل خطط عمل. إن مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم لا تقوم على التوقعات والاحتمالات فقط بل إن لها دوراً استخباراتياً صناعياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وتقنياً بالإضافة إلى دراسة واقع السوق العالمية والمخاطر المحيطة بها. ناهيك عن معرفة انعكاسات المتغيرات الدولية. إن تلك المراكز لها مستشاريها وعملائها ومحلليها وخبرائها المنتشرين في جميع أنحاء العالم وتعزز ذلك بالتعاون مع مراكز الدراسات الاستشارية العالمية الموثوقة.
إن مراكز الدراسات الاستراتيجية المتفوقة تشكل جرس إنذار مبكر ورادارا يكشف الخطر قبل وقوعه. لذلك أصبحت الاستخبارات الاقتصادية أكبر وأكثر اتساعاً من المخابرات الأمنية والعسكرية وهذا يدل على ما للاقتصاد من أهمية كبرى هذه الأيام فهو عصب الحياة بما في ذلك الأمن.
إننا مدعوون اليوم إلى أن نستوعب الدرس الذي فرضته الأزمة المالية الأمريكية الحالية ناهيك عن أن نربط الأحداث ببعضها بدلاً من أن نتعامل مع كل واحدة على حدة. إن الحلول الناجحة تراكمية وليست اجتهادية.
إن التعلم من أخطاء الآخرين سمة الأذكياء الناجحين الطموحين القادرين على صنع واقع زاهر ومستقبل أفضل. إن التحولات المهمة في حياة الأمم جاءت على أيدي أبنائها الذين يتعلمون من أخطاء الآخرين وليس من خلال أخطائهم.