غزو واجتياح خطير ومنظم من قبل الأمم المتحدة للبلاد الإسلامية عبر تلك المؤتمرات التي بدأت عام 1967م، بإصدارها "إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، والذي لم يكن إلزاميًّا، فلم تتجاوب معظم الدول معه، خاصة دول العالم الثالث، مما دعا الأمم المتحدة إلى اعتماد عام 1975م عامًا دوليًّا للمرأة تحت شعار: "مساواة، تنمية، سلام".
وتوالت بعد ذلك المؤتمرات بهدف مزيد من إدماج المرأة في المجتمع ومزيد من المساواة، وكان منها مؤتمر بكين والذي وضعت العديد من الدول الكثير من التحفظات على بنوده، فأتبع بسيل متدفق من المؤتمرات كلها تسعى لرفع هذه التحفظات ومسخ الشريعة الإسلامية بل وكل الشرائع والأعراف بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان؛ وخاصة الجانب الأضعف، وهما: المرأة والطفل بعد أن أصبحت هيئة الأمم المتحدة لسان حال النسويات والشواذ.
وأصبح الهاجس الوحيد الذي يسيطر على القائمين على هذه الهيئة هو عولمة تلك الثقافة الشاذة بل وتقنينها والترويج لها من خلال تلك المؤتمرات والتي غالبًا ما تتضمن نفس المطالب وبإلحاح، وإن كان تحت مسميات مختلفة، ففي عام 1989م أصدرت الأمم المتحدة اتفاقيه حقوق الطفل ثم أصدرت بعدها وثيقة عالم جدير بالأطفال.
سعيًّا لتحقيق أهداف محدده عبرت عنها بنودهما الشاذة، كزعمهم أن الزواج المبكر من أنواع العنف ضد الطفلة الأنثى، في ذات الوقت الذي تروج فيه لإطلاق الحرية الجنسية للأطفال، بل وتعليمهم الثقافة الجنسية "الجنس الآمن" في سن مبكرة بدعوى الحماية من الإيدز أو حدوث حمل غير مرغوب فيه؟!
وعلى الرغم من أن الوثيقة خاصة بالأطفال إلا إنها تعرضت لقضية المرأة، وكذلك لمصطلح "الجندر" الذي يفتح الباب للاعتراف بالشواذ، بل وإعطائهم كافه الحقوق بما فيها عدم الوصم أو الازدراء، وإلغاء كافه الفوارق بين الجنسين واعتبار أي فارق هو تمييز ضد المرأة، فنفس الأجندة المطروحة في اتفاقيات المرأة هي ذاتها المطروحة في اتفاقيات الطفل.
فجميع تلك الاتفاقيات الدولية تحتوى بنودها على الترويج لكل ما يخالف الشريعة، ومنها مثلًا: اعتبار أن من مظاهر العنف ضد المرأة "العذرية" أي بقاء الفتاة عذراء إلي أن تتزوج، وهو ما تصفه وثائق الأمم المتحدة بالـ "العنف والكبت الجنسي".
وتسعى للحد من هذا الكبت من خلال طرحها تقديم خدمات الصحة الإنجابية للمراهقين، والتي تتمثل في إتاحة وسائل منع الحمل والتدريب على استخدامها.
وإن كانت الأمم المتحدة قد اعتمدت أسلوب الألفاظ غير المحددة المعنى لتمرير مثل هذه المفاهيم، والتي تقبل أكثر من تفسير حسب الثقافات المختلفة ـ في بداية الأمر ـ ومنها مثلا ألفاظ "الصحة الجنسية والرعاية الصحية"، والتي قصد منها تمتع الأطفال والمراهقين بحياة جنسية آمنة لعدم الإصابة بالإيدز، كما نصت عليها وثيقة بكين أو "safe abortion" أي حق الإجهاض الآمن، وهو ما يعطى المرأة الحق في الإجهاض؛ وتخضع قضيه النقاش هنا للطريقة الآمنة وليس لرفض الإجهاض في حد ذاته!
إلا إن هذه اللغة اختلفت وارتدت ثوبها الأخير في التعبير عن تلك المصطلحات بالمعنى الذي حددته الأمم المتحدة دون مواربة ودون أدنى احترام لاختلافات ثقافات الشعوب، ولعل بعض نصوص وثيقة "القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضد الطفلة الأنثى" والتي صدرت في 16 مارس 2007م تعكس الاختلاف ليس فقط في اللغة، وإنما أيضًا في مطالبة الحكومات ومحاسبتها على ما تم تنفيذه منها أو ما تم التقصير فيه، وتحديد وقت لتنفيذ ما تم التقصير فيه!
ومن هذه البنود:
تحديد الضغوط والفجوات وخلق استراتيجيات مناسبة بالتعاون مع الآباء والأوصياء القانونيين والمعلمين وقادة المجتمع لضمان مساواة "الجندر" والإسراع بعملية المساواة في الالتحاق بالمدرسة وإكمال التعليم في الطفولة المبكرة والمرحلة الابتدائية وكل المراحل الدراسية لكل الفتيات، ومن ضمنهن المراهقات الحوامل والأمهات الصغيرات، وخاصة في الأماكن والمجتمعات المهمشة والقرى والأماكن النائية؛ وخلق معايير مؤقتة خاصة إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
تشجيع ودعم اهتمامات الفتيات والصبية وتضمينهم في المجالات والوظائف غير التقليدية؛ وذلك بهدف تبادل الأدوار بين النساء والرجال، ودعم أدوات تعليمية حساسة بالنسبة لـ"الجندر".
ضمان أن النساء الصغيرات والرجال لديهم الفرصة للوصول للمعلومات والتعليم ومن ضمنها التعليم الخاص بالشباب حول الإيدز والتعليم الجنسي والخدمات اللازمة لتغيير السلوكيات، وذلك لتنمية مهارات الحياة اللازمة لتقليل تعرضهم للإيدز والأمراض الإنجابية في شراكة كاملة مع الأشخاص الصغار، الآباء، العائلات، المعلمين، ومقدمي الرعاية الصحية.
ضمان أن كل السياسات والبرامج الموجهة للوقاية والعلاج والعناية والدعم لمرضى الإيدز تولي اهتمامًا خاصًا ودعمًا للطفلة الأنثى المعرضة للمرض أو المصابة به أو المتأثرة به، ومن ضمنها الفتيات الحوامل والأمهات الصغيرات والمراهقات، كجزء من جهود متكاملة للتقدم باتجاه الهدف للوصول إلى وقاية وعلاج ورعاية ودعم للمرضى بحلول عام 2010م.
كما دعا التقرير إلى الحفاظ على حقوق الشواذ في أكثر من فقرة، ونص أيضًا على ما أسماه بـ"حق تحديد الهوية الجنسية للفتيات" وقد كان هذا هو نفس المطلب الذي جاءت به اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو"، ووثيقة "بكين" التي تعدُّ وثيقة سياسات وآليات لتطبيق بنود السيداو للمطالبة بإلغاءِ كافة الفوارق بين الجنسين؛ كما احتوت التوصيات في نفس الوثيقة بوجوب تطبيق السيداو كاملًا ودون إبطاء؟!
ولعل خطورة العمل بهذه التوصية تكمن في أن السيداو وما تبعها تسعى للقضاء على كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة.
هذا النداء الذي خرج من داخل المنظمات النسائية، والذي أخذ في التطور مع الوقت للمطالبة بالمساواة الكاملة أو المطلقة Full or Absolute Equality، بل وانتهى بالمطالبة بالتماثل بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والخصائص والوظائف، بل والاستغناء عن الرجل، وإقامة مجتمع منفصل للنساء!
لذلك خرجت العديد من الأصوات تناهض هذه الدعاوى التي تسعى لتغيير القيم والثقافات المتعلقة بأدوار الرجال والنساء، واستبدال الشريعة الإسلامية كمرجعية في التشريع للأسرة بالمرجعية الدولية التي تصيغها الأمم المتحدة، ثم متابعة الأمم المتحدة للحكوماتMonitoring للتأكد من تطبيقها الكامل لتلك الاتفاقيات، من خلال صياغتها كقوانين وطنية تطبق في المحاكم.
وبالفعل بدأت العديد من الدول الإسلامية تطبيق هذه البنود في قوانينها لتتماشى مع ما ورد في تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية ولعل أبرزها مدونة الأحوال الشخصية المغربية الجديدة التي ألغيت فيها قوامة الرجل وفرضت قيود شديدة على التعدد، وعلى قدرة الرجل على إيقاع الطلاق بالإرادة المنفردة.
وتلاه أيضًا تحديث لقانون الأحوال الشخصية التونسي وأطلق عليه مجلة الأحوال الشخصية، ومقدم الآن مشروعات لقوانين مطروحة للنقاش تسير على نفس النهج ببعض الدول الإسلامية الأخرى مثل: الأردن ومصر وسوريا والبحرين، مما يؤكد أن تلك التعديلات إنما هي مجرد التزامات دولية تفرضها الوثائق الدولية، وليست نابعة من احتياج حقيقي داخل المجتمعات المسلمة التي رضخت للغرب غير عابئة بمحو خصوصيتها الدينية أو الثقافية.
وللأسف لم تكتف الأمم المتحدة بالسيطرة على الحكومات، ولكنها استطاعت وكذلك الجمعيات التابعة لها، استمالة بعض المنظمات بل وبعض القوى الدينية في الغرب للمطالبة بما ينادون به، ولم يعد الأمر سرًا في اكتشاف أن هناك منظمات نسوية "أنثوية" تتقاضى التمويل الأجنبي لأجل نشر الإباحية والشذوذ ... إلا إنها لازالت تسعى لكسب المزيد من التأييد داخل المنظمات الإسلامية.
فقد صرح مسئولون من ائتلاف المنظمات الإسلامية المكون من 103 منظمة إسلامية عبر العالم بتعرُّض المنظمات النسوية بالمجتمعات الإسلامية لضغوط وإغراءات تمويلية لتبني بعض المفاهيم ومشروعات القوانين المشبوهة، ونشرها داخل المجتمعات الإسلامية.
وعلى الرغم من قوه هذه الضغوط إلا إن هناك العديد من المنظمات الإسلامية والمسيحية أيضًا التي تصدت لهذا المخطط بل وشكلوا ائتلاف لمنع تمرير تلك البنود الإباحية وهو ما فعلته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالتنسيق مع منظمات نسائية مسيحية أبرزها منظمات "pro-life"،"pro-family coalition"، أي ائتلاف الأسرة والحياة وهي منظمات كاثوليكية ومورمونية داعمة للأسرة ومناهضة للإجهاض، لتوصيل صوت عالمي رافض لأجندة الأمم المتحدة.ولعل هذا الإصرار من قبل تلك الجهات إنما يؤكد أن هدفهم ومخططهم النيل من هويتنا الإسلامية، ويقينهم بأن هذه المجتمعات المتدينة لا يمكن خرقها إلا بإبعاد أبنائها عن الدين، وهو ما تسعى لتحقيقه عبر كسر إرادة وعزيمة من يواجهون هذا الهدف ويقفون حائلًا دون تطبيقه، فتلوح لهم بالمال حتى تثنيهم عن مواقفهم النبيلة، إلا إن الخوف كل الخوف يأتي من عدم قدره هذه الجهات على الاستمرار أمام الضغوط السياسية أو الاقتصادية التي تتعرض لها فعليًّا.