نشأ صاحبنا في قرية معروفة يحب أهلها بعضهم لبعض ، فكان التودد إلى الأصحاب أحد طباعه ، وتعلَّم من حياة القرية البساطةَ والانفتاح والتواصل ، فكانت هذه المعاني عبارة عن ميسم عام لشخصيته ...
كان قلبه أبيض كالثلج ، وكان لديه هموم عديدة ، وكان من جملة همومه إدخال السرور على إخوانه وأصحابه ، حيث لازمه في السنوات الأخيرة شعور قويّ بتفكك العالم على الرغم من كثرة أدوات الاتصال وتكاثرها، وكان يعتقد أن العزلة نوع من الموت ، ولهذا فإنه قرر أن يكسرها بكل وسيلة ممكنة ، وقد رأى أن إرسال الرسائل القصيرة والمعبرة إلى جوالات الأصحاب والأحباب مفيد جداً في ذلك ، ولهذا فإنه قرر أن يحاول تقاسم الهناء والسرور مع نفر منهم كلما شعر بالارتياح ووجد الوقت للتعبير عنه ، ولهذا فإنه يستعرض الأسماء المحفوظة في جواله ليختار منها أربعة أو خمسة أو عشرة ... ليرسل لهم التحية المقرونة بالدعاء ، إنه يريد أن يقول لهم : أنا بخير،وأرجو أن تكونوا بخير..
إنه ماهر جداً في صياغة التعبيرات الأنيقة والمختصرة ، ويرسل الرسائل ويتلقاها الإخوان ، فمنهم من يدعو له في سره ، ومنهم من يثني عليه أمام زوجته وأولاده ، ومنهم من يرد على تحيته بمثلها ، ومنهم من يرد عليها بأحسن منها ...
فلسفة صاحبنا في هذا بسيطة للغاية حيث إنه يعتقد أن الهناء مثل العلم ينمو بالتبادل ، فإذا كنت سعيداً فضاعف سعادتك من خلال مساعدة الآخرين على الشعور بمثل ما تشعر ، وليس هناك شيء يفعل ذلك كالدعاء والثناء.
وذات يوم طَلب من أحد أبنائه أن يفرغ له الأسماء المسجلة في هاتفه على ورق ، فملأت نحواً من خمسين ورقة ، وقد كان ابنه وهو يُفرغ تلك الأسماء يشعر بشيء من الضيق لأنه يرى أنه يقوم بعمل لا معنى له ، وبعد مدة اكتشف أن أباه يتناول في كل يوم الورقة العليا من تلك الأوراق، ليدعو لأصحاب الأسماء المرقومة فيها ثم يضعها في أسفلها ! قد أُعجب الابن بذلك ، وصنع بالأسماء التي على جواله كما صنع بالأرقام التي على جوال أبيه ، إنهما صارا ممن تقول لهم الملائكة كل يوم : (( ولك مثله ، ولك مثله ))
هذا هو الكرم الذاتي وهذه هو العطاء غير المشروط فحيّا الله الكرماء في كل زمان ومكان .