محمد مصطفى
كتبت في مقالي السابق أن محاولة الإسراع في إجراء الانتخابات يضر بالبلاد، وأنه يجب أولاً أن يتم تطهير البلاد من كافة النواحي، وختمتها بأسئلة أراها هامة لرؤية مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير، وأرى في الإجابة عن هذه الأسئلة الدليل الكافي على أن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الشهور القليلة القادمة يضر ضرراً كبيراً بمصر وينفذ المخطط الخبيث لخطف الثورة وقتلها في مهدها.
تساءلت… أيهما سيتم أولاً الانتخابات الرئاسية أم الانتخابات البرلمانية؟، وكيف يتم تطهير البلاد وتجهيزها لمرحلة جديدة؟، وحتى نجيب على الأسئلة فهناك مشاهد لابد من قراءتها جيدا.
وبداية أرى أن هناك سيناريو أسود يتم التخطيط له بحرفية بالغة عن طريق فلول النظام الذي حكمنا وعشش في كل شبر من أرض مصر، للعودة بأي شكل من الأشكال إلى واجهة الحكم والسلطة سعياً لعدم اجتثاث الفساد من جذوره، وهناك قاعدة عريضة للنظام المقطوع رأسه لو تأخرت العملية الانتخابية سيتم الكشف عن ممارساتها وفسادها، هذه القاعدة هي التي تستطيع أن تعيد للنظام حيويته وقدرته على العودة للسلطة بشكل جديد، وفي نفس الوقت يستطيع أن يحميها ويغطي على فسادها عند عودته للسلطة، هذه الفلول تجرنا جراً لإجراء الانتخابات وبسرعة ويساعدها في ذلك قوى إعلامية يمتلكها رجال أعمال وأجهزة أمنية كان للثورة الدور الكبير في إيقاف فسادها وممارساتها مؤقتاً وكشف منهجها الأمني الذي حولها لدولة داخل الدولة تسيطر على كل مناحي البلاد وتستأثر بمخصصات كبيرة ونفوذ اقتسمت من خلاله مع رجال الأعمال على خيرات مصر.
وحتى تتضح الصورة أكثر تعالوا معاً نقرأ خريطة جغرافية سياسية أمنية لمصر من أقصاها لأقصاها، ومن المعلوم طبقاً للأرقام وبشهادة الجمعيات الأهلية والقوى السياسية في مصر أن نسبة التصويت في القرى أكبر بكثير، وربما تصل نسبة التصويت في القرى ضعف النسبة في المدن، كما أن نسبة التصويت في الأقاليم أكبر من نسبتها في القاهرة والإسكندرية، ونسبة التصويت في الصعيد أكبر من نسبتها في الوجه البحري.
وعندما نعلم أن المجالس المحلية التي لم يتم حلها حتى الآن يبلغ عدد أعضائها 53 ألف عضو منهم واحد وخمسين ألفاً أعضاء في الحزب الوطني، وعندما نعلم أن وزارة الداخلية هي المنوطة بتعيين العمد وشيوخ البلد في كل قرى ونجوع مصر، وعندما نعلم أن مراكز الشباب في القرى والنجوع يتبع مسئولوها المجلس القومي للرياضة اسماً لكنهم فعلياً يأتمرون بأوامر أمن الدولة ولا يتم تعيين مسئولوها إلا برضا الأمن، وعندما نعلم أن الجمعيات الزراعية في قرى مصر مليئة بالمخالفات ومسئوليها يتبعون الحزب الوطني، وعندما نعلم أن مديري المديريات المختلفة في كل محافظات مصر أعضاء في الحزب الوطني بمعنى أن مديرية الصحة في القليوبية مثلاً يديرها عضو في الحزب الوطني، كذلك كل إدارات الصحة وقس على ذلك مديريات التعليم والصناعة والإسكان والتجارة وغيرها، وكل هذه الكيانات تدار عن طريق المحافظين ومديري الأمن، وأخيراً وليس آخراً عندما نعلم أن التواجد الإعلامي يقل كثيراً في الأقاليم مقارنة بالقاهرة والإسكندرية، وهو ما يجعل متابعة التجاوزات في القرى والنجوع والمدن الصغيرة في بحري وقبلي إعلامياً أو عن طريق منظمات المجتمع المدني صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً، والدليل أنه في أيام الثورة وفي ظل الضعف الأمني للشرطة لم يستطع الإعلام الخاص أو الخارجي أو حتى جمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني متابعة الحالة الثورية بمحافظات مصر المختلفة وكان التركيز على القاهرة والإسكندرية والسويس والمنصورة، ولم نعرف شيئاً عن باقي الأقاليم خاصة الصعيد، فما بالنا عندما تعود للقبضة الأمنية قوتها؟.
عندما نقرأ جيداً المشهد الجغرافي السياسي الأمني لمصر، نعرف أن إجراء الانتخابات في ظل هذا المشهد يعود بنا وبسرعة إلى ما قبل 25 يناير.
ففي قرى ونجوع مصر ومدنها الصغيرة يتم الآن توزيع استمارات لتشكيل حزب جديد تحت مسمى “حزب التحرير 25 يناير”، ويوزع استماراته أعضاء بالحزب الوطني ويساعدهم العمد وشيوخ البلد وأعضاء مراكز الشباب تحت أعين وبعلم أجهزة أمن الدولة، وبقيادة أعضاء مجلسي الشعب والشورى التابعين للحزب، وتم التركيز على القرى والمدن الصغيرة لابتعادها عن أعين الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان والثورة الشعبية، ويتم من خلال هذا ضم بعض أعضاء الحزب الوطني، كذلك يقوم الحزب نفسه بمحاولة لتجميل وجهه القبيح بتغيير اسمه ليصبح “الحزب الوطني الجديد”.
والتخطيط يتم على أن يدخل الحزب بنفس طريقة وخطة أحمد عز الشيطانية بدخول مرشحين اثنين أو ثلاثة تابعين للحزب في كل دائرة للسيطرة على أي خلاف داخل الدائرة، فيدخل مرشح من “حزب التحرير 25 يناير”، وآخر من “الحزب الوطني الجديد”، وفي ظل السيطرة الكاملة أمنياً على القرى والمدن الصغيرة بمحافظات الأقاليم، واستمرار أجهزة الأمن في العمل بنفس المنهج القمعي كما يتأكد ذلك يومياً، وأيضاً في ظل الغياب الإعلامي وغياب جمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني عن هذه القرى والنجوع والمدن الصغيرة، كذلك بعد المسافة بين القاهرة ومدن الصعيد التي تمثل ما يقارب نصف عدد سكان مصر ويمثلها عدد يقترب من نصف أعضاء مجلس الشعب وتسيطر فيها قبلياً عائلات مرتبطة بالحزب الوطني وأجهزة الأمن، وفي ظل القبلية الشديدة وطاعة الغالبية من الفلاحين خاصة الأميين العمياء للعمد وشيوخ البلد خوفاً من بطشهم، إذن فستكون نتيجة الانتخابات بمثابة كارثة ستأتي بعدد كبير من فلول النظام البائد خاصة في الصعيد الذي لم يطله المد الثوري مقارنة بمحافظات الوجه البحري.
ونعود للتساؤلات، أيهما سيتم أولاً الانتخابات الرئاسية أم الانتخابات البرلمانية؟، وكيف يتم تطهير البلاد وتجهيزها لمرحلة جديدة؟.
الأخبار الواردة تقول أن الانتخابات البرلمانية ستتم أولاً بحجة أن الرئيس الجديد لابد وطبقاً للدستور أن يؤدي اليمين أمام مجلس الشعب، والدستور معطل بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن يتذرعون بالدستور حتى تتم الانتخابات البرلمانية أولاً، أقول لهم أن تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطات الرئيس كما فوضها بذلك الرئيس السابق مبارك مخالف للدستور، فالدستور وطبقاً للمادة 84 ينص على:
“في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشـرط ألا يرشـح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقـرة الثانية من المادة 82، ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس الجمهورية. ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة.
فلماذا إذن لم يتحدث هؤلاء عن المخالفة الدستورية الواضحة التي ارتكبها مبارك بتحويل سلطاته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؟، والغريب أن بعض المؤيدين للثورة يتخوفون من أن الرئيس لم يتنحى وكان خطاب عمر سليمان يفيد بالتخلي عن منصبه، وكانوا يريدون أن ينص الخطاب على التنحي رغم أن الدستور فيه مادة هي “84″ تتحدث عن خلو منصب رئيس الجمهورية، وكان الإجراء الصحيح والمقبول دستورياً “أن يقوم مبارك قبل تخليه عن منصب رئاسة الجمهورية بحل مجلسي الشعب والشورى ثم التخلي عن منصبه وتحويل سلطاته لرئيس المحكمة الدستورية طبقاً للمادة 84 من الدستور”، لا أين يفوض المجلس الأعلى للقوات المسلحة بسلطات رئيس الجمهورية في مشهد غامض تم السكوت عن عدم دستوريته من المطنطنين بالدستور بطريقة أكثر غموضاً، وجعلت مقدرات الثورة في يد أحمد شفيق التي تتحكم وتنفذ رؤيتها الخاصة ورؤية فلول النظام بعيداً عن رؤى الثورة.
إذن نحن الآن نعيش في حالة مخالفة للدستور، ويجب ألا نتحدث عن ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية بحجة أن رئيس الجمهورية لابد أن يؤدي اليمين أمام مجلس الشعب، لأن تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطات رئيس الجمهورية مخالفة واضحة للدستور، والدستور أساساً مرفوض من الشعب، وترقيعه الحالي غير مرضي ويعيد انتخاب رئيس جمهورية فرعون كمن سبقه طالما سيتم انتخابه بنفس السلطات الديكتاتورية المنصوص عليها في الدستور، ولا أطمئن أبداً لما قامت به لجنة تعديل الدستور من وضع مادة تجبر الرئيس القادم ومجلس الشعب على “انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد خلال ستة شهور من انتخاب رئيس الجمهورية”، فهذا كله يعد التفاف على مطالب الشعب وثورته، وبعد سنين طويلة من الفساد الذي عشش في كل شبر من مصر، وطبقاً للسيناريو المخطط له من فلول النظام السابق فلا ضمانة إطلاقاً لتحقيق مطالب الشعب خاصة بعد عودة الجيش لثكناته وهدوء الشارع المصري وثورته، والسوابق كثيرة والتي قام فيها النظام السابق بحشد جماهير مدفوعة الأجر لتأييد رؤوس الفساد ومخططاتهم.
ثم هل ستتم الانتخابات البرلمانية القادمة في وجود الكوتة المشبوهة للمرأة؟، والمفصلة على مقاس عضوات مجلس سوزان مبارك القومي للمرأة، وفي ظل وجود 50% عمال وفلاحين والتي جعلت لواءات شرطة يدخلون مجلس الشعب بصفة فلاحين، ومنهم مثلا لواء شرطة دخل المجلس بصفة فلاح في دائرة الدقي وهو سفير نور، فهل الدقي بها أراضي زراعية ليمثلها فلاح في مجلس الشعب؟، وهل ستتم الانتخابات أيضاً في ظل قانون الأحزاب الذي يمنع تشكيل أحزاب إلا بموافقة أمن الدولة ومجلس الشورى المنحل؟، أسئلة كثيرة لا تجد لها إجابة وتجعلنا نشعر بأن الثورة تختطف عبر مخطط منظم.
المخطط أن تتم أولاً انتخابات مجلس الشعب وبسرعة استغلالاً للحالة السابق توضيحها للقرى والنجوع والمدن الصغيرة في الأقاليم، لأن تنفيذ مطالب الثورة بتشكيل مجلس رئاسي لفترة انتقالية عامين مثلاً يعنى أن تنتهي التحقيقات مع كبار رموز الفساد، هذه التحقيقات لابد وأن تكشف أن هناك رموز فساد آخرين في كل محافظة من محافظات مصر، بما يعني أن قواعد الحزب الوطني الفاسدة في كل مكان سيتم كشفها، وعلى رأس القواعد أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، وبالتالي سيتم القضاء على جذور الفساد في مصر، لأن قواعد الحزب إن سقطت تحت طائلة القانون ستكشف الكثير والكثير من الممارسات الفاسدة للرموز الكبيرة، وفي نفس الوقت ستقضي على آمال الرموز القديمة الكبيرة في العودة للسلطة من جديد.
السبب الثاني والأهم لمحاولات فلول النظام إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً وقبل الانتخابات الرئاسية هو تأمين وصول مرشح يتبع هذه الفلول لمنصب رئيس الجمهورية، هذا المرشح إن تم فتح باب انتخابات رئيس الجمهورية أولاً وقبل الانتخابات البرلمانية لن يستطيع التحرك بحرية هو ورجاله بنفس الدرجة التي يستطيع فيها التحرك مع رجال معهم حصانة برلمانية وفي ظل حماية أمنية وسيطرة للعمد وشيوخ البلد والبلطجية على صناديق الانتخاب، وبالتالي يستطيع برجاله الجلوس على مقعد رئيس الجمهورية، وبعد ذلك على الشعب أن ينسى ملفات الفساد والإصلاحات الدستورية.
ما أكتبه ليس سيناريو تخيلي، لأن ما ذكرته من ممارسات فلول النظام بالقرى شاهدته في قريتي بمركز قليوب، وذكر لي بعض الأصدقاء بمراكز ميت غمر و قويسنا وبيلا أن قراهم تشهد نفس المشهد، وممارسات الأمن المستمرة بنفس المنهج القديم تؤكده.
لهذا فالحل الوحيد هو الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتشكيل مجلس رئاسي يحكم البلاد لفترة انتقالية يتم فيها انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، وتفكيك جهاز أمن الدولة والحد من تغلغله في كل مؤسسات البلاد للحد الذي جعله يتحكم في كل شيء حتى وصول أشخاص معينين للمجالس النيابية وكل كيانات الدولة، والحصول عن طريق ذلك على مكتسبات ليست من حق رجاله، وإعادة تأهيل الشرطة من جديد والقضاء على منهج البطش والاستعلاء المسيطر على رجالها كباراً وصغاراً، كما يتم حل المجالس المحلية وتفكيك قواعد الحزب الوطني الفاسد في كل ربوع مصر، وفك الارتباط بين الأمن والعمد وشيوخ البلد في القرى والنجوع، وتغيير المحافظين ورؤساء المدن وقيادات المؤسسات الحكومية المختلفة تدريجياً، وإبعاد كل المتورطين بطريقة أو بأخرى في ممارسات مشبوهة مع فلول النظام البائد، وحل إتحاد العمال والنقابات التي شكلتها أجهزة الأمن وانتخاب نقابات تمثل العمال تمثيل حقيقي، وتغيير نظام اختيار عمداء الكليات والمعاهد والجامعات، وخلال هذه الفترة يستطيع النائب العام والتحقيقات أن تجتث جذور الفساد في مصر، وبالتالي لن يهرب فاسد من الحساب والعقاب.