حين تُهِمُّ بالفرح افرح، ولا تجانب نداء قلبك وحواسك، ولا تغالط نبض قلبك للهروب من دائرة الركود، ومغادرة محطات الحزن إلى الأبد، واعلم أن الفرحة فرصة، لا يحق لعنادك أن يفوِّتها عليك، ولا يجوز لترددك أن يأخذك بعيداً عنها، أو ألا يدعها تكون في متناول يدك
وسارع من فورك إلى رصيدك من الكآبة، وانثره في مهب الريح، واذكر جيداً أن موسم العواصف والأعاصير قد لا ينتظرك مرة أخرى، مثلما كنت جلداً صبوراً أمام همومك، ووقفت في وجه الخوف بثبات، قف قليلاً الآن في محطة السعادة، وراقب كيف تملأ الألوان الأفق، وكيف تمتد أمام عينيك في زهو منقطع النظير
إن كل لحظة فرح في هذه الحياة تحتاج منك إلى المران، وإلى صقل النفس، وتحضيرها لاستقبالها، لأنك لم تعودها التسلل من كهوف الألم، ونسيت طويلاً طعم الابتسامة في رحلة الغروب المتواصلة
ذاك شبابك يناديك، يستصرخك وهو على وشك أن يغادر شرخه فيك، وأن يهجر شكله بين يديك، ويلقي بدمائه كلها على قارعة طريق الحياة، التقط شبابك قبل أن تمر به قافلة الرحيل، وقبل أن تمر عليه أمارات الأفول.. التقطه، وحلق به عالياً، واجنح قليلاً إلى الشروق، وغنِّ لحن الحياة كما ينبغي أن يكون بين شفتيك
ابتسم من فورك، فالابتسامة مظروف السعادة، وتذكر جيدًا -أيها المسافر عن ذاته- أن الوقوع في الفرح مثل الوقوع في الحب، فكلاهما لا يطفئهما ماء، ولايسكنهما طبيب، بل إن أي محاولة لإيقافهما، إنما تزيد من توهجهما، لأنهما حطب ونار في آن معاً، فكن في نفسك عارفاً حق نفسك، واقرأ دليل قلبك جيداً، واحذر لذة الجهل، وسعادة الكذب، وفرحة الخيانة، وابتسامة المتكبر، فهذه كلها لا تعنيك ولا تساوي إلا لحظة من خداع بصر، ودهراً من خديعة بصيرة
وإياك إياك أن تبحث عن السعادة في شهوتك، وعن الفرح في مشاهد عبثك، فهذا كله يتآمر عليك، وينتظر دائماً اللحظة المناسبة للانقضاض على منجزاتك، وللإطاحة بك من أعلى نقطة وصلتها، أو حلمت بالوصول إليها
تنكب طريقك جيداً، وازهد في اجتهادك بانتقاء العناوين، ولا تغير لون الفطرة فيك، وكن متيقناً من لون طموحك قبل أن تورد جموحك إلى مشارب الحياة، ولا تلتفت إلى فرح غيرك، إلا إذا دفعتك الغيرة إلى ذلك، أو نهرك الحزن ذات يوم عن مائدته
انطلق من فورك الآن إلى الأعلى، وارعَ قطعان النجوم لليلة واحدة، وتذوق طعم القمر في رشفة واحدة، من على شرفة عتيقة الهوى، معتقة المشاعر، واحكِ للجميع طعم ولون صباك، لعلهم يتحولون.. ولو مرة واحدة في تاريخ الهوى.. إلى صباك أنت، وينسوا، أو قل يتناسوا صبا نجد