الخميس، مارس 31، 2011

الرنين المغناطيسي الدماغ


يحتوي دماغ الإنسان على حوالي 100 بليون خلية عصبية (Neuron) ويساندها ما بين ال 1 إلى 5 تريليونات من الخلايا الدبقية (Glial Cells)، في نفس الوقت الذي ترتبط فيما بينها بحوالي 15 كوادريليون ( أي 15 وعلى يمينها خمسة عشر صفراً) وصلة عصبية (Synapse) بطرق معقدة وإلى حد كبير لا زالت غير مفهومة. هذه المنظومة المعقدة تقسم الدماغ إلى أجزاء شبه مستقلة وظيفياً والتي في الوقت ذاته تتعاون فيما بينها كشبكات لتمكن الإنسان من القيام بمختلف المهام الذهنية والحركية والحسية. فهم العلاقة بين نشاط الشبكات العصبية المختلفة وبين ما نشاهده من تصرفات وإدراك وأفعال إنسانية (أو حيوانية) في مختلف الحالات الصحية هي المقصد الأسمي لعلوم المخ والأعصاب. تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (Functional MRI أو fMRI) يعتبر من أحدث التقنيات التي في حوزة العلماء اليوم لمحاولة الوصول لهذا المقصد، وذلك عبر فتح نافذة يمكن من خلالها مراقبة عمل الدماغ عند القيام بمختلف مهامه وعلى اختلاف تعقيدها.
تقنية تصوير الرنين المغناطيسي (MRI) بحد ذاتها تعتبر جديدة نسبياً، إذا ما قورنت بالأشعة السينية مثلاً (عام 1895م)، حيث تمت أول دراسة على الإنسان في عام 1977م. منذ ذلك الوقت والتقنية تلقى رواجاً كبيراً وذلك لمقدرتها الفريدة على إصدار صور مقطعية بالغة الوضوح والدقة خصوصاً للأنسجة اللينة الغنية بالماء كالمخ والعضلات، وكذلك لسلامة استخدامها حيث انها لا تستخدم أشعة مؤينة كجهاز الأشعة السينية أو التصوير المقطعي. ولا يكاد يخلو اليوم أي مستشفى حديث من جهاز تصوير الرنين المغناطيسي لأهميته التشخيصية. الجدير بالذكر أن مخترعي ال MRI البروفسور بول لوتربر والبروفسور سير بيتر مانسفيلد قد حصلا على جائزة نوبل للطب في عام 2003 وذلك لتطويرهم لهذه التقنية.
يعمل ال MRI باستخدام مغناطيس قوي وموجات كهرومغناطيسية للحصول على صور يعتمد التباين فيها على الخصائص الفيزيائية للأنسجة، الأمر الذي طالما أتاح للأطباء الحصول على صور تشريحية يمكن التمييز فيها بين أنواع الأنسجة المختلفة وتحديد أماكنها بدقة ونوعها وحالتها الصحية من حيث المظهر. في أوائل التسعينيات اكتشف العلماء انه بالإمكان استخدام ال MRI لإصدار صور يعتمد التباين فيها على مدى تشبع الدم بالأكسجين، مما مكنهم من دراسة وظائف الدماغ حيث ان تفعيل خلايا الدماغ يؤدي إلى زيادة نسبة الدم المشبع بالأكسجين فيها. على سبيل المثال، عند تحريك إصبع يتم تفعيل مناطق الدماغ المسؤولة عن هذه الحركة، مما يؤدي إلى زيادة نسبة الدم المشبع بالأكسجين فيها وبالتالي التقاط هذا التغير بواسطة الجهاز. هذا يعني أنه بإمكاننا الآن استخدام ال MRI ليس لدراسة الشكل التشريحي للدماغ فحسب، بل ولدراسة وظائفه وهو ما يعرف بتصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). يتضح في الصورة المرفقة صور للدماغ وقد تم تحديد بعض الأماكن الوظيفية فيه.
تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي يوضح الأماكن المفعلة في الدماغ عند القيام بأداء وظائف مختلفة
يستخدم العلماء اليوم ال fMRI لتحديد أماكن الدماغ المسئولة عن طيف واسع من الوظائف كاتخاذ القرار والشعور بمختلف المشاعر وتمييز المرئيات والكثير من الوظائف التي يستحيل حصرها. ومع أن معظم الاستخدامات لهذه التقنية لا زالت في مجال البحث، فإن لها استخدامات سريرية مهمة وخصوصاً في مجال علاج وإدارة حالات الصرع. يستخدم ال fMRI اليوم وبشكل روتيني (في البلاد المتقدمة، وبشكل محدود في العالم العربي) لتحديد الأماكن المسئولة عن الحركة واللمس وذلك لتجنب استئصالها بقدر المستطاع عند القيام بجراحة لمريض الصرع، أو على الأقل لمعرفة المضاعفات المتوقعة للجراحة. كذلك يمكن استخدام ال fMRI لمعرفة شق الدماغ المسئول عن اللغة والتخاطب وذلك كبديل لإجراءات محدودة للجراحة تستخدم حاليا لهذا الغرض. مع أن بعض مستشفيات المملكة بدأت بتجريب هذا التطبيق، إلا أنه يبقى تجريبياً وغير مؤسس حيث ان جميع الطرق الحالية بلغات أجنبية ويلزم إجراء بعض البحوث للتأكد من جدواها باللغة العربية، وفي حالة عدم صلاحيته يتوجب استحداث طرق جديدة متطابقة مع اللغة والحضارة العربية.
في المستقبل القريب نأمل بتوفير تقنية تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي بكامل طاقاتها في بلادنا الغالية، فضلا عن استمرار الأبحاث العالمية والجهود الدولية الرامية لاستحداث تطبيقات سريرية أخرى خاصةً في مجال الصرع، حيث تجري البحوث حول تحديد الأماكن المختصة بالذاكرة وتحديد البؤر الصرعية بدقة وتكامل.
هناك الكثير من مرضى الصرع من لم يستفيدوا من العلاج الدوائي ولا يمكن علاجهم بالتدخل الجراحي لإزالة البؤرة الصرعية، وذلك لوجود بؤر صرعية متعددة في الدماغ لا يمكن التعامل معها جراحيا. وإضافة إلى ذلك توجد بعض البؤرات الصرعية في أماكن تتحكم في وظائف عصبية حساسة مثل مراكز الحركة ومراكز التخاطب، حيث يصعب إزالة البؤرة الصرعية جراحيا. في هذة الحالات يمكن اللجوء الى طريقة علاجية جديدة لعلاج الصرع من خلال التنبية الكهربائي للدماغ والأعصاب. تاريخيا تم استخدام الأسماك الكهربائية في القرن الأول الميلادي لعلاج الصرع، حيث يتم وضع هذا النوع من الأسماك واللتي تصدر شحنات كهربائية على رأس مريض الصرع لتخفيف النوبات الصرعية. وقد إستخدم الطبيب المسلم إبن سينا هذة الطريقة نفسها لعلاج الصرع. وهناك استخدامات كثيرة للتحفيز الكهربائي لعلاج أمراض عصبية مختلفة مثل مرض الرعاش وغيرها. وفي أواخر التسعينيات تم إعتماد هذة الطريقة العلاجية لتخفيف الصرع في الولايات المتحدة الأمريكية. هناك أنواع متعددة من أجهزة وطرق التنبيه الكهربائي .
تحفيز العصب الحائر
Vagal Nerve Stimulator VNSالعصب الحائر (المبهم) هو أحد أعصاب الدماغ الرئيسية، حيث يأتي ترتيبه العاشر من بين أثني عشر عصبا رئيسيا. ويرتبط العصب الحائر في أعضاء كثيرة من الجسم مثل القلب والجهاز الهضمي وغيرها. وقد اثبتت التجارب على الحيوانات أن تحفيز هذا العصب كهربائيا يؤثر على أجزاء كثيرة من الدماغ بما في ذلك قشرة الدماغ وكهربائيته. وقد وجد أن تحفيز العصب يقلل الشحنات الكهربائية الصرعية، وبذلك يقلل عدد نوبات الصرع وحددتها.ويتكون جهاز تحفيز العصب الحائر من جزءين. الجزء الأول هو القطب الذي يوضع حول العصب الحائر في الرقبة في الجهة اليسرى يلتف حول العصب ويرتبط بسلك يمد تحت الجلد الى البطارية التي تزرع في منطقة تحت عظم الترقوة كما هو موضح في الصورة. ويتم زراعة الجهاز تحت التخدير العام ويستغرق وقت العملية حوالي الساعة. ويتم تشغيل الجهاز بعد حوالى اسبوعين من زرعه بعد إلتئام الجروح. حيث تتم برمجة الجهاز بجهاز برمجة خارجي، كما توضح الصورة. بعد تشغيل الجهاز قد يشعر المريض بكحة مصاحبة لبداية البرمجة أو تغير بسيط في الصوت، حيث تنتهي بعد وقت قصير.
وتساعد هذة الطريقة من العلاج على تخفيف عدد نوبات الصرع وحدتها وقد تقل عدد النوبات الي أ كثر من ٥٠٪ وفي بعض الحالات تقل بنسبة ٩٠٪. وإضافة إلى ذلك قد يحسن هذا التحفيز من مزاج المريض حيث أ ن هذة الطريقة قد أستخدمت في علاج الإكتئاب.
التحفيز الدماغي العميق
Deep Brain Stimulator DBS
عبارة عن تركيب أقطاب كهربائية داخل الدماغ بإستخدام تقنية الجراحة الفراغية ثلاثية الأبعاد. حيث توضع هذة الأقطاب في نويات عميقة في الدماغ يساعد تحفيز هذة النويات في تخفيف حدة الصرع وهناك أماكن ونويات داخل الدماغ لا زالت تحت الدراسة والبحث لإثبات مدى فعالية التحفيز الكهربائي لهذه الأماكن في علاج الصرع. ومثال على هذة النويات هي النويات الأمامية للمهاد حيث تقع في عمق الدماغ وتتصل في مراكز مختلفة من قشرة المخ. ووجد أن التحفيز الكهربائي لهذة النويات يساعد في تخفيف الصرع. وفي دراسة أمريكية نشرت العام الماضي وجد أن أكثر من 50 ٪ من المرضى خفت عدد النوبات الصرعية بنسبة ٥6٪ وجزء بسيط منهم توقفت النوبات الصرعية لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
وبالرغم أن هذة الطريقة لازالت تحت البحث إلا أن عددا من المراكز الطبية في العالم تستخدمها كخيار علاجي متاح للمريض.
التحفيز العصبي الإستجابي
Responsive Neurostimulation RNS
وهو التحفيز الكهربائي للبؤرة الصرعية، حيث يتم تثبيط الشحنات الكهربائية في البؤرة الصرعية بتسليط نبضات كهربائية بمقدار معين يقلل من الشحنات الكهربائسة غير الطبيعية والمسببة للصرع. ويتكون الجهاز من أقطاب موضوعة في البورة الصرعية، حيث تقوم بتسجيل تخطيط الدماغ المستمر وفي حالة وجود شحنات كهربائية صرعية يقوم الجهاز المثبت في الجمجمة بإرسال نبضات كهربائية لإيقاف الصرع.