ذكر أن سعد بن أبي وقاص أخرج طليحة بن خويلد في خمسة رجال، وعمرو بن معدي كرب في خمسة - يعني عيوناً له - صبيحة قدم رستم قائد الفرس فرجع عمرو وأصحابه وأصحاب طليحة لما رأوا كثرة عدوهم ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه، فلما أدبر الليل خرج وقد أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر فإذا فرس لم ير في خيل القوم مثله وفسطاط أبيض لم ير مثله، فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس فركبه وخرج يعدو به ونذر به الرجل والقوم، فركبوا الصعبة والذلول في طلبه فأصبح وقد لحقه فارس. فلما غشيه وبوأ له الرمح ليطعنه عدل طليحة فرسه فندر الفارسي بين يديه فَكَرّ عليه طليحة فقصم ظهره بالرمح، ثم لحقه آخر ففعل به مثل ذلك ثم لحق به آخر ففعل به مثل ذلك، فلما كر عليه طليحة عرف أنه قاتله فاستأسر فأمره طليحة أن يركض بين يديه، ففعل حتى غشيا عسكر المسلمين وهم على تعبئة فأفزع الناس وجوزوه إلى سعد فأخبره بما صنع، وجيء بالترجمان فأقيم بين يدي سعد والفارسي. فقال الفارسي: أخبركم عن صاحبي هذا قبل أن أخبركم عما قبلي باشرت الحروب وغشيتها وسمعت بالأبطال ولقيتها منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى، فلم أسمع بمثل هذا أن رجلاً قطع عسكرين لا تجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفاً يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما دون ذلك، فلم يرض أن يخرج كما دخل حتى سلب فارس الجند وهتك أطناب بيته فأنذره وأنذرنا به فأدركه فارس يعدل بألف فارس فقتله، ثم أدركه الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته ولا أظنني خلفت بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين وهما ابنا عمي فرأيت الموت فاستأسرت. ثم أخبره عن أهل فارس أن الجند عشرون ومائة ألف، وأسلم الرجل وعاد طليحة وقال: والله لا تغلبون ما دمتم على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح فكان من أهل البلاء يومئذ، رحمه الله رحمة واسعة.